دولة إثيوبيا هي الموطن الأكبر للحمير في العالم، حيث يُقدَّر عددها بنحو 9 ملايين حمار، وفقًا لتقديرات منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) لعام 2018، ما يعادل 20% من إجمالي الحمير عالميًا، فيما تعيش هذه الحيوانات في بلد يعاني 34.6% من سكانه من الفقر المدقع ، مما يجعلها شريكة لا غنى عنها في الحياة اليومية لملايين الإثيوبيين، لا سيما في المناطق الريفية والحضرية الفقيرة.
عمالة صامتة تدعم الاقتصاد
تلعب الحمير دورًا محوريًا في الاقتصاد الإثيوبي، حيث تُستخدم في الزراعة لحرث الحقول ونقل المحاصيل، خاصة في المناطق الريفية التي تفتقر إلى الآلات الحديثة، ونقل البضائع في أزقة أديس أبابا الضيقة، بديلًا عن السيارات التي أصبحت تكلفة تشغيلها مرتفعة بسبب ارتفاع أسعار الوقود.
جيُدرك المزارعون مثل غولوما بايي (38 عامًا) أن فقدان الحمار يعني فقدان مصدر الدخل الرئيسي. فبمرض حماريه، عجز عن شراء الخبز لأطفاله حتى تلقى العلاج المجاني في عيادة "دانكي سانكتشويري" وفق تقرير نشره موقع "الوسيط".
وبحسب دراسة أجرتها منظمة بروك أثيوبيا، تُسهم الحمير في إعالة ما يقرب من 158 مليون شخص في أفريقيا، وتُخفف من الأعباء اليومية للنساء والأطفال، مما يسمح لهم بالالتحاق بالمدارس أو تنمية أنشطة اقتصادية أخرى.
تحديات صحية تواجه حمير إثيوبيا
ورغم قيمتها، تواجه الحمير ظروفًا قاسية مثل الأحمال الثقيلة حيث تصل الأحمال المنقولة إلى عشرات الكيلوجرامات يوميًا، مع تعرضها للضرب في بعض الأحيانإ إضافة إلى نقص الغذاء، ففي المناطق الحضرية، تأكل الحمير النفايات والبلاستيك بسبب الجوع، مما يؤدي إلى انسداد الجهاز الهضمي، كما يوضح الطبيب البيطري ديريجه تسيجاي الذي يعالج هذه الحالات بإزالة الفضلات يدويًا، حسب تقرير "الوسيط"
كما تعاني الحمير في إثيوبيا من الإصابات المتكررة كجروح الساقين من المسامير، التهابات العين، والمغص الناتج عن سوء التغذية.
وتؤكد دراسة أجريت عام 2016 أن متوسط عمر الحمار في إثيوبيا لا يتجاوز 4-6 سنوات، مقارنة بـ30 عامًا في حال توفير الرعاية المناسبة.
مركز لعلاج الحمير من سؤء المعاملة
تأسس مركز "دانكي سانكتشويري" التابع لمنظمة بريطانية غير حكومية عام 2007 بالقرب من سوق ميركاتو في أديس أبابا، ويستقبل مئات الحمير يوميًا لتقديم علاج مجاني يشمل: تضميد الجروح، وعلاج التهابات العين والمغص، وجراحات لإزالة الأجسام الغريبة من المعدة.
يقول تيسفاي ميجرا، أحد مديري العيادة: "لدينا مثل شعبي: إذا لم يكن لديك حمار، فأنت حمار"، مؤكدًا على القيمة الاجتماعية والاقتصادية لهذه الحيوانات، فيما تُغيَّر العيادة من الممارسات التقليدية الخطرة، مثل إزالة المسامير بالسيخ، إلى أساليب بيطرية حديثة، كما يروي تشاني باي (61 عامًا) الذي يزور العيادة كل 3 أشهر لفحص حماريه.
تهديدات خارجية.. الصين وجلود الحمير
تواجه الحمير الإثيوبية خطرًا جديدًا يتمثل في الطلب الصيني المتزايد على جلودها لصناعة عقار إيجياو التقليدي، الذي يُستخدم في الطب الصيني.
و وفقًا لتقارير إعلامية، تشتري المسالخ الصينية ما يصل إلى مليون حمار سنويًا من إثيوبيا بشكل غير قانوني، مما يهدد بانقراضها خلال 10-15 عامًا.
ويُعبر الناشطون عن مخاوفهم من تأثير ذلك على الأسر الريفية التي تعتمد كليًا على الحمير، كما أن الذبح الجائر ينتهك القيم الدينية الإثيوبية التي تُحرِّم استهلاك لحم الحمير.
ورغم الجهود المبذولة في العيادات البيطرية، لا تزال الحمير تحتاج إلى تنظيم استخدامها وحمايتها من الاستغلال، وتوعية الملاك بأساليب الرعاية الصحية السليمة، ومواجهة التهديدات الخارجية: مثل الاتجار غير المشروع بالجلود.
تُلخص كلمات الطبيب البيطري ديريجه تسيجاي جوهر المعضلة: "هذه الحيوانات تقدم خدمات جليلة، لكنها تدفع الثمن غاليًا". وفي ظل الاعتماد الشديد عليها، يصبح إنقاذ الحمير إنقاذًا لملايين الإثيوبيين من هوة الفقر.
==
0 تعليق