نادية فكري، التي تحولت من طفلة تحلم بالباليه إلى بطلة عالمية في رفع الأثقال رغم الإعاقة، تجسد قصة إصرار لا يتزعزع. في طفولتها، كانت تعيش في عالم الأحلام، تتابع برامج المسرح بلهفة وتتخيل نفسها بطلة في “بحيرة البجع” أو “كسارة البندق”. لكن الحياة غيرت مسارها عندما أصيبت بإعاقة مفاجئة أثرت على توازنها، مما دفعها لللجوء إلى السباحة كوسيلة للهروب من الألم والعلاج الطبيعي المتواصل. وبين التحديات، اكتشفت في السبعينيات والثمانينيات عالم رياضة جديد، حيث بدأت رحلتها مع رفع الأثقال كإثبات لقوتها الداخلية.
نادية فكري: إصرار على هزيمة الإعاقة بالحديد
في مطلع التسعينيات، وأثناء متابعتها لبرامج الرياضة، انبهرت نادية بنجاح فاتن حجازي في البطولات البارالمبية، مما دفعها للانضمام إلى نادي قريب. سرعان ما أثبتت نفسها، محرزة إنجازات أولية مثل رفع 60 كجم في تدريباتها الأولى. كانت هذه الرياضة بالنسبة لها أكثر من مجرد تمرين جسدي؛ إنها اختبار للعزيمة والصمود، خاصة بعد سنوات من الصراع النفسي والجسدي. مع مرور الوقت، شاركت في دورة الألعاب الأفريقية، ثم الأولمبياد في سيدني 2000، حيث التقت بزوجها المستقبلي صلاح، الذي كان رفيقها في البعثة. هذا الارتباط لم يكن مجرد قصة حب، بل شراكة في الإنجازات، فقد حققت ميدالية فضية في أثينا 2004، بينما فاز هو بميدالية أخرى مع فريقه.
مع ذلك، كان على نادية مواجهة تحديات إضافية مع الأمومة. اضطرت للانسحاب من بطولة العالم عام 2006 لرعاية ابنها الأول محمد، ثم عادت بقوة إلى بكين 2008 لتحصل على ميدالية برونزية. لكن القدر لم يرحمها، إذ أجبرها إنجاب ابنها الثاني إياد على الغياب عن لندن 2012. وفي عام 2015، تلقيت ضربة قاسية بوفاة والدتها، التي كانت دعمها الأساسي طوال السنين. هذا الحزن جعلها تشعر بالانعزال، خاصة وأنها كانت في معسكر تدريبي بينما كان زوجها في بطولة خارجية. في تلك اللحظة، قرر صلاح التضحية بمشاركته في أولمبياد ريو دي جانيرو 2016 ليبقى مع الأسرة، مما سمح لها بالاستمرار، على الرغم من أنها عادت من هناك بخيبة أمل.
بطلة تتحدى عقارب الزمن وأعباء الحياة
مع مرور السنين، لم تتوقف نادية عن القتال. في باريس، بعد 16 عامًا من إنجازها الأخير في بكين، وصلت إلى المنصة مرة أخرى في عمر الـ50 عامًا، محتفلة بالتتويج رغم الكفاح الدائم. منذ طفولتها، حيث كانت تعتمد على العكاز أو أجهزة الدعم، تعلمت نادية أن الألم جزء من الحياة، لكن الصبر والدعم من عائلتها جعلاها تستمر. أمها، إخوتها، زوجها، وأبناؤها كانوا الدعم الذي يمد يد المساعدة في أوقات اليأس. على سبيل المثال، بعد فشلها في تأهل لطوكيو، بقي الأمل مشتعلاً داخلها، مما دفعها للعودة بقوة. قصتها ليست مجرد سلسلة من الإنجازات الرياضية، بل هي دروس في الإصرار والتغلب على التحديات، سواء كانت الإعاقة أو عبء الأمومة أو حتى فقدان الأحبة. نادية أصبحت رمزًا للقوة، تثبت أن العزيمة الحقيقية تستطيع هزيمة أي عائق، مهما كان صعوبة. في كل لحظة من حياتها، كانت تتذكر تلك الهمسة الداخلية: “لا تستسلمي”، مما جعلها تتألق كبطلة حقيقية في عالم يغلب فيه اليأس أحيانًا. بهذا الإصرار، تواصل نادية رسم قصتها كدليل على أن الإرادة البشرية قادرة على تحقيق المستحيل، مما يلهم الآلاف حول العالم.
0 تعليق