حملت زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسائل ومواقف سياسية برزت معها دول وأطراف رابحة مثل سوريا، وأخرى مُنيت بخسائر سياسية ورمزية مثل إيران وإسرائيل وفقًا لتحليل نشرته صحيفة الإندبندنت البريطانية، ولم تقتصر مخرجات زيارة الرئيس الأمريكي إلى السعودية خلال اليومين الماضيين على الاتفاقات الثنائية الضخمة بين البلدين، بل حملت رسائل ومواقف سياسية برزت معها دول وأطراف رابحة مثل سوريا، وأخرى مُنيت بخسائر سياسية ورمزية مثل إيران وإسرائيل.
الرابحون:
1. السعودية
وقعت وثيقة للتعاون الاقتصادي الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، باعتبارها شريكها الاقتصادي الأكبر داخل الشرق الأوسط.
ومن غير الواضح بعد تفاصيل الوثيقة، لكن زيارة ترامب شهدت توطيد العلاقة بين السعودية و"وول ستريت" وعمالقة "وادي السيليكون"، إذ جمعت الرياض تحت سقف واحد شخصيات نافذة بثروات وأصول يديرونها تصل إلى عشرات التريليونات من الدولارات، مثل لاري فينك وإيلون ماسك وسام ألتمان.
وتوصلت الرياض وواشنطن إلى صفقة سلاح وصفها البيت الأبيض بأنها "الأكبر في التاريخ" بقيمة 142 مليار دولار.
وستسهم الصفقة في تلبية الحاجات الدفاعية للسعودية على المدى الطويل بالتعاون مع ما لا يقل عن 12 شركة أميركية، لكنها خلال الوقت نفسه تحقق أيضًا هدفًا أساسًا للرياض وهو "توطين التقنية وبناء القدرات، وتعزيز الصناعة الدفاعية المحلية"، بحسب ما أكده وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان.
ووقعت السعودية اتفاقًا مع الولايات المتحدة لتعزيز التعاون في مجال الطاقة، وذلك بعد أقل من شهر على تصريح وزير الطاقة الأمريكي كريس رايت بأن الاتفاق النووي مع الرياض بات وشيكًا.
وعلى رغم عدم وضوح ما إذا كان الاتفاق المعلن يتضمن بنودًا محددة في شأن التعاون النووي المدني، فإن وزير الخارجية السعودي أشار خلال مؤتمر صحفي بعد زيارة ترامب، إلى أن مشاريع الطاقة الجديدة بالتعاون مع واشنطن "ستوفر فرص عمل عالية المهارة للمواطنين السعوديين في المجالات التقنية المرتبطة بتشغيل وصيانة المحطات النووية".
2. سوريا
عقدت أول قمة بين رئيسين أمريكي وسوري منذ ربع قرن في الرياض بلقاء ترامب وأحمد الشرع، بعد أقل من 24 ساعة على تصريح الرئيس الأمريكي بأنه سيرفع العقوبات عن سوريا.
ولم تضع الإدارة الأميركية جدولًا زمنيًا لإجراءات رفع العقوبات، إلا أن القرار قوبل باحتفالات شعبية عارمة في سوريا وترحيب عربي، وسط آمال بأن يفضي إلى قمة لدعم إعادة الإعمار.
وحظي الرئيس السوري باعتراف أميركي رسمي، بعد أشهر من صعوده إلى السلطة وإلغاء الولايات المتحدة مكافأة بـ10 ملايين دولار لاعتقاله.
ويُبدي حلفاء سوريا من العرب أملهم بأن يشجع القرار الأميركي الاتحاد الأوروبي على رفع جميع العقوبات عن دمشق.
3. دول الخليج
مثلت القمة الخليجية–الأمريكية فرصة لقادة دول مجلس التعاون الخليجي لعرض وجهات نظرهم على ترمب ومعرفة موقفه، في ما يخص البرنامج النووي الإيراني وحرب غزة وأمن البحر الأحمر وغيرها من القضايا الإقليمية.
وأكدت القمة الأدوار المهمة لدول مجلس التعاون الخليجي، مثل السعودية عبر الوساطة في الحرب الأوكرانية، وسلطنة عمان عبر الوساطة بين الولايات المتحدة وإيران، وقطر التي تقوم بدور الوسيط في حرب غزة.
4. تركيا
تحقق أحد أهداف أنقرة الرئيسة بقرار رفع العقوبات الأمريكية عن حلفائها في سوريا. وتأمل تركيا أن تسهم الإدارة السورية الجديدة في تقليص التهديدات التي طالما أرقتها، سواء من خلال النشاط العسكري للأكراد قرب حدودها الجنوبية، أو عبر موجات اللجوء.
وأعلنت الرياض أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حضر اجتماع ترمب والأمير محمد بن سلمان والشرع عبر الاتصال الهاتفي، إذ قال إن قرار الرئيس الأميركي له "أهمية تاريخية"، مؤكدًا استمرار دعم تركيا لدمشق في حربها ضد الجماعات الإرهابية، وبخاصة تنظيم "داعش" وأن تركيا مستعدة للمساعدة في إدارة وتأمين السجون التي تحوي إرهابيي "داعش".
5. الشركات الأمريكية
سبق قادة الأعمال الأمريكيون ترامب في الذهاب إلى الرياض، تحضيرًا لمنتدى الاستثمار السعودي–الأمريكي، وأبدى بعضهم في وقت سابق تفاؤلهم بالفرص المتاحة داخل البلاد، في مجالات الطاقة والتعدين والدفاع والبنى التحتية. ورافق ترامب وفد ضخم من عمالقة "وول ستريت" ووادي السيليكون، وكان لافتًا حضور شخصيات مثل إيلون ماسك ولاري فينك وسام ألتمان وغيرهم العشرات ممن أمضوا، كل على حدة، دقائق عدة متحدثين مع ترامب والأمير محمد بن سلمان أثناء الاستقبال داخل قصر اليمامة.
وأعلن البيت الأبيض أن السعودية خصصت 600 مليار دولار للاستثمار في الولايات المتحدة على مدى أعوام عدة، وتأسيس ثلاثة صناديق استثمارية كبرى هي صندوق للطاقة وآخر للتقنيات الدفاعية وثالث للرياضة العالمية، بقيمة إجمالية تتجاوز 14 مليار دولار.
ومن أبرز الاستثمارات مشروع شركة "داتا فولت" السعودية، الذي يتضمن ضخ 20 مليار دولار في مراكز بيانات للبنى التحتية للطاقة والذكاء الاصطناعي داخل الولايات المتحدة، واتفاق بين "إنفيديا" وشركة "هيوماين" السعودية لبيع مئات الآلاف من رقائق الذكاء الاصطناعي، مما قفز بسهم الشركة الأمريكية أكثر من 5 في المئة.
كما التزمت شركات تقنية كبرى مثل "جوجل" و"أوراكل" و"أوبر" باستثمارات داخل البلدين بقيمة 80 مليار دولار. وتضمنت الاتفاقات أيضًا عقود توريد توربينات غازية من "جنرال إلكتريك" بقيمة 14.2 مليار دولار، وطائرات من طراز Boeing 737-8 بقيمة 4.8 مليار دولار، إضافة إلى استثمار في القطاع الصحي بقيمة 5.8 مليار دولار، يشمل إنشاء مصنع لإنتاج المحاليل الوريدية في ولاية ميشيغان.
الخاسرون:
1. إيران
كان لافتًا تصريح ترمب من الرياض بأنه لا يريد أعداءً دائمين، وأنه لهذا السبب دخل في مفاوضات غير مباشرة مع إيران حول برنامجها النووي، مع تحذيره من عواقب الفشل في التوصل إلى اتفاق، لكن طهران دخلت هذه المفاوضات وهي في موقع أضعف من السابق، بعدما خسرت واحدة من أهم أوراقها داخل الإقليم بسقوط نظام الأسد، وتراجع نفوذ "حزب الله" في لبنان.
ومع تصاعد الضغوط الاقتصادية الداخلية، تبدو قدرات النظام الإيراني على المناورة محدودة. وجاءت زيارة ترمب إلى الرياض ولقاؤه الرئيس السوري الشرع لتكرس تحول دمشق نحو حلفائها العرب بعد أعوام كانت فيها سوريا بقيادة الأسد منطقة نفوذ استراتيجية لإيران.
2. بنيامين نتنياهو
لم يدرج ترامب إسرائيل ضمن جولته الإقليمية التي اقتصرها على السعودية وقطر والإمارات، مع احتمال السفر إلى تركيا، ورفض ضمها إلى الجولة على رغم التلميحات الإسرائيلية برغبتهم في استضافة الرئيس الأمريكي، في خطوة فُسرت على أنها تعبير عن فتور في علاقته مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
ونقلت صحيفة "واشنطن بوست" عن مسؤول كبير داخل البيت الأبيض قوله ساخرًا: "لا حاجة لزيارة إسرائيل، وكان نتنياهو قد زار واشنطن 700 مرة منذ تولي ترامب منصبه"، في إشارة إلى ما وصفته الصحيفة بنفاد الصبر داخل البيت الأبيض تجاه مواقف نتنياهو. ولم يزر نتنياهو العاصمة الأمريكية سوى مرتين خلال ولاية ترامب الثانية.
3. الصين
في أثناء ولاية الرئيس السابق جو بايدن شهدت العلاقات الصينية-الخليجية لا سيما مع السعودية حالًا من الزخم والنشوة، ففي يوليو 2023، استضافت الرياض "مؤتمر الأعمال العربي-الصيني"، مستقطبة أكثر من 3600 مشارك فيما تجاوز عدد المسجلين في قائمة الانتظار 1800 شخص. وبعد أسبوعين فحسب، أرسلت السعودية وفدًا كبيرًا بقيادة وزير الاقتصاد إلى مؤتمر "دافوس الصيفي" في الصين.
وعكست هذه التحركات النمو السريع في التبادل التجاري بين الرياض وبكين، إذ ارتفعت قيمة التجارة الثنائية من 70 مليار دولار عام 2014 إلى 87.3 مليار عام 2021، ثم إلى 106 مليارات دولار عام 2022، أي بنسبة نمو تجاوزت 21 في المئة خلال عام واحد فحسب.
وعلى رغم أن السعودية ماضية في تنويع تحالفاتها غربًا وشرقًا، فإن ولي العهد السعودي حذر في مقابلة مع وسيلة إعلام أمريكية من أن تجاهل واشنطن للفرص في السعودية سيفسح المجال أمام دول "في الشرق"، في إشارة إلى شهية الصين المفتوحة لتوسيع علاقاتها الاقتصادية مع الخليج.
لكن بعد زيارة الرئيس ترمب بدا أن مسار العلاقات الأمريكية–السعودية يعود إلى منحنى أكثر دفئًا، فالعلاقة الوثيقة التي تربط ترمب بالقيادة السعودية، إلى جانب مواقفه المتمايزة عن سياسات بايدن، أسهمت في تعزيز الثقة بين الجانبين، مما انعكس في التزامات سعودية جديدة بالاستثمار في الولايات المتحدة، وهي استثمارات كانت مرشحة لأن تتجه شرقًا نحو الصين، لولا هذا التحول.
4. الحزب الديمقراطي الأمريكي
يحرص ترامب أن يخاطب في كلماته الناخبين الأمريكيين، سواء على الصعيدين المحلي أو الدولي، وفي جولته الخليجية سعى إلى تقديم الاتفاقات التي توصل إليها مع السعودية وقطر والإمارات، بوصفها إنجازات اقتصادية لم يكن بالإمكان تحقيقها في عهد إدارة بايدن، وهو بذلك لا يخاطب قاعدته الشعبية فحسب، بل يوجه أيضًا رسالة بأن الحزب الديمقراطي فوت فرصًا استراتيجية كبرى بسبب توتر علاقاته مع حلفائه التقليديين في الشرق الأوسط.
0 تعليق