الاربعاء 14 مايو 2025 | 06:48 مساءً

الشرع وترامب وبن سلمان
شهدت الساحة السياسية الدولية تطورًا دراماتيكيًا هذا الأسبوع، بعد أن التقى الرئيس السوري أحمد الشرع، المعروف سابقًا باسم أبو محمد الجولاني، بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب في العاصمة السعودية الرياض، في أول اجتماع رسمي بين الجانبين منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد.
وجاء لقاء الشرع وترامب في المملكة العربية السعودية والذي وصفته مصادر دبلوماسية بـ"المفصلي"، تتويجًا لمسار سياسي معقد خاضه الشرع، بدأ من ميادين القتال في صفوف تنظيم القاعدة وملاحقات المحاكم الدولية له، وانتهى به في قصر الرئاسة بدمشق، وفقًا لتقرير وكالة "رويترز".
من سجون الاحتلال الأمريكي إلى قمة المشهد السياسي
انطلقت رحلة الشرع في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حين انضم إلى تنظيم القاعدة في العراق في أعقاب الغزو الأمريكي عام 2003، وأمضى سنوات في السجون الأمريكية هناك، قبل أن يعود إلى سوريا لينخرط في التمرد المسلح ضد بشار الأسد، ثم يقود لاحقًا أحد أكثر الفصائل نفوذًا في الحرب السورية.
وبلغ هذا المسار ذروته في ديسمبر 2024، حين دخل الشرع دمشق كحاكم فعلي للبلاد، بعد أن شن مقاتلوه هجومًا واسعًا من شمال غرب سوريا أطاح بالنظام السابق، مستغلين انشغال روسيا وإيران – الداعمتين الرئيسيتين للأسد – في نزاعات أخرى خارج الحدود.
من أبو محمد الجولاني إلى الرئيس الشرع
عُرف الشرع لسنوات باسم أبو محمد الجولاني، القائد المؤسس لجبهة النصرة، الجناح السوري الرسمي لتنظيم القاعدة، لكنه قطع علاقته بالتنظيم الأم في عام 2016، وأعاد تشكيل مجموعته لتظهر في صورة فصيل وطني يهدف إلى إسقاط الأسد لا إلى خوض معارك الجهاد العالمي.
وبعد توليه السلطة، تخلى عن الزي العسكري لصالح البذلات الرسمية، وبدأ في تقديم نفسه كزعيم إصلاحي يعد بإرساء نظام عادل وشامل، ينهي الحكم البوليسي الذي خلفه الأسد، ومنذ ذلك الحين، تعهد بإعادة توحيد البلاد، وإنعاش الاقتصاد المنهك، ووضع السلاح تحت سيطرة الدولة.
تحديات في الداخل وتحفظات دولية
رغم الدعم السياسي من تركيا والسعودية وقطر، واجه الشرع صعوبات جسيمة، فقد أبقت الفصائل المسلحة على سلاحها، وظلت العقوبات الغربية مفروضة، وارتكبت بعض المجموعات المحسوبة على سلطته انتهاكات طائفية، ما أثار مخاوف الأقليات، خاصة بعد مجازر انتقامية طالت المدنيين من الطائفة العلوية عقب هجمات موالية للأسد في الساحل السوري في مارس الماضي.
وفي السياق نفسه، أعلنت إسرائيل أن جنوب سوريا "منطقة محظورة" على قوات الشرع، مؤكدة أنها لن تسمح بأي تهديد للأقلية الدرزية، وقد جاء الهجوم الصاروخي الإسرائيلي بالقرب من القصر الرئاسي في دمشق في الثاني من مايو بمثابة رسالة واضحة بأن تل أبيب تراقب عن كثب تحركات السلطة الجديدة.
لقاء ترامب بداية جديدة أم اختبار للشرعية؟
يمثل لقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالشرع في الرياض، لحظة مفصلية في مساعي الشرع لكسب الشرعية الدولية، وفي تصريح أدلى به ترامب للصحفيين على متن الطائرة الرئاسية بعد الاجتماع، وصف الشرع بأنه شاب جذاب وله ماضٍ قوي جدًا، مضيفًا: "لديه فرصة حقيقية للحفاظ على تماسك سوريا، إنه زعيم حقيقي".
ويأتي اللقاء في أعقاب إعلان ترامب إنهاء العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا، وهو ما اعتبر دعمًا مباشرًا لمحاولات الشرع لإنقاذ الاقتصاد السوري وإعادة دمج دمشق في النظام الدولي.
الإسلام السياسي والدستور المؤقت
رغم محاولاته تبني خطاب معتدل، لا تزال الخلفية الإسلامية الجهادية للشرع تثير جدلاً داخليًا وخارجيًا، وقد تهرب من الإجابة المباشرة عن سؤال حول موقفه من تطبيق الشريعة الإسلامية، قائلاً: "هذا أمر يُترك للخبراء"، مكتفيًا بالإشارة إلى أن نظام الحكم الجديد يستند إلى الشرعية الثورية.
وقد أثار الدستور المؤقت، الذي يتركز فيه كثير من الصلاحيات في يد الرئيس، مخاوف من انزلاق البلاد مجددًا نحو الاستبداد، في نفس الوقت أبدى الشرع انزعاجه من إرث الأسد في لقاء مع رويترز، قائلاً: "صدري يضيق في هذا القصر، وأنا مندهش من حجم الشر المنبعث من كل زاوية فيه".
جذور الشرع
ولد أحمد الشرع في المملكة العربية السعودية، حيث أمضى طفولته قبل أن ينتقل إلى سوريا، وكان والده من دعاة القومية العربية، وهي أيديولوجية تختلف جوهريًا عن الإسلام السياسي، إلا أن الشرع تأثر بشدة بالانتفاضة الفلسطينية الثانية التي اندلعت عام 2000، وهو ما كان له الأثر الأكبر في تشكيل مسيرته الفكرية والسياسية.
وبعد عودته من العراق، أوفده زعيم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق آنذاك، أبو عمر البغدادي، لتعزيز وجود تنظيم القاعدة في سوريا، وقد صنفته الولايات المتحدة "إرهابيًا" في عام 2013، مشيرة إلى مسؤوليته عن عمليات انتحارية استهدفت مدنيين، ورؤيته الطائفية المتطرفة.
من القناع إلى الكاميرا
كان أول ظهور إعلامي للشرع كان في عام 2013، حين أجرى مقابلة مع قناة الجزيرة بوجه مغطى وظهره للكاميرا، مؤكدًا أن سوريا يجب أن تُحكم بالشريعة الإسلامية، أما في مقابلته مع برنامج "فرونت لاين" عام 2021، فكان يظهر وجهه علنًا، مرتديًا قميصًا وسترة، وقال إن تصنيفه كإرهابي "غير عادل"، مؤكدًا أنه يعارض قتل الأبرياء.
وعن موقفه من هجمات 11 سبتمبر، قال: "أي شخص في العالم العربي أو الإسلامي يقول إنه لم يكن سعيدًا في البداية سيكون كاذبًا، لكن الناس يندمون بالتأكيد على قتل الأبرياء"، معتبراً أن جبهة النصرة لم تكن أبدًا تهديدًا للغرب.


إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل نيوز يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
0 تعليق