ردا على زئير "الأسد الإفريقي".. الجزائر تموء بمناورات عسكرية قرب تندوف

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

عقب إعلانها مقاطعة مناورات “الأسد الإفريقي 2025″، التي يحتضنها المغرب للسنة الثالثة على التوالي، بمشاركة قواته المسلحة إلى جانب الجيش الأمريكي وجيوش أكثر من 30 دولة إفريقية ودولية، نظمت الجزائر تمرينا عسكريا قرب الحدود مع المغرب، تحديدا بمنطقة تندوف، في استعراض عسكري أشرف عليه رئيس أركان الجيش الجزائري الفريق سعيد شنقريحة.

يأتي هذا التحرك الميداني في توقيت شديد الحساسية، يؤشر على تصاعد مناخ التوتر الإقليمي، ويعكس ما يشبه سباق استعراض القدرات بين الجارين، وتعبيرا للخروج عن الإجماع المغاربي بتنظيم تمرين عسكري “محتشم” تحت مسمى “الحصن المنيع 2025”.

المثير للاهتمام أن هذه المناورات تأتي في وقت تواجه فيه الجزائر عزلة متنامية بفعل خياراتها الدبلوماسية الأحادية؛ بحيث تجد نفسها محاصرة في محيط جيو-سياسي هش، من ليبيا الغارقة في الانقسام والنزاعات المسلحة إلى دول الساحل التي تنهار تباعا تحت وطأة الانقلابات والتحولات العسكرية غير المستقرة.

وإذا كان المغرب قد اختار الانخراط في مناورات متعددة الأبعاد–برية وجوية وبحرية–تعكس قدرة مؤسساته على الاشتغال ضمن منظومات الحلفاء الدوليين، فإن الجزائر اختارت التموضع في موقع “المراقب”، مكتفية بمناورات حدودية ذات طابع رمزي، لا تخلو من رسائل موجهة إلى الداخل أكثر من كونها موجهة إلى العالم الخارجي.

ويقرأ مراقبون هذا السلوك العسكري الجزائري في سياق التصعيد السياسي والإعلامي الذي دأب عليه النظام في السنوات الأخيرة، في محاولة لتثبيت صورة “العدو الخارجي” في الوعي الجمعي المحلي كلما اشتدت التحديات الداخلية، غير أن اختيار توقيت المناورات وموقعها القريب من الحدود المغربية، يضفي عليها طابعا استعراضيا محضا، يفتقر إلى العمق الاستراتيجي ويثير أكثر من علامة استفهام حول نوايا النظام الجزائري في المرحلة المقبلة.

هروب إلى الأمام

في هذا الصدد، قال عبد الفتاح البلعمشي، رئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات، إن التمرين العسكري الميداني الذي أجرته الجزائر قرب الحدود المغربية يشكل ردّ فعل مباشرا على مناورات “الأسد الإفريقي” التي تُنظَّم بشكل منتظم بالمملكة منذ سنوات، مضيفا أن “اختيار توقيت ومكان هذه المناورة العسكرية الجزائرية–في تندوف وبإشراف مباشر من رئيس أركان الجيش الجزائري–لا يمكن فصله عن سياق التصعيد الذي تنتهجه السياسة الخارجية الجزائرية في تعاطيها مع المغرب، رغم ما تتيحه القرارات السيادية من هامش في تنظيم الأنشطة العسكرية”.

وأكد البلعمشي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن مناورات “الأسد الإفريقي”، التي تجمع المغرب بالولايات المتحدة وعدد من الدول الإفريقية والأوروبية، تشكل تمرينا متعدد الأبعاد، يرسّخ مكانة المملكة كفاعل استراتيجي في حفظ السلم والأمن الإقليميين، ويعكس في الوقت ذاته تطور قدرات القوات المسلحة الملكية في إطار شراكات مدروسة وتراكم عملياتي منتظم، لافتا إلى أن”المناورات الجزائرية، في المقابل، تترجم توجها أحاديا لا يحمل سوى رسائل محدودة الأثر، خاصة في ظل غياب الانفتاح وتوسيع الشراكات العسكرية”.

“الجزائر اختارت اعتماد منطق التلويح بالقوة في تعاطيها مع المتغيرات الجيو-سياسية، في وقت تتجه فيه المملكة المغربية نحو مقاربة مختلفة تقوم على بناء تحالفات مسؤولة، وتثبيت الاستقرار الإقليمي، والانخراط في ديناميات دبلوماسية وأمنية متوازنة”، يسجل الخبير في الشؤون الدبلوماسية، قبل أن يضيف: “إننا أمام وجهتي نظر متناقضتين: الأولى مغربية، تنطلق من مناعة سيادية وحرص على السلم. والثانية جزائرية، تقوم على حسابات سياسية داخلية تعكس ارتباكا في قراءة التحولات الجارية”.

وأكمل عبد الفتاح البلعمشي حديثه لهسبريس بالتأكيد على أن المؤشرات الإقليمية والدولية، والمكاسب التي راكمتها المملكة في ملف الصحراء المغربية، والدينامية المتنامية لتحالفاتها، كلها عوامل تجعل من خيار التصعيد كما تمثله الجزائر خيارا غير منتج على المدى البعيد، مشددا على أن “مستقبل العلاقات الثنائية يظل رهينا بمدى توفر الإرادة السياسية لتجاوز منطق المواجهة، والعودة إلى مقاربة عقلانية تعطي الأولوية لمصالح شعوب المنطقة واستقرارها”.

تسلح هش

من جانبه، سجل محمد الغيث ماء العينين، نائب رئيس المركز الدولي للدبلوماسية وحوار الحضارات، أن المناورات العسكرية التي نظمتها الجزائر بمنطقة تندوف، بعد إعلانها مقاطعة مناورات “الأسد الإفريقي 2025″، تكشف عن انتقال المؤسسة العسكرية الجزائرية من مرحلة الحذر إلى مرحلة الاستعراض، في محاولة لملء فراغ استراتيجي داخلي أكثر منه توجيه رسالة ردع خارجية.

وأوضح ماء العينين، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “الجيش الجزائري الذي يعتمد في تسليحه بشكل شبه كلي على منظومات روسية تقليدية، يعيش اليوم أزمة مفاهيمية مزدوجة: فمن جهة، لم يعد السلاح الروسي يحظى بالمصداقية الميدانية بعد أن كشفت حرب أوكرانيا وهجمات الشرق الأوسط هشاشته. ومن جهة أخرى، تفتقر هذه المؤسسة إلى دينامية التطوير الذاتي والانتقال إلى نموذج الحروب الذكية التي تعتمد على التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والطيران غير المأهول”.

وأضاف المتحدث أن “الخطوة الجزائرية التي جاءت كرد فعل على نجاح المناورات متعددة الجنسيات التي يقودها المغرب بشراكة مع الولايات المتحدة، تعكس ارتباكا بنيويا في فهم التحولات الجيو-استراتيجية؛ بحيث أصبح الدفاع اليوم مرادفا للسيادة الصناعية، والربط بين القدرات التكنولوجية والبشرية، لا مجرد تكديس للعتاد”.

وخلص ماء العينين إلى أن “المغرب يشتغل في هدوء على بناء منظومة ردع حقيقية، قائمة على توطين التكنولوجيا، وتأهيل الرأس المال البشري، وتوسيع الشراكات العسكرية مع قوى كبرى، وهو ما تجسد مؤخرا في الإعلان عن مشروع تصنيع وتجميع أجزاء من مقاتلات F-16V داخل ترابه، بشراكة مع لوكهيد مارتن، ما يضع المملكة على سكة السيادة الدفاعية ويدمجها في سلاسل التوريد العالمية”، لافتا إلى أن “الجزائر ما زالت تراهن على أساليب استعراضية تقليدية لم تعد تقنع أحدا، لا في الداخل ولا في الخارج.”

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق