في مؤشر خطير على تصاعد الانقسام داخل المؤسسة السياسية الإسرائيلية وتآكل فرص التهدئة في قطاع غزة، أعلن وزير الأمن القومي الإسرائيلي اليميني المتطرف إيتمار بن غفير، اليوم الجمعة، رفضه الصريح لأي مهادنة مع حركة "حماس"، مطالبًا باستخدام "القوة الكاملة" لاجتثاثها من القطاع. جاءت تصريحاته بعد ساعات من إعلان "حماس" أن المقترح الأميركي لوقف إطلاق النار لا يلبي الحد الأدنى من مطالبها الوطنية والإنسانية، ما دفع الوزير الإسرائيلي إلى مهاجمة الحكومة نفسها واتهامها بالتردد والضعف.
بن غفير، المعروف بخطابه المتشدد وسجله الطويل في التحريض، كتب عبر قناته على "تلغرام" مخاطبًا رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو: "بعد أن رفضت حماس مرة أخرى اقتراح الاتفاق، لم تعد هناك أعذار. حان الوقت للدخول بكامل القوة، دون تردد، لتدمير وقتل حماس حتى آخر عنصر فيها".
هذا التصريح يضع نتنياهو تحت ضغط داخلي متزايد من حلفائه اليمينيين الذين يرون في أي مسار تفاوضي نوعاً من التراجع.
في المقابل، أعلن البيت الأبيض الخميس أن إسرائيل وافقت على مقترح لوقف إطلاق النار تم تقديمه إلى "حماس"، وهو ما اعتبر في حينه خطوة إيجابية نحو إنهاء الحرب المستمرة منذ أكثر من 19 شهراً في غزة. غير أن الرد السريع والرافض من جانب الحركة أعاد الأمور إلى نقطة الصفر، حيث أكدت أن المقترح لا يلبّي "أيًّا من مطالب الشعب الفلسطيني".
ومع فشل جولات التفاوض المتعددة، وانعدام الأفق السياسي، عاد التصعيد العسكري ليحتل واجهة المشهد. فبعد هدنة هشّة استمرت شهرين، استأنفت إسرائيل عملياتها العسكرية في غزة منتصف مارس، وزادت وتيرتها بشكل ملحوظ منذ 17 مايو، معلنة أن هدفها هو "القضاء على حماس وتحرير الرهائن" الذين ما زالوا محتجزين منذ هجوم السابع من أكتوبر 2023.
تحذيرات بن غفير لا يمكن قراءتها بمعزل عن محاولاته المتكررة لفرض أجندة سياسية داخل الائتلاف الحاكم تقوم على التصعيد والتوسع، وهو ما يضع الحكومة الإسرائيلية بين مطرقة الضغط الدولي وسندان حلفائها في اليمين المتطرف. وبينما تسعى واشنطن إلى تحقيق تهدئة تحفظ ماء وجه الجميع، فإن فشل المقترحات حتى الآن يشير إلى أن الواقع الميداني قد يتجه نحو المزيد من العنف بدلًا من التهدئة.
خطة ويتكوف لوقف إطلاق النار في غزة
كان المبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط، السفير ستيف ويتكوف، قدم خطة تتضمن تصورًا أميركيًا لهدنة مؤقتة في غزة تمتد ستين يومًا، على أن يتم خلالها إطلاق سراح جزء من الرهائن الإسرائيليين والمحتجزين الفلسطينيين، وبدء مفاوضات تؤسس لوقف إطلاق نار دائم.
لكن هذا المقترح، المعلن في لحظة متداخلة بين الحرب والسياسة، لم يأتِ من البيت الأبيض الحالي، بل من الرئيس دونالد ترمب، الذي يطرح نفسه مجددًا كوسيط دولي وفاعل على الساحة، في تحرك يثير أسئلة عميقة حول شرعية المبادرة وأبعادها السياسية والقضائية.
تفاصيل المقترح
تحمل الوثيقة عنوانًا يوحي بالحل: "إطار للتفاوض على اتفاق لوقف إطلاق النار الدائم". إلا أن التفاصيل تُظهر توافقًا مشروطًا ومركبًا، قد يؤدي إلى تثبيت وقف مؤقت لإطلاق النار لكنه في المقابل يُعيد تدوير الشروط والتوازنات نفسها التي فشلت المبادرات السابقة في تجاوزها.
يبدأ المقترح بهدنة لمدة 60 يومًا، بضمانة شخصية من ترامب لالتزام إسرائيل، ويتضمن في مرحلته الأولى إطلاق سراح 10 رهائن أحياء و18 من الجثامين الإسرائيليين مقابل إفراج إسرائيل عن 125 سجينًا محكومًا بالمؤبد و1111 أسيرًا آخرين من غزة، إضافة إلى رفات 180 فلسطينيًا.
المساعدات الإنسانية تبدأ فورًا بعد قبول حماس بالاتفاق، وتُشرف على توزيعها هيئات دولية مثل الأمم المتحدة والهلال الأحمر. أما الجانب العسكري، فتنص الوثيقة على إيقاف الهجمات الجوية الإسرائيلية لـ10-12 ساعة يوميًا، مع إعادة انتشار تدريجي للجيش الإسرائيلي شمالًا ثم جنوبًا.
0 تعليق