بوابة العرب
الأربعاء 14/مايو/2025 - 09:47 م

مع انطلاق الرئيس ترامب فى أول زيارة رسمية له إلى المملكة العربية السعودية خلال ولايته الثانية، قال مايكل راتنى سفير الولايات المتحدة الأمريكية لدى السعودية من عام ٢٠٢٢ إلى عام ٢٠٢٣: لا شك أن المملكة شهدت تحولًا ملحوظًا منذ زيارته الأخيرة عام ٢٠١٧. فالسعودية اليوم أبعد ما تكون عن تلك التى كانت عليها عندما وطئت أقدامه أرضها.. إنها أكثر حيوية وطموحًا، مع إصلاحات شاملة أعادت تشكيل مجتمعها جذريًا. يُعد هذا التطور بالغ الأهمية لفهم ما شهده ترامب فى الرياض وكيف قد تؤثر زيارته على الأمن القومى الأمريكي.
مرحلة انتقالية
ومضى مايكل راتنى يقول فى مقاله بالصحيفة: عندما زار ترامب المملكة العربية السعودية عام ٢٠١٧، كان ولى العهد الأمير محمد بن سلمان لا يزال فى البداية، وكانت رؤية ٢٠٣٠، خطة الإصلاح الاجتماعى والاقتصادى الطموحة التى قادها محمد بن سلمان، قد أُطلقت للتو، ولم تكن إمكاناتها التحويلية قد تبلورت بالكامل بعد. كانت النساء لا تزال غير قادرات على القيادة، وكان الهيكل المجتمعى أكثر صرامةً ومحافظةً.
أما اليوم، فقد تغيرت المملكة العربية السعودية جذريًا. فقد أُلغيت قوانين الوصاية التقييدية التى كانت تُملى فى السابق كل جانب تقريبًا من جوانب حياة المرأة. تقود النساء الآن السيارات، ويعملن فى مختلف القطاعات، بل ويشاركن حتى فى البطولات الرياضية. أما هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، التى كانت ذات يوم قوةً حاضرة فى كل مكان، فقد فقدت الكثير من نفوذها. كما تقود المملكة العربية السعودية استثمارات عالمية فى الطاقة المتجددة، مما يُشير إلى استراتيجية تطلعية لتنويع اقتصادها بعيدًا عن النفط.
غالبًا ما تُعتبر هذه التغييرات، التى يقودها محمد بن سلمان، مجرد دعاية خارجية، ولكن خلال فترة عملى كسفير للولايات المتحدة فى المملكة العربية السعودية، اتضح أن المزاج العام فى البلاد كان مختلفًا تمامًا. فالسعوديون، بغض النظر عن آرائهم فى كل سياسة، يُنسبون إلى محمد بن سلمان الفضل فى دفع البلاد نحو التحديث، وتعزيز الفخر الوطني، والشعور بالتفاؤل بالمستقبل.
التحديات والانتقادات
ومع ذلك، فإن هذا التحول يحتاج وقفة. لا تزال المملكة تعتمد بشكل كبير على عائدات النفط لتمويل خططها الطموحة، ورغم الاستثمارات فى الطاقة المتجددة، لا يزال اقتصادها عرضة لتقلبات أسعار النفط العالمية. هذه مخاوف جدية لا يمكن التغاضى عنها، لكنها لا تنفى التقدم الكبير الذى أحرزته البلاد.
فى الواقع، أود أن أؤكد أن المملكة العربية السعودية تسير نحو مسار أفضل، حيث تتبنى نهجًا إسلاميًا أكثر اعتدالًا، وترفض معاداة السامية، وتركز على الشراكات الاقتصادية والأمنية التى تعود بالنفع على كل من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة. ويساهم استقرار المملكة العربية السعودية وازدهارها بشكل مباشر فى استقرار الشرق الأوسط، مما يعزز بدوره أمن الولايات المتحدة.
شراكة استراتيجية
القضية الرئيسية للولايات المتحدة فى هذه الزيارة هى كيفية تعزيز الشراكة الاستراتيجية مع السعودية مع تعزيز القيم الأمريكية. يمكن لترامب أن يبدأ بالإشارة إلى التزام أمريكا بنجاح المملكة العربية السعودية من خلال إجراءات عملية، مثل تسهيل تصدير التكنولوجيا المتقدمة، مثل رقائق الذكاء الاصطناعي، لدعم قطاع التكنولوجيا المتنامى فيها. كما ينبغى عليه إعادة التأكيد على أهمية التعاون الدفاعي، بما يضمن بقاء أمن المملكة العربية السعودية متوافقًا مع المصالح الأمريكية فى المنطقة.
يحرص محمد بن سلمان على ضمان ألا يُعيق أى شيء تحول المملكة العربية السعودية، سواءً أكان صراعات إقليمية أم اضطرابات اقتصادية أم اضطرابات داخلية. قد ينظر ولى العهد إلى الولايات المتحدة على أنها الشريك الأكثر موثوقية لبلاده، لا سيما فى ظل تعامله مع تعقيدات الجغرافيا السياسية فى الشرق الأوسط. مع تزايد التوترات فى المنطقة واستمرار وجود الميليشيات والجماعات الجهادية المدعومة من إيران، ترى المملكة العربية السعودية أن التحالف الوثيق مع الولايات المتحدة أمرٌ بالغ الأهمية للحفاظ على الاستقرار.
ومع ذلك، قد يُقيّم محمد بن سلمان أيضًا مستقبل العلاقة الأمريكية السعودية. ففى عصرٍ يسوده عدم القدرة على التنبؤ بالسياسات الأمريكية، لا سيما مع تغير السياسات الخارجية فى ظل إدارات أمريكية مختلفة، قد تُشكك المملكة العربية السعودية فى مدى موثوقية شراكتها مع أمريكا. قد يدفع هذا القلق المملكة العربية السعودية إلى البحث عن حلفاء أكثر قابلية للتنبؤ والتزامات أقوى من الولايات المتحدة.
الطريق إلى الأمام
تأتى زيارة ترامب أيضًا مع تحديات. يُمثل طموح المملكة العربية السعودية فى التحول إلى قائد عالمى فى مختلف القطاعات توافقًا طبيعيًا مع المصالح الأمريكية فى مجالات مثل التكنولوجيا والدفاع والنمو الاقتصادي. ومع ذلك، فإن تطور مكانة المملكة فى عالم متعدد الأقطاب يعنى وجوب التعامل معها بعناية واحترام، مع إدراك قيمتها الاستراتيجية والمجالات التى يجب تحسينها.
إذا تمكن ترامب من تحقيق هذا التوازن الدقيق، فقد تُعزز زيارته شراكة رئيسية فى الشرق الأوسط، شراكة قد تخدم المصالح الأمريكية والسعودية لسنوات قادمة. ومع ذلك، إذا فشلت الزيارة فى معالجة الشواغل الجوهرية - مثل حقوق الإنسان، وقابلية التنبؤ فى السياسة الخارجية الأمريكية، وتعميق التعاون الاقتصادى - فقد تواجه العلاقة تحديات كبيرة فى المستقبل.
0 تعليق