يقول التاريخ أن حي مصر الجديدة، المعروف أيضًا باسم هليوبوليس، يمثل جوهر التقاء الحداثة الأوروبية مع الروح الشرقية في قلب القاهرة. هذا الحي الراقي، الذي أسسه البارون البلجيكي إدوارد إمبان في أوائل القرن العشرين، يحتفل الآن بعرض تراثي يبرز إرثه الغني، حيث يتم الاحتفاء بمرور 120 عامًا على تأسيسه. الشركة المسؤولة عن تطوير هذا الحي، وهي شركة مصر الجديدة للإسكان والتعمير تحت قيادة الدكتور سامح السيد، أقامت معرضًا يعرض مجموعة من المقتنيات النادرة التي تعود إلى عصر البارون نفسه، مثل هاتفه الشخصي، مروحته، ووثائق تأسيس الشركة، مما يعيد إحياء ذكريات عصر ذهبي من التطوير العمراني.
معرض تراث مصر الجديدة: احتفال بإرث البارون إمبان
يعد هذا المعرض نقطة تحول في استعادة الذاكرة التاريخية لمصر الجديدة، حيث يروي قصة البارون إدوارد إمبان الذي وصل إلى مصر عام 1904. بعد خسارة مشروع سكة حديدية، قرر إمبان الاستثمار في الأرض الواسعة شمال شرق القاهرة، حيث أسس شركة “واحات هليوبوليس” عام 1906. سرعان ما تحولت تلك الصحراء إلى ضاحية عصرية مزودة ببنية تحتية متقدمة، بما في ذلك شبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي، بالإضافة إلى خطوط الترام التي ربطتها بالقاهرة. هذه الرؤية الجريئة جعلت من مصر الجديدة نموذجًا للتخطيط العمراني المتكامل، حيث دمجت بين الفخامة السكنية والمرافق الحديثة، مما يجعلها حتى الآن وجهة مفضلة للزوار.
علاوة على ذلك، يبرز المعرض جوانب أخرى من تاريخ الحي، مثل قصر البارون الشهير الذي شيده بين عامي 1907 و1911 بتصميم مستوحى من معابد الهند وكمبوديا، بواسطة المعماري الفرنسي ألكسندر مارسيل. برج القصر الدوار يقدم رؤية شاملة للحي، جاعلًا منه معلمًا سياحيًا رئيسيًا في القاهرة. كما يتناول المعرض كنيسة البازيليك، التي بنيت عام 1910 على الطراز البيزنطي، وتقع بالقرب من القصر. هذه الكنيسة ليست مجرد معلم ديني بل تعكس التنوع الثقافي والديني في مصر الجديدة، حيث دفن البارون إمبان في سردابها عام 1930 وفق وصيته، مما يضيف طبقة عميقة من الرمزية التاريخية.
إرث هليوبوليس: التنوع الثقافي والتطوير العمراني
وراء هذا الاحتفال يكمن إرث هليوبوليس كمركز للتنوع الثقافي والعمراني، كما أكدت عزة خليل، مدير عام خدمة المواطنين في الشركة. يشهد المعرض إقبالًا كبيرًا من سكان الحي والزوار الذين يحملون ذكريات شخصية عن المكان، مما يعزز دوره كمنصة للحوار التاريخي. على سبيل المثال، يعرض صورًا لقصر الاتحادية، الذي كان أصلًا فندق هليوبوليس بالاس وشيده عام 1910، وأصبح الآن مقرًا رئاسيًا رمزيًا. كذلك، يبرز مبنى غرناطة، المبنى الذي أنشئ عام 1905 كمركز لسباق الخيول مع تصميم أندلسي فريد، إلى جانب حديقة الميريلاند، أكبر حدائق القاهرة، التي كانت مسرحًا لتصوير العديد من الأفلام السينمائية، مما أضاف إليها طابعًا فنيًا مميزًا.
في الختام، يمثل حي مصر الجديدة نموذجًا للتخطيط الشامل الذي جمع بين السكن الفاخر والمعالم الثقافية والدينية، جاعلًا إياه جزءًا أساسيًا من التراث المصري الحديث. يستمر هذا الحي في جذب المهتمين بالعمارة والتاريخ، حيث يعكس كيف أن رؤية البارون إمبان لم تكن مجرد تطوير عمراني، بل كانت خطوة نحو دمج الهويات الثقافية. من خلال هذا المعرض، يتم تعزيز قصة نجاح هذا الحي كرمز للتقدم والتنوع، مما يضمن بقاءه مصدر إلهام للأجيال القادمة.
0 تعليق