قال النائب البرلماني الجزائري عن حركة البناء الوطني عبد القادر بريش إن وزير الخارجية أحمد عطاف مطالب بالتوجه إلى أنقرة من أجل طلب وساطة لدى السلطات السورية للإفراج عن جنود جزائريين، محتجزين منذ شهور لدى الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع.
ويأتي هذا التصريح بعد فشل عطاف، خلال زيارته إلى دمشق في فبراير 2025، في إقناع الشرع بالإفراج عن المعنيين، إذ رفض الأخير الطلب، مبرراً ذلك بخضوع المعتقلين، ومن بينهم عناصر تنتمي إلى جبهة البوليساريو، للمحاكمة وفق القوانين السورية.
وأضاف بريش، خلال مشاركته في برنامج “المفيد” على قناة الشروق الجزائرية، أن الوضع الإنساني لهؤلاء العسكريين “لا يحتمل التأجيل”، مشيراً إلى أن تركيا تملك من الأدوات السياسية والدبلوماسية ما يمكن أن يساعد الجزائر على إنهاء هذا الملف سريعاً.
واعتبر البرلماني ذاته أن اللجوء إلى تركيا لا ينبغي أن يُفهم على أنه تنازل يمس السيادة الوطنية، بل يُعد خياراً إستراتيجياً تمليه ضرورات المرحلة، بالنظر إلى ما تمتلكه أنقرة من نفوذ فعّال في الملف السوري، وعلاقاتها المتشعبة مع مختلف الأطراف المؤثرة في الأزمة، ولفت إلى أن تبني هذا المسار قد يفتح المجال أمام فرص تفاوضية جديدة، ويُجنب الجزائر مزيداً من التعقيدات في ملفات إقليمية شائكة، خصوصاً في ظل التغيرات الجيوسياسية الراهنة.
وأوضح المتحدث ذاته أن صمت وزارة الخارجية إزاء هذه القضية “يثير تساؤلات حقيقية”، معتبراً أن تردد الجزائر في التحرك يعكس ارتباكاً في التقدير الدبلوماسي، ويسيء إلى صورة الدولة في الخارج؛ كما شدد على أن هؤلاء الجنود هم “أبناء الوطن”، ويجب التعامل مع قضيتهم بأعلى درجات الجدية، خصوصاً في ظل ما وصفه بـ”التقاطع الإنساني والإقليمي” للملف.
ورغم حرص النائب على توصيف المحتجزين بكونهم “جنوداً جزائريين” إلا أن معطيات مؤكدة تفيد بوجود عناصر من جبهة البوليساريو ضمن هؤلاء الموقوفين، كانوا قد التحقوا بصفوف القوات الموالية لنظام بشار الأسد خلال فترات مفصلية من الحرب السورية؛ وتُثير هذه المعلومات تساؤلات جوهرية بشأن خلفيات مشاركتهم، والجهات التي أشرفت على تجنيدهم وتوجيههم ميدانياً.
وتُظهر تقارير متقاطعة أن هذه العناصر لم تكن منضوية ضمن القوات الرسمية، بل نشطت ضمن تشكيلات مسلحة غير نظامية تلقت دعماً نوعياً من قوى إقليمية حليفة للنظام السوري، ما يعكس تشابكاً إقليمياً معقداً يلقي بظلاله على طبيعة الملف برمّته.
ووفق تقارير إعلامية دولية شارك بعض هؤلاء الأفراد في عمليات ميدانية بالقرب من مدينة حلب، حيث أُسر عدد منهم من قبل مجموعات موالية لدمشق، عقب خلافات داخلية بين المقاتلين الأجانب.
ويُعتقد أن الحكومة السورية تحتفظ بهؤلاء المحتجزين كورقة تفاوض في سياق ملفات إقليمية حساسة، ولاسيما أن وجود عناصر من البوليساريو في هذا السياق يعكس انخراط الجبهة في نزاعات لا تمت بصلة لمجالها الجغرافي، ما يطرح تساؤلات بشأن طبيعة الدعم الذي تتلقاه من جهات رسمية جزائرية.
ويرى متابعون أن طرح هذا الملف تحت قبة البرلمان الجزائري، مقروناً بطلب وساطة تركية، يعكس ارتباك السلطات الجزائرية أمام الرأي العام المحلي والدولي، خاصة بعد انكشاف تورط عناصر من جبهة البوليساريو، المدعومة من الجزائر، في نزاع مسلح خارج الحدود. كما يكشف هذا التطور عن أبعاد غير معلنة في علاقة الجزائر ببعض التنظيمات الخارجة عن القانون الدولي، ويمنح زخماً إضافياً للموقف المغربي، الذي لطالما نبه إلى استغلال البوليساريو كأداة لتأجيج الأزمات في المنطقة، بعيداً عن جوهر النزاع المرتبط بالصحراء المغربية.
0 تعليق