في خطوة تُعد من أكثر التحركات الإسرائيلية استفزازًا في السنوات الأخيرة، صادقت الحكومة الإسرائيلية، بمبادرة من وزير الدفاع يسرائيل كاتس ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، على إقامة 22 مستوطنة جديدة في الضفة الغربية المحتلة، هذا القرار، الذي اعتُبر "سريًا" من قبل مجلس "يشع" للمستوطنات، يعكس توجهًا استراتيجيًا نحو تغيير معالم المنطقة ديموغرافيًا وجيوسياسيًا، في تحدٍ صارخ للشرعية الدولية ولقرارات مجلس الأمن.
المصادقة جاءت من قبل المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية (الكابينت)، وتضمّنت إعادة إحياء مستوطنات مثل "حومش" و"سانور" شمال الضفة، واللتين تم تفكيكهما في إطار خطة "الانفصال" عام 2005، لكن عودة هذه المستوطنات تعكس تحولاً جذرياً في سياسة إسرائيل تجاه الأرض الفلسطينية المحتلة، وتحديداً المناطق المصنفة (ج)، التي تُشكل نحو 60% من الضفة الغربية، وتخضع لسيطرة إسرائيلية كاملة بحسب اتفاق أوسلو.
الأهداف الإسرائيلية المعلنة: تسوية أراضٍ ووقف "النشاط الفلسطيني غير القانوني"
بحسب التفاصيل التي نشرتها صحف إسرائيلية مثل "يديعوت أحرونوت" و"يسرائيل هيوم"، تهدف الحكومة الإسرائيلية إلى "تجديد تسوية الأراضي الرسمية" تحت إشراف الدولة الإسرائيلية، في مواجهة ما تعتبره محاولات السلطة الفلسطينية تنفيذ تسويات "غير قانونية" في مناطق (ج). ويجري الحديث عن إجراءات قانونية وتشريعية لتجريد الوثائق والخرائط والموافقات الفلسطينية من أي أثر رسمي داخل إسرائيل.
كما تعتزم السلطات تعزيز الوجود الإسرائيلي على المحاور الاستراتيجية، لا سيما حول الطريق 443 الرابط بين القدس وتل أبيب، والذي يمر جزئياً في أراضي الضفة الغربية. وهذه النقطة تحديدًا تُبرز البعد الأمني والتوسعي للخطة، إذ تهدف إلى ضمان سيطرة كاملة على الممرات الحيوية، وإحكام الطوق على المناطق الفلسطينية.
التصعيد الإداري والقانوني
القرار تضمن توجيهات صريحة إلى أجهزة الأمن بمنع عمليات التسوية الفلسطينية، سواء من خلال منع دخول العمال، أو عرقلة التمويل الأجنبي، أو الضغط المباشر على السلطة الفلسطينية. كما أعلنت وزارة الأمن الداخلي عن نيتها تحديث التشريعات الأمنية وتشكيل طاقم وزاري مشترك للإعداد الكامل خلال 60 يومًا، بما يشمل الميزانيات والاستعدادات القانونية والتنفيذية.
الموقف الفلسطيني والدولي.. تحذيرات من الانفجار
الرئاسة الفلسطينية اعتبرت القرار تصعيدًا خطيرًا وتحديًا للشرعية الدولية، مشيرة إلى أنه يجرّ المنطقة إلى دوامة العنف وعدم الاستقرار. وأكد الناطق الرسمي نبيل أبو ردينة أن القرار يُشكل انتهاكًا فاضحًا لقرار مجلس الأمن رقم 2334، الذي نصّ على أن جميع أشكال الاستيطان في الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك القدس الشرقية، غير قانونية.
وطالب أبو ردينة الإدارة الأميركية بالتدخل الفوري، محذرًا من أن هذا النهج الاستيطاني المتسارع قد يقود إلى تفجير الأوضاع الأمنية، خاصة في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وتصاعد العنف في الضفة الغربية.
أبعاد جغرافية وديموغرافية للصراع
الضفة الغربية، ذات الأهمية الجغرافية والسياسية البالغة، تُعد من أكثر المناطق حساسية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وتمتد بطول 100 كم وعرض 50 كم، وتشكل مركز الصراع منذ أن استولت عليها إسرائيل في حرب 1967. ورغم المطالب الفلسطينية بإقامة دولتهم في هذه المنطقة إلى جانب قطاع غزة، فإن تسارع وتيرة الاستيطان يقوّض فكرة "حل الدولتين"، ويحوّل الواقع على الأرض إلى نظام فصل جغرافي وديموغرافي صارم.
مستوطنات مقابل دولة.. تحول استراتيجي منذ أوسلو
منذ توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993، تضاعف عدد المستوطنات والمستوطنين في الضفة الغربية بشكل كبير. ومع عام 2023، سجلت معدلات بناء المستوطنات أعلى مستوياتها تاريخياً، بينما يشهد العام 2024 تصعيدًا نوعيًا في ربط هذه المستوطنات بشبكات طرق عسكرية ومدنية، وفرض وقائع تجعل من قيام دولة فلسطينية متصلة جغرافيًا أمرًا شبه مستحيل.
استيطان تحت غطاء أمني وقانوني
قرار إقامة 22 مستوطنة جديدة ليس مجرد خطوة رمزية، بل يمثل تحولًا استراتيجيًا في سلوك الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة، نحو ترسيخ مشروع ضم تدريجي زاحف للضفة الغربية، تحت مبررات "الأمن"، و"السيادة"، و"القانون"، وبموازاة هدم أية محاولة فلسطينية لفرض وجود إداري أو جغرافي في مناطق (ج).
ومع استمرار العدوان على غزة، والتوتر المتصاعد في القدس والضفة، فإن هذه الخطوة تشكل تحديًا مباشرًا ليس فقط للفلسطينيين، بل للنظام الدولي ككل، الذي قد يجد نفسه أمام واقع جديد يُعيد إنتاج الأزمة الفلسطينية بمزيد من التعقيد، والانفجارات المحتملة.
0 تعليق