إنسانية النبي الكريم

البوابة نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

شخصية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم شخصية ثرية ومتعددة الجوانب، وكلما قرأت في سيرته، وجدت ما يُضاف إلى قلبك وعقلك من نور هذه السيرة المتفرّدة.

ورغم كثافة ما كُتب عنه، منذ أوائل كتب السيرة مثل سيرة ابن هشام، وحتى زماننا هذا، فإنك لا تملك إلا أن تقف متأمّلًا أمام عظمة هذا النبي الكريم  الذي لم يُخلق مثله، لا في الشرق ولا في الغرب.

اللافت أن كثيرًا من أساتذة الجامعات والباحثين الغربيين، تناولوا شخصية النبي  الكريم من زوايا مختلفة، ليس من منطلق الإيمان برسالته، بل من خلال أدوات البحث الأكاديمي والموضوعية العلمية،وهنا تظهر جوانب جديدة – وربما غائبة – عن أنظار المسلمين أنفسهم، أضاءها أولئك الباحثون بعد نظر وتجرّد.

والحقيقة أن شخصية النبي محمد صلى الله عليه وسلم ليست حكرًا على المؤمنين به، فهي شخصية إنسانية عابرة للحدود، تتجلى فيها صفات "الإنسان الكامل" كما يُصوّره الضمير الإنساني عبر العصور.

ولهذا، عندما وقع بصري على كتاب "إنسانية محمد: رؤية مسيحية" للدكتور كريغ كونسيدين، لم أندهش فقط من موضوعيته، بل من إشادته العميقة بشخص النبي الكريم، تلك الإشادة التي خرجت من قلب مسيحي غربي، لكنها وصلت إلى قلوب المسلمين لما فيها من صدق وإعجاب وإنصاف.

هذا الكتاب جاء في زمنٍ تعالت فيه الأصوات المشككة،، كصوتٍ عاقل وعميق، يقدّم قراءة جديدة لسيرة النبي محمد  الكريم، بعيدًا عن الانفعالات، ومتجاوزًا الحواجز الثقافية والدينية.

 

 لم يمض على صدور الكتاب  إلا أربعة أعوام، وأثار منذ صدوره اهتمامًا واسعًا في الأوساط الأكاديمية، وداخل المجتمع المسلم الغربي الذي وجد فيه صوتًا منصفًا لقضيته، وقراءة عادلة لشخصية نبيّه.

لا يفوتنى أن احدثك عن  المؤلف كريغ كونسيدين فأقول لك بأنه أستاذ علم الاجتماع في جامعة رايس بولاية تكساس وحاصل على درجة الدكتوراه من جامعة ترينيتي في دبلن وهو متخصص في علم الاجتماع الديني والحوار بين الأديان،وكل مقالاته تنشر  في صحف عالمية كبرى، وله كتب أخرى تناولت قضايا التعددية والهوية، منها:المسلمون في أمريكا: مراجعة للحقائق،والإسلام والعرق والتعددية في الجاليات الباكستانية.

الاهم أن كتابه إنسانية محمد لا يقدم سيرة تقليدية للنبي الكريم، بل يتناول القيم التي جسّدها في حياته، من خلال تأملات فكرية مدروسة، ومدعومة بالأمثلة التاريخية.

عرض مثلا كيف واجه النبي العظيم الفقر، ودعا إلى التكافل والكرامة الإنسانية، ويقارن مواقفه بمفاهيم العدالة المعاصرة، مستشهدًا بميثاق المدينة ومواقف الرحمة مع الفقراء والعبيد.

كما يُظهر الكاتب كيف رفع الإسلام مكانة المرأة، ومنحها حقوقًا لم تعهدها الجاهلية ولا حتى بعض المجتمعات الغربية في عصور لاحقة.

وينقل مواقف النبي الرائع مع الوفود المسيحية ومع غير المسلمين، مشيرًا إلى احترامه الدائم للآخر، حتى في لحظات النصر والقوة.

كما يراه الكاتب زعيمًا عالميًا للضمير الإنساني، فهو إنسانًا يبكي لألم الناس، ويسير خلف الجنائز، ويجالس الفقراء، ويأبى التكبر رغم مكانته.

الحقيقة أن الكتاب مكتوب بلغة هادئة، وواضحة، غير متحيزة، تُخاطب الضمير الإنساني، وتُقارن بين سلوك  النبى الأمين ومفاهيم معاصرة مثل حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية ولأنه 

يخاطب القارئ الغربي بمفاهيمه، تجنّب الخطاب الوعظي والدعوي، بل قدّم  السيرة النبوية كما رآه في وقائع حياته: رجلًا رحيمًا، وعادلًا، ومتسامحًا.

  وأود أن أشير إلى أنه ليس من السهل أن يكتب باحث أكاديمي بارز، وأستاذ في جامعة أمريكية، عن نبيّ الإسلام بلغة احترام وتقدير، في بيئةٍ يشوبها كثير من سوء الفهم، لكن الدكتور كريغ كونسيدين فعلها، لا بوصفه داعية، بل بصفته إنسانًا يرى في النبي محمد صلى الله عليه وسلم شخصية تستحق أن تُروى بإنصاف أمام الضمير العالمي. فجاء الكتاب شهادة من خارج الدائرة الإسلامية، تُعيد للوعي العالمي شيئًا من التوازن، وتمنح القارئ غير المسلم فرصة لرؤية نبي الإسلام العظيم كما رآه أتباعه:إنسانًا رحيمًا، وحكيمًا، وقائدًا للضمير قبل أن يكون مؤسسًا لدين.

إنها شهادة لا تطلب من القارئ أن يُؤمن.. بل فقط أن يُنصت بإنصاف.

    الاسبوع القادم باذن الله أكمل القراءة فى كتاب إنسانية محمد رؤية مسيحية للدكتور كريغ كونسيدين

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق