السيد الوزير السابق
تحدثت عن خطبة الجمعة في ما نشرته على موقعك يوم الجمعة 16 ماي 2025 ووجب إحقاقا للحق التعقيب عليك بما يلي:
أولا: يُفهم من كلامك أن خطبة الجمعة معمّمة مفروضة، وليس الأمر كذلك، بل الصحيح أنها تُقترح على موقع المجلس العلمي الأعلى بعد زوال كل يوم أربعاء، وإلى حد الآن يأخذ بها جميع الخطباء، سوى ما يقرب من أربعة بالمائة منهم، ولعل بعضهم من “المدخولين” بتيارات سياسية مازالوا على منابر المساجد.
ثانيا: إن هذه الخطب المقترحة صادرة، لا عن جهة إدارية أو سياسية تحكمية، بل عن المجلس العلمي الأعلى، وهو المؤسسة الموكول لها دستوريا التأطير الديني للمواطنين في إطار ثوابت الأمة.
ثالثا: إن هذا الاقتراح لم يأت لمنع الخطباء من قول شيء لا ينبغي أن يقولوه، كما هو الشأن في بعض البلدان، حيث يوجد معظم الخطباء تحت تأثير جهات معادية للأنظمة القائمة، بل جاء الاقتراح في المغرب في إطار تجديد سمّته المؤسسة العلمية “تسديد التبليغ”، أي تجديده على منهج النبوة حتى يكون له أثر في أحوال الناس.
رابعا: إن المجلس العلمي انطلق في هذا الاقتراح من أمرين، أولهما التركيز على شرطي الحياة الطيبة، وهما الإيمان والعمل الصالح، وثانيهما الإحصائيات الوطنية والدولية التي تُظهر بجلاء التفاوت الخطير بين توجيهات الدين في مجال الأخلاق وبين سلوك المنتسبين للدين.
خامسا: إن المجلس العلمي الأعلى اهتم بتأهيل خطبة الجمعة منذ مدة، ولذلك رأى أن ترك الخطب على ما كانت عليه تكريس لواقع يجعل التوجيه الديني غير ذي جدوى في حياة الناس، علما أن خطبة الجمعة ليست الرافعة الوحيدة لمشروع “تسديد التبليغ”، ومسند الخطب المقترحة هو المسند نفسه الذي جرى عليه كل الخطباء، وهو ما قال الله وما قال الرسول، لكن المجلس نظمها على الأولويات في مقاصد الدين لخدمة شرطي الحياة الطيبة، وستكون من جملة ما سيبلغ للناس بقصد تغيير ملموس في الأحوال سيسهر عليه كل المؤطرين والإعلاميين الدينيين.
سادسا: إن المجلس العلمي يروم تحقيق التغيير والجدوى بأساليب من التبليغ على النهج النبوي المتكامل، وخطبة الجمعة واحد من هذه الأساليب.
سابعا: إن الأستاذ الرميد وهو الرجل الحصيف ما كان له أن يردد كلام من تحدث إليهم من “المستهجنين”، وهو يعرف أنهم من موقعهم الوهمي كـ”علماء الحزب” يتكبرون على علماء الأمة، وينعتونهم بـ”علماء المخزن”؛ بل كان من المفروض ممن له غيرة على الإسلام أن يتحمس سياسيا لمشروع المجلس، لأن المتوقع هو أن يُظهر أن الدين يمكن أن يكون له تأثير إيجابي شامل على حياة الناس على أيدي العلماء المبلغين، وليس بالضرورة بفعل تأطير حزبي سياسي جرب الأستاذ ومخاطبوه محدودية مداه.
ثامنا: إن تشبيه الخطب المقترحة بصوت “الإذاعة الوطنية” ينم عن نزعة الخروج، أي عن العداء المبطن للنظام.
تاسعا: إن “المستهجنين”، وفي أنفسهم شيء من مؤسسة العلماء التي يرأسها أمير المؤمنين، يمكنهم حتى الآن، لا مجرد استغلال “الهوامش المطلوبة” لتمرير أنظارهم، بل يمكنهم أن يستمروا في إلقاء خطب من إنشائهم مادامت المؤسسة الموكول لها إعفاؤهم لا تحاسبهم على المخالفة.
عاشرا: من النضج في السياسة المرضية من جهة الدين احتساب عواقب الكلام الموجه للعموم، ومن أوخم العواقب بهذا الصدد التشويش على عقيدة عامة الناس، ومن عقيدة الناس الثقة في تدبيرات ولي الأمر ومعاونيه في كل ما يهم حماية الدين. وقد شدد فقهاء المغرب في نوازلهم النكير على من فاته الورع بهذا الشأن. الفتنة نائمة، والعاقبة للمتقين.
0 تعليق