كشفت دراسة بحثية أن “المجتمع المغربي عمل بآلية الوساطة الأسرية في قصر الخصومات العائلية، إذ كانت النزاعات تعرض على قاضي الجماعة بشكل رضائي من طرف الزوجين، وكان على طرفي العلاقة الإدلاء بالحجج على ادعاءاتهما أمام الجماعة حتى يتسنى لها تكوين رأي في الموضوع”.
وأوضحت الدراسة المنشورة ضمن عدد ماي من مجلة “الباحث للدراسات والأبحاث العلمية” أن “المشرع المغربي وسّع من حالات إعمال مسطرة الصلح، إلا أن التفعيل العملي لها أبان عن عدم فعاليته؛ ولذلك بدأ التفكير في مأسسة الوساطة الأسرية، موازاة مع غياب إطار قانوني صريح منظّم لها”.
كما أكدت الدراسة أن “التدخل القضائي في مسطرة الصلح أبان عن عجزه في تدبير النزاعات الأسرية، وذلك بالنظر إلى الارتفاع المهول لقضايا حل ميثاق الزوجية بالطلاق والتطليق، وذلك راجع إلى مواجهة العمل القضائي العديد من الإكراهات”، مفيدة بانتقال حالات الطلاق من 26 ألفا و914 حالة في 2004 إلى 27 ألفا سنة 2019، قبل أن ينفجر هذا العدد خلال “فترة كورونا” لأسباب اقتصادية بالأساس.
وأورد المصدر ذاته أن “الأجواء مناسبة لإقامة نظام محكم للوساطة الأسرية بالمغرب، يحاول من خلاله أطراف الخصومة حلّ مشاكلهم بصورة ودية بعيدا عن القضاء، خاصة أن البلاد تتوفر على أرضية قانونية وتراث عريق من التقاليد والأعراف والعادات المتعلقة بالصلح والتوفيق، ومرجعية دينية إسلامية تحث على التصالح وحلّ النزاعات بشكل ودي وتفعيلها لبعث آلية الوساطة الأسرية المغربية”.
واعتبر زكرياء الودغيري، مُعدّ الدراسة، أنه “رغم كل هذه العوامل المساعدة إلا أن تحقيق ذلك على أرض الواقع يبقى رهينا بالتغلب على مجموعة من الإكراهات القانونية والواقعية التي تعترض تفعيلها بالشكل المطلوب، الذي يقتضي بدوره تضافر جهود الفاعلين في الحقل القانوني والقضائي وفعاليات المجتمع المدني، وخاصة الجمعيات المهتمة بالأسرة والطفولة، لما لها من دور نافذ وفعال”.
ونبّه الودغيري أيضا إلى أن “رصد آفاق الوساطة الأسرية يرتبط بآليات العمل ووسائله وكيفيته، وكذا ماهية النظم الجديدة الواجب العمل بها، فضلا عن المساطر الواجب اتباعها من أجل تفعيل الوساطة الذي يرتبط بصدور قانون ينظمها بالمغرب”.
وذكّر العمل البحثي الذي يحمل عنوان “الوساطة الأسرية وسياق الدعوة إلى مأسستها” بالأشكال التي حضر مفهوم الوساطة من خلالها على مستوى قانون المسطرة المدنية ومدونة الأسرة وقانون مهنة المحاماة، مفيدا بأن “المشرّع المغربي لم ينظم الوساطة الأسرية بموجب مقتضيات قانونية خاصة”، وزاد شارحا: “المشرّع حاول ضمن مدونة الأسرة المعمول بها حاليا الحفاظ على استمرارية العلاقة الزوجية من خلال منح القضاء صلاحية مراقبة حل ميثاق الزوجية وتقييد الممارسات التعسفية للزوج، فضلا عن تعزيز آليات التوفيق والوساطة”.
وأوضح المصدر نفسه أن “قانون المسطرة المدنية نظّم الوساطة الاتفاقية دون غيرها، ما يصعّب تطبيق نطاق الوساطة على مجموعة من المنازعات، خاصة الأسرية منها، بينما لا يمكن لهيئة الدفاع الوصول إلى الأهداف المتوخاة منها دون تعاون من الأطراف المقبلة عليها، بما يبرز بجلاء دور أقطاب النزاع في هذه العملية”.
تجدر الإشارة إلى أن موضوع “الوساطة الأسرية” تصدّر اهتمامات شرائح واسعة من المغاربة خلال الأشهر الأخيرة، وذلك بالموازاة مع التعديل الذي مازالت تخضع له مدونة الأسرة، إذ تضمنت المذكرة التي تقدمت بها عدد من الهيئات إلى اللجنة المكلفة بتعديل المدونة نفسها مقترح إحداث هيئة مؤسساتية تُنظّم بقانون وتُناط بها مهمة الصلح والوساطة الأسرية.
0 تعليق