وسط زحام المارة في سوق “دوار القرعة” الشعبي بالرباط، يقف أحمد، بائع خضر في عقده الرابع، خلف عربته الخشبية، يراقب حركية الزبائن بعينٍ يغلب عليها القلق. يقول لهسبريس: “أنا لا أتوفر على أي تغطية صحية أو تقاعد، وهذه العربة هي مصدر عيشي الوحيد”.
ويضيف المتحدث بصوت خافت: “إذا قرروا إخراجنا من هنا دون توفير بديل مناسب سأهدد بالتشرد رفقة أسرتي. لسنا ضد التنظيم، لكن من غير المعقول أن يتم إقصاؤنا دون حلول واضحة. نحتاج إلى أسواق نموذجية تحمينا وتضمن لنا كرامة العيش”. تصريح أحمد يلخص المخاوف التي تعيشها فئة من الباعة غير المهيكلين، في ظل الغموض الذي يحيط بمصير السوق.
الاقتصاد الموازي
خالد أشيبان، الخبير الاقتصادي، قال إن الدراسات التي قام بها بنك المغرب والمندوبية السامية للتخطيط تشير إلى أن القطاع غير المهيكل في المغرب يتجاوز نسبة 30 بالمائة. لكنه أوضح في الوقت نفسه أنه لا توجد دراسة يمكن الاستناد إليها بشكل قطعي، أو رقم يمكن التسليم به على أنه المعطى الدقيق والنهائي.
وأضاف أشيبان، في تصريحه لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن الحملة التي قامت بها مؤخرًا وزارة الاقتصاد والمالية لدعوة المواطنين إلى إدخال أموالهم في البنوك، أظهرت أن هناك مبالغ مالية ضخمة بحوزة المغاربة خارج الدورة الاقتصادية، مشيرًا إلى أن ما ظهر من أموال خلال هذه الحملة لا يمثل سوى جزء صغير من الكتلة المالية غير المستثمرة فعليًا.
غير بعيد عن بائع الخضر، تقف هاشمية، تبيع الخبز صباحًا لتعيل أسرتها. تقول لهسبريس، وهي ترتب الأرغفة على طاولتها الخشبية: “ماشي عيب ينظمونا، ولكن العيب هو يفرغونا بلا ما يعطيو لينا حل”. وبنبرة حزينة لكنها صلبة تضيف “راه هاد السوق هو اللي معيشني، وخا خايب، كيعطيني طرف ديال الخبز”. وتتابع حديثها مؤكدة أنها لا ترفض التنظيم، لكنها تتخوف من أن يكون الإخلاء وسيلة لإقصاء الباعة الصغار دون توفير أي بدائل تحفظ كرامتهم وتؤمن لهم استمرارية العيش. وترى أن إصلاح الأسواق ينبغي أن يمر من بوابة الإنصات إلى من يعيشون يوميًا داخل هذه الفضاءات، لا من مكاتب مغلقة لا تعرف رائحة الخبز الساخن.
عودة إلى الخبير الاقتصادي خالد أشيبان، الذي أكّد أنه “لا يمكننا نكران المجهودات التي بُذلت بعد جائحة “كورونا” لإدماج العاملين في القطاع غير المهيكل ضمن قطاعات منظمة، إلا أن تقييم فعالية هذه السياسات يظل من اختصاص المسؤولين”.
وأضاف “لا يمكننا أن نطلب من هؤلاء الأشخاص أداء الضرائب أو أن نتعامل معهم كأشخاص لديهم دخل منتظم ما لم نوفر لهم البيئة المناسبة التي تُمكّنهم من الاندماج في الاقتصاد المهيكل”.
وعن بائعي الخضر والمنتوجات، أوضح الخبير الاقتصادي أن من غير المنطقي مطالبة هؤلاء بالإفراغ أو الخروج من أماكنهم دون أن يُوفّر لهم بديل حقيقي مثل سوق نموذجي يضمن لهم شروطًا ملائمة لممارسة تجارتهم، ويوفر لهم الحماية والاستقرار اللازمان لخلق دورة اقتصادية طبيعية ومستدامة.
خوف من المصير
بين أروقة سوق “دوار القرعة” يقف عبد الله، بائع للملابس، محاطًا بقمصان وأحذية مرتبة بعناية فوق طاولة خشبية. يقول لهسبريس: “نعيش يوميًا حالة من الترقب، ولا أحد قدّم لنا توضيحات رسمية أو حاورنا بشأن ما يروج من أخبار عن نية إفراغ السوق”.
ويتابع، بنبرة يغلب عليها القلق، “لسنا ضد التنظيم، ولكن أن يُخرجونا دون بديل فهذا ظلم”.
ويؤكد عبد الله أن السوق يمثل مصدر رزق لفئات واسعة من المواطنين، مشيرا إلى أن الغموض الذي يلف مستقبله يثير الخوف وسط من يعيشون وضعية اقتصادية هشّة، قبل أن يضيف “الناس هنا عايشة (غير بالصبر)، والوضع لا يحتمل مفاجآت جديدة”.
وتواصلت هسبريس مع فاروق المهداوي، الحقوقي وعضو فيدرالية اليسار الديمقراطي وممثل عن مجلس جماعة مدينة الرباط، الذي أكد أن هناك خطة لإخلاء سوق “دوار القرعة” بعد إنجاز مشروع جديد في الموقع نفسه. وأضاف أن التوقيت لا يزال غير واضح، لكن النية موجودة فعلاً للمضي في تنفيذ هذه الخطوة.
وعن الحلول البديلة المقترحة لفائدة الباعة الذين يشتغلون حاليًا داخل سوق “دوار القرعة”، قال المهداوي: “لا يوجد أي حديث رسمي إلى حدود الساعة عن حلول بديلة”، مضيفًا أن “السوق سيتم إخلاؤه في نهاية المطاف”. وأحالنا على رئيس مقاطعة يعقوب المنصور قصد الحصول على معطيات وتوضيحات إضافية حول الموضوع.
وقد حاولت جريدة هسبريس الإلكترونية الاتصال بعبد الفتاح العوني، رئيس مقاطعة يعقوب المنصور بالرباط، غير أنه لم يرد. وأفادت مصادر لهسبريس أن المعني بالأمر معروف بتواصله وتفاعله، لذلك نؤكد أن له الحق الكامل في الرد وتوضيح موقفه متى شاء.
ويبقى هذا الوضع مرهونًا بالقرارات التي ستتخذها السلطات المحلية خلال الأيام المقبلة، في ظل تزايد تخوفات الباعة من فقدان مصادر رزقهم، حسب تعبيرهم، مقابل غياب حلول واضحة تضمن استقرارهم الاجتماعي والمهني.
0 تعليق