"سد تفر" في إقليم وزان .. مشروع استراتيجي يواجه التكلفة والتهجير

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

أفادت معطيات رسمية بقرب إطلاق مشروع سد تفر الجديد، الذي يرتقب أن يختزن مستقبلا 900 مليون متر مكعب، ويهدف إلى تحويل المياه إلى الأحواض الجنوبية وسهل اللوكوس، والحد من توحل سد وادي المخازن، وتأمين الحاجيات من السقي بمنطقة اللوكوس.

مشروع ضخم

سد تيفر مشروع ضخم ترسمه خرائط مكاتب الدراسات، ومن المزمع أن يتم توطينه على مساحة شاسعة من جماعات تنتمي ترابيا لإقليمي العرائش ووزان، في خطوة تتماشى مع الاستراتيجية المائية الوطنية، وفي إطار التوجيهات الملكية الرامية إلى تحويل ونقل المياه من واد لاو إلى حوض اللوكوس إلى حوض سبو بورقراق ثم أم الربيع.

وفي هذا الصدد، أكد عبد العزيز لشهب، برلماني عن إقليم وزان رئيس جماعة عين بيضاء، انطلاق الدراسة التقنية الخاصة بـ”البراج” ودراسة الأثر وإسنادها إلى مكتب للدراسات، مبرزا أن هذه الأخيرة (دراسة الأثر) يتم تنفيذها وفق أربع مهمات؛ تهم الأولى تشخيص الوضع البيئي والاجتماعي والاقتصادي للمنطقة، وتشمل الثانية تقييم الأداء الهيدروليكي لمشروع سد تيفر، والثالثة تتعلق بتقييم التأثيرات البيئية والاجتماعية والاقتصادية وتقديم خطة لتدبيرها، ثم تقييم الجدوى الاقتصادية للسد.

وأفاد لشهب، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، بتضمين مشروع السد ضمن قانون مالية 2025، موردا أن المشروع رصدت له اعتمادات مالية، وهو من المشاريع الاستراتيجية الكبرى للمملكة.

وشدد المتحدث ذاته على أن “المشروع لا ينبغي أن يكون موضوع مزايدات سياسية، على اعتبار أن المصالح العليا للوطن والمصلحة العامة تبقى فوق كل اعتبار”.

وذكر رئيس جماعة عين بيضاء أن المشروع وصل الآن إلى دراسة الأثر التي ستوفر المردودية الاجتماعية والاقتصادية للسد، وسيتم اتخاذ القرار النهائي بخصوص علوه ومساحته الإجمالية، قائلا إن المسؤولية الملقاة على عاتقه كممثل للأمة ومنتخب تحتم عليه الدفاع عن الساكنة، سواء من خلال تخفيف الأضرار أو تصحيح بعض الأمور، وذلك في إطار المصلحة العليا والعامة للبلاد.

وأثار نبأ توطين مشروع سد تفر حالة من القلق والهلع في صفوف ساكنة جماعتي عين بيضاء وابريكشة بإقليم وزان، بعدما تفاجأت بظهور دراسة أولية يعدها مكتب الدراسات “GCIM” حول المشروع.

ووفق خريطة أولية، يرتقب أن تغمر مياه السد مساحات شاسعة من الأراضي، تشمل منشآت حيوية متعددة من مساكن ومدارس ومقابر ومساجد ومرافق وبنيات تحتية ومنشآت اقتصادية واجتماعية وبيئية وسياحية، مما أثار موجة من القلق والهلع وسط السكان.

وأجمع عدد من السكان، في تواصل مع هسبريس، على أن المشروع قد يجتث قرى ومراكز بأكملها، ويطمس معالم دينية وتعليمية وتاريخية.

تكلفة اجتماعية واقتصادية وبيئية

يرى السكان المتضررون أن هذا المشروع، وفق الدراسة نفسها، يهدد بإقبار عقود من العمل التنموي المحلي، الذي ساهم فيه شباب وفاعلون مدنيون وخبراء محليون، وتحويل تلك الإنجازات إلى مجرد ذكريات تحت مياه السد، معبرين عن صدمتهم من هذه الدراسة التي يرون فيها تهديدا مباشرا لوجودهم وهويتهم ومستقبلهم.

كما تظهر المعطيات الميدانية بعضا من التأثيرات المحتملة للمشروع، وفق السكان الذين تواصلت معهم هسبريس، منها ما وصفوه بـ”التهجير القسري لسكان عدد كبير من الدواوير، ما يشكل اقتلاعا من جذورهم الروحية والثقافية”، و”إغراق ثلاثة مراكز قروية، هي مركز بلوطة، مركز عين بيضاء ومركز الزرايب بني محمد، التي تشكل نواة عمرانية في طور النمو”.

إلى جانب ذلك، يشكل السد، بحسب السكان الذين تكتلوا في إطار تنسيقية، تهديدا مباشرا للأراضي الفلاحية التي تُعد مصدر العيش الأساسي لغالبية الأسر، خصوصا الفلاحين الصغار، كما يهدد معالم دينية وروحية وتعليمية عريقة من مساجد ومقابر ومدارس قرآنية، على رأسها مدرسة أم القرى بعين بيضاء التي تعنى بالتعليم العتيق، علاوة على طمس مشاريع اقتصادية واجتماعية رائدة، من بينها معهد التكوين في مهن تربية المواشي ذو التمويل الأمريكي، وعدد كبير من التعاونيات والمدارس والمستوصفات والمقابر ومراكز الخدمات الأساسية المتنوعة، إلى جانب تهديد البنية التحتية الحيوية، من طرق وطنية ومحلية وشبكات الماء والكهرباء والاتصالات، أبرزها الطريق الوطنية رقم 13.

ويؤكد السكان الذين تواصلت معهم هسبريس أن التأثيرات المحتملة للمشروع تمتد لتشمل خسائر استثمارية ضخمة نتيجة غمر مشاريع في طور الإنجاز، واصفين إياه بأنه هدر للمال والجهد، بالإضافة إلى طمس معالم تاريخية واجتماعية كالسوق الأسبوعي التاريخي “سوق السبت أرهونة”، مع ضياع إمكانيات استثمارية واعدة في السياحة الإيكولوجية، خصوصا بدوار “البلوطة” الذي أصبح نموذجا يحتذى به محليا ودوليا.

بين الرفض والمصادقة

اللافت في إحداث مشروع سد تيفر يتمثل في وجود دراسة سابقة تعود إلى الفترة بين 1998 و2001، تتعلق ببناء سد بعلو 80 مترا وبحمولة خمسمائة مليون متر مكعب، خلصت إلى صعوبة إنجازه في هذه المنطقة بسبب التكلفة الباهظة.

ويستند السكان المتضررون إلى هذه الدراسة التي أنجزت قبل عقدين ونيف عندما كانت المنطقة آنذاك شبه خالية من البنيات الحيوية الحالية، مبرزين أن إنشاء هذا المشروع اليوم في ظل تضاعف البنى التحتية وازدهار التنمية بالمنطقة، يطرح علامات استفهام وتساؤلات كبيرة حول مدى عقلانية القرار ودقته، خاصة أن المشروع في صيغته الحالية يصل علوه إلى حوالي مائة وخمسة أمتار وبسعة مضاعفة تصل إلى 900 مليون متر مكعب.

في إطار الانخراط الواعي والمسؤول في السياسة المائية الوطنية، وتفعيلا لمضامين المخطط الاستعجالي للماء (2020-2027)، تقدّمت الساكنة، بمعية فاعلين وخبراء محليين، بمقترحات عملية لتقليل حجم الأضرار، منها إلغاء مشروع سد “تفر” بسبب كلفته الاجتماعية والاقتصادية والبيئية المرتفعة وتعلية سد وادي المخازن بديلا أقل ضررا وكلفة، وإزالة الأوحال من سد وادي المخازن لتحسين طاقته الاستيعابية، أو تقليص سعة “سد تفر” إلى الحد الأدنى لتجنب غمر المنشآت الحالية.

كما تقترح الساكنة بناء سدود تلية على أودية مجاورة (وكهان، زندولة، مغاري، خندق دار الحاج…) للمساهمة في التخزين والتحكم في الفيضانات وحماية الطريق الوطنية رقم 13 عبر إنشاء أرصفة دائرية تحيط بها والاعتماد على قنوات متعددة لنقل المياه عوض التخزين المفرط في منطقة بريكشة وعين بيضاء.

صوت الساكنة والبرلمانيين

في سياق التعبير عن الموقف الجماعي، نظمت “تنسيقية الساكنة المتضررة من مشروع سد تفر” لقاء تواصليا، السبت المنصرم، عرف حضور بعض البرلمانيين، شكل فرصة للسكان لعرض مخاوفهم ومطالبهم، وسط شعور عام بالإقصاء وعدم الإنصاف.

أمام هذا الوضع المعقد، توجهت الساكنة بنداء استغاثة إلى الملك محمد السادس، مناشدة إياه التدخل لتقليص الأضرار وحماية مصالح المواطنين المتشبثين بأرضهم، مؤكدة استعدادها الكامل للانخراط في هذا المشروع التنموي بما يخدم المصلحة العامة للوطن، وضمان تجنب تهجيرهم من أراضيهم واجتثاث جذورهم.

وبينما أكد عبد العزيز لهشب، برلماني عن إقليم وزان عضو الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية، بناء على المعطيات الرسمية، تضمين مشروع السد ضمن قانون مالية 2025، نفى العربي المحرشي، برلماني عن إقليم وزان عن حزب الأصالة والمعاصرة، وجود برمجة فعلية للمشروع، قائلا إنه لا يزال في المرحلة الأولى للدراسات التي ستكشف عن إيجابيات وإكراهات التنزيل.

وأشار المحرشي، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إلى اجتماع احتضنته عمالة إقليم العرائش بإشراك المنتخبين والسلطة والفاعلين الأساسيين، انصب خلاله النقاش حول إحداث السد وتأثيراته الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، معتبرا هذا النقاش صحيا.

وأضاف أنه “بدل مناقشة الأفكار السطحية بالنظر إلى أن الكل يدلي بدلوه، فإن الأجدر مناقشة الدراسات بعد انتهائها، ومناقشة الحقائق والمساحة الإجمالية والمنافع وكذا الأضرار المحتملة”.

واستحضر البرلماني ذاته لقاء جمعه بمعية باقي البرلمانيين بمنطقة “البلوطة” بتنسيقية الساكنة المتضررة من إحداث سد “تفر”، مشددا على وقوفه بجانب الساكنة حتى لا يتهم تهجيرها قسرا، وذلك بالتواصل مع الوزير على القطاع أو مع الحكومة ككل.

وأردف قائلا: “هناك برنامج توقعي فقط، ولم يتم الحسم في إحداث السد، على اعتبار الاتفاقية وقعت أمام أنظار الملك في 2020 على أساس أن نهاية الأشغال بهذه السدود ستكون خلال 2027″، موردا: “إننا الآن في منتصف 2025 ولا يزال الحديث عن الدراسات الأولية التي تتطلب وقتا وخبراء ومتخصصين، راه سد هذا ماشي المزاح” وفق تعبيره.

وختم المتحدث ذاته إفادته بالإشارة إلى أن ساكنة إقليم وزان لن تستفيد من هذا السد، مضيفا: “لن نستبق الأحداث، ونتسلح بالواقع وبالوسائل المقنعة للترافع في هذا الموضوع”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق