غزة وجنين.. مأساة متواصلة ومقاومة تحت الأنقاض

البوابة نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

في صباحٍ متخمٍ بالدخان والحداد، لم يكن ضوء الثلاثاء في غزة سوى انعكاس رمادٍ على دماء متناثرة، بعدما استهدفت مروحيات الاحتلال الحربية عدة مناطق متفرقة في القطاع، مخلفة مجزرة جديدة تُضاف إلى السجل الأسود المتواصل منذ أكتوبر 2023.

بحسب مصادر طبية، استشهد أكثر من 60 مواطنًا منذ فجر اليوم، بينهم أطفال ونساء، إثر سلسلة غارات جوية مركّزة استهدفت المنازل، ومراكز الإيواء، والخيام التي احتمى بها نازحون لا ذنب لهم سوى أنهم ولدوا في بقعة جغرافية اسمها غزة. 

ومن بين الضحايا، خمسة شهداء، بينهم ثلاثة أطفال، سقطوا بنيران طائرات مسيّرة في مخيم خانيونس جنوب القطاع. وفي شمال غزة، طال القصف محيط مدرسة "خليفة" في مشروع بيت لاهيا، والتي تؤوي مئات النازحين، ما أسفر عن استشهاد أربعة آخرين في مشهدٍ يؤكد أن لا ملاذ آمن تحت قبة النار. أما في قلب مدينة غزة، فقد طال القصف شقة سكنية في شارع الحي، لتُضاف روح جديدة إلى عدّاد الفقد الذي لا يتوقف.

عدوانٍ غير مسبوق

منذ 7 أكتوبر 2023، لا يزال قطاع غزة يرزح تحت عدوانٍ غير مسبوق، أودى بحياة 53,486 شهيدًا، معظمهم من الأطفال والنساء، في حربٍ لم تعد تستهدف المقاومة فقط، بل باتت تسعى لتفكيك المجتمع من أساسه. يُضاف إلى ذلك إصابة 121,398 آخرين، في ظل حصار محكم، وشلل شبه كامل في البنية التحتية الصحية والإنسانية. ورغم العدد الثقيل للشهداء، لا تزال هناك جثامين تحت الأنقاض، في ظل عجز طواقم الإنقاذ عن الوصول إلى الضحايا.
وعلى الجانب الآخر من الجرح الفلسطيني، تتواصل الكارثة في جنين، التي تدخل يومها الـ120 تحت الحصار والهدم الممنهج. فقد استهدفت قوات الاحتلال المدينة ومخيمها بعمليات تجريف وتدمير واسعة النطاق، شملت اقتلاع معالم الحياة، ومسح البنية التحتية، ومنع الدخول أو الخروج من المخيم. وبحسب بلدية جنين، فقد شق الاحتلال 15 طريقًا داخل المخيم الذي لا تتجاوز مساحته نصف كيلومتر مربع، في محاولة لعزل أجزاءه عن بعضها، وتفتيت نسيجه الاجتماعي.

وتفيد تقديرات محلية بأن 600 منزل قد دُمرت كليًا في المخيم، بينما تضررت البقية بشكل جزئي، وأصبحت غير صالحة للسكن. كما تسببت الغارات المتكررة والتجريف في تدمير شبكة الإنترنت بنسبة 60%، وانقطاع نحو 120 كيلومترًا من الشوارع، و42 كيلومترًا من شبكات المياه، و99 كيلومترًا من شبكات الصرف الصحي.

الاحتلال لم يكتفِ بهذا، بل اقتحم مساء الاثنين محيط الجامعة العربية الأمريكية، ونصب حواجز عسكرية عطّلت الحياة اليومية بشكل كامل. كما داهم قرية "أم التوت" وخربة "تلفيت" شرقي جنين، وسط انتشار كثيف لقوات المشاة ودوريات الاحتلال، واستمرار عمليات الاعتقال وترويع السكان.

الأزمة الإنسانية تفاقمت بشكل مرعب، إذ تشير بلدية جنين إلى أن عدد النازحين من المخيم والمدينة تجاوز 22 ألفًا، أي أكثر من ربع السكان، في ظل انعدام الخدمات الأساسية، واستمرار القصف والتوغلات اليومية. 

أما الخسائر الاقتصادية، فقد تجاوزت مبدئيًا 300 مليون دولار، مع إغلاق مئات المحال التجارية، وتدمير الأسواق، وفقدان أكثر من 6,000 مواطن لوظائفهم، مما عمّق الأزمة في مدينة تعتبر شريانًا تجاريًا رئيسيًا في شمال الضفة.

استشهاد 40 في جنين

منذ بداية التصعيد الأخير في جنين بتاريخ 21 يناير، سُجل ارتقاء 40 شهيدًا، إلى جانب عشرات حالات الاعتقال والإصابات، مما يشير إلى نية الاحتلال في خنق المدينة والمخيم سياسياً وميدانياً واجتماعياً، ضمن استراتيجية قمع تمتد من الضربات العسكرية إلى تفكيك البنية المجتمعية.

ما يحدث اليوم في غزة وجنين ليس مجرد تصعيد، بل حرب شاملة ضد الوجود الفلسطيني بكل أبعاده. إنها محاولة لاقتلاع التاريخ من جذوره، والهوية من جغرافيتها.

 إلا أن صمود المدنيين وسط الركام، والدموع التي تتحول إلى شعلة مقاومة، تؤكد أن هذا الشعب، رغم الألم، لا يزال يملك من الإيمان ما يكفي لإعادة بناء الحلم كلما تهدّم.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق