
بعنوان “فحم كل المآسي” يكشف “كتاب تحقيق” جديد للصحافي والباحث المتخصص في قضايا الهجرة حسن بنطالب قصّة من هامش ذاكرة العلاقات المغربية الفرنسية بعد الاستقلال؛ “لعمال المناجم المغاربة الذين قدموا للعمل في فرنسا، في مناجم الشمال – الباس دو كاليه، ابتداءً من ستينيات القرن الماضي”، كاشفا لا “هجرة عمل” فقط، بل “نظام استغلال ممنهج، يقترب من العبودية الحديثة، حيث بُني اقتصاد الفحم على أجساد عمال مُجتثين من أرضهم، مهانين ومجردين من حقوقهم”.
وفي تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية قال الكاتب حسن بنطالب إن كتابه الذي يمزج بين العمل الصحافي الميداني والبحث في الوثائق الإدارية والدراسات، والشهادات، يكشف ذاكرةً تمّ التغاضي والتعتيم عليها، هي “ذاكرة الآلام والمرارة والمآسي، المجهولة، لمن ذهبوا وعملوا وجنوا أموالا، لكننا لا ننتبه لما عاشوه من تمييز وعنصرية واشتغال في ظروف قاسية جدا، واختيار بمنهج يعود إلى قرون سوق النخاسة”.
وأضاف المؤلف ذاته: “في إطار سفر صحافي سنة 2011، في جنوب المغرب، لاحظت تكرّر اسم فيليكس مورا، الذي كان يستقطب اليد العاملة المغربية، خاصة في مناجم الفحم، وأثارني حضوره في الذاكرة الجماعية، كباحث وصحافي، فحتى الأجيال الجديدة تعرفه، وتود لو تجدّدت تجربته… أما دافع الكتابة الثاني فهو عندما بحثتُ وجدت أن معظم من كتبوا حول الأمر كُتّاب فرنسيون؛ باستثناء باحثين من بينهما المؤرخ عطوف الكبير، فخضتُ غمار التجربة التي تجمع بين العمل الأكاديمي والصحافي الاستقصائي”.
ومن بين الشهادات التي ينقلها الكتاب شهادة تقول: “لم يكن لهؤلاء الرجال حتى الحق في المرض؛ فالمرض كان يعني خسارة مصدر رزقهم”. لكن العمل ليس فقط “عملاً توثيقياً للماضي”، بل “يدعونا للتفكير في مكانة العمال المهاجرين في اقتصادياتنا الحديثة، والمعاملة المؤسساتية للعمال السابقين من غير الأوروبيين، وأشكال التمييز والظلم الاجتماعي المعاصر”، في تقاطع مع “النقاشات الراهنة حول الإرث الاستعماري، وذاكرة النضالات العمالية، وجبر الضرر التاريخي”، وفق تقديم الكتاب.
ومن بين ما يهتم به “كتاب التحقيق” الجديد ما حكمت به محكمة الاستئناف في مدينة دووي الفرنسية على “الجمعية الوطنية لضمان حقوق عمال المناجم” (ANGDM) بـ”دفع 40 ألف يورو لعشرة عمال مناجم مغاربة سابقين، بسبب حرمانهم لعقود من الحقوق نفسها التي تمتع بها نظراؤهم الفرنسيون والأوروبيون، خصوصاً في السكن والتدفئة”، مردفا: “كان هذا الحكم ثمرة نضال قانوني وإنساني دام أكثر من عشرين سنة، لكنه لا يمكن أن يخفي معاناة أخرى: المعاناة التي تعرضوا لها خلال ‘انتقاء’ العمال في المغرب؛ عملية أشرف عليها فيليكس مورا، وتميزت بأساليب مهينة وقاسية، تكاد تشبه تجارة البشر”.
لكن هذه التجربة التي يتمحور حولها الكتاب، الذي يزاوج بين الأبحاث والشهادات للتأريخ للهامش، لا تؤرّخ لماضي الهامش والمهمّشين فحسب، بل هي “تجربة تتم إعادة إنتاجها الآن، عبر نساء حقول الفراولة، حيث هناك تشابه كبير في كيفية انتقائهن، وعملهن، والممارسات العنصرية اللائي يعشنها، فهذا إذن تاريخ يعيد إنتاج نفسه، بشكل مغاير”، وفق تصريح حسن بنطالب لهسبريس.
النشرة الإخبارية
اشترك الآن في النشرة البريدية لجريدة هسبريس، لتصلك آخر الأخبار يوميا
اشترك
يرجى التحقق من البريد الإلكتروني
لإتمام عملية الاشتراك .. اتبع الخطوات المذكورة في البريد الإلكتروني لتأكيد الاشتراك.
لا يمكن إضافة هذا البريد الإلكتروني إلى هذه القائمة. الرجاء إدخال عنوان بريد إلكتروني مختلف.
0 تعليق