الإثنين 02 يونيو 2025
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
سياسة

تتواصل في العاصمة الليبية طرابلس، وعدد من مدن الغرب الليبي، موجة احتجاجات شعبية آخذة فى التصاعد، مطالبة برحيل حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة.
وللأسبوع الثالث على التوالي، امتلأ ميدان الشهداء وسط العاصمة بحشود غاضبة، رفعت شعارات تتهم الحكومة بالفساد، وتندد بسوء الأوضاع المعيشية، وطالبت برحيل السلطة التنفيذية الحالية دون قيد أو شرط.
وقد اتخذ المحتجون من "البطاقة الحمراء" رمزًا لمطلبهم المركزي، في إشارة رياضية إلى الطرد الفوري لحكومة الدبيبة من المشهد السياسي، وسط تصاعد الدعوات للعصيان المدني والإضراب العام، في خطوة تصعيدية تعكس حجم الغضب الشعبي تجاه استمرار الأزمة السياسية، وغياب الأفق الانتخابي.
وفى مشهد بات متكررًا في الأسابيع الأخيرة، احتشد آلاف المواطنين في ميدان الشهداء الجمعة الماضية، مرددين شعارات ترفض بقاء حكومة الدبيبة، وتطالب بمحاسبتها على ما وصفوه بـ"الانتهاكات الجسيمة والفساد المستشري".
وتوسعت رقعة الاحتجاجات لتشمل مدنًا أخرى، من بينها جنزور والزاوية وسوق الجمعة، حيث شهدت الأخيرة حراكًا واسعًا نظمته مجموعات شبابية مستقلة، نادت بإنهاء دور الميليشيات، ووقف الفوضى الأمنية، وتحقيق العدالة الانتقالية.
وأمام مقر بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بمنطقة جنزور، رفع المتظاهرون لافتات تطالب البعثة الدولية بعدم غضّ الطرف عن الانتهاكات التي ترتكبها الحكومة، محملين إياها "المسئولية الكاملة عن حياة المتظاهرين السلميين"، كما دعوها لممارسة الضغط السياسي على الحكومة من أجل الاستجابة لمطالب الشارع.
وما يضاعف من خطورة هذه التطورات، هو ارتباط حالة الغضب الشعبي بتصاعد الانفلات الأمني، وتفاقم نفوذ الميليشيات، واندلاع اشتباكات عنيفة بين قوى مسلحة متناحرة، كان آخرها ما شهدته طرابلس منتصف مايو الجاري.
إذ اندلعت مواجهات دموية بين مجموعات مسلحة موالية لحكومة الدبيبة من جهة، و"جهاز الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة" من جهة أخرى، على خلفية اغتيال عبدالغني الككلي، المعروف بـ"غنيوة"، رئيس جهاز دعم الاستقرار، وأحد أبرز الفاعلين الأمنيين فى العاصمة.
هذا المشهد يعيد إلى الأذهان خطر عودة الإرهاب وتنظيماته، التي لطالما استفادت من الفوضى وغياب الدولة لتوسيع نفوذها، خاصة في مناطق الجنوب والغرب الليبي.
ويخشى مراقبون أن تؤدى حالة الانقسام واحتدام الصراع بين الميليشيات إلى فتح فراغ أمنى جديد، قد تستغله جماعات متطرفة مثل تنظيمي داعش والقاعدة لإعادة التموضع والتغلغل داخل المدن، مستفيدة من تراجع التنسيق الأمني، وتآكل الثقة بين المؤسسات الأمنية والمجتمع.
كما أن تحول جهاز "الردع"، الذى تأسس فى الأساس كمؤسسة أمنية مختصة بمكافحة الإرهاب، إلى طرف فى صراع مسلح داخلي، يثير تساؤلات عن مدى قدرة الدولة على احتواء التنظيمات المسلحة، والحفاظ على بوصلة الحرب ضد الإرهاب.
وترافق ذلك مع أزمة معيشية خانقة، تشمل انقطاعات متكررة للكهرباء، وارتفاع أسعار السلع الأساسية، وانهيار منظومة الخدمات الصحية والتعليمية.
ويرى مراقبون أن هذه التطورات عمّقت من فقدان الثقة بين الحكومة والشارع، خاصة في ظل غياب خطوات واضحة نحو تنظيم الانتخابات المؤجلة منذ ديسمبر ٢٠٢١، والتي طالما وعد الدبيبة بإجرائها فور تسلمه السلطة.
وفي بيان صادر عن الحراك الشعبي، أعلن المتظاهرون عن "بدء العصيان المدني السلمى في عموم الميادين"، داعين كافة المواطنين للمشاركة فى هذه الخطوة التصعيدية "الحضارية"، على حد وصفهم.
وطالب البيان بـ"تشكيل حكومة جديدة تلتزم بالشفافية وتحظى بالشرعية الشعبية، وتضع الانتخابات على رأس أولوياتها ضمن إطار زمنى واضح وملزم". ويؤكد القائمون على الحراك أن مطالبهم "مشروعة وسلمية"، ولا تستهدف شخص الدبيبة فقط، بل كل منظومة الحكم الحالية التى يرون أنها عاجزة عن إخراج البلاد من حالة الجمود السياسي، مشيرين إلى أن أى حل لا يشمل تغييرًا حقيقيًا فى بنية السلطة سيظل قاصرًا عن تلبية طموحات الشعب الليبي.
فى موازاة التحركات الشعبية، فتح مجلس النواب الليبي، ومقره فى طبرق، ملف تشكيل حكومة جديدة، حيث استمع خلال يومين متتاليين لـ١٢ مرشحًا تقدموا لتولى رئاسة السلطة التنفيذية.
وتهدف هذه الخطوة إلى إنهاء الانقسام السياسي وتوحيد مؤسسات الدولة، وسط دعوات من النواب والمجتمع الدولي للإسراع بتشكيل حكومة توافقية تتولى الإعداد للانتخابات المؤجلة.
إلا أن هذه المبادرات تواجه تحديات حقيقية، فى ظل انقسام سياسي عميق، وغياب توافق مع المجلس الأعلى للدولة فى طرابلس، بالإضافة إلى سيطرة الميليشيات على مفاصل الدولة فى الغرب الليبي، وهو ما يعقّد جهود أى انتقال سلس للسلطة.
ورغم تصاعد التوترات، لا تزال المواقف الدولية متباينة إزاء ما يحدث فى ليبيا، ففى حين دعت بعثة الأمم المتحدة الأطراف إلى ضبط النفس وتغليب الحوار، لم يصدر حتى الآن موقف حازم يحمّل الحكومة الحالية مسؤولية الفشل فى إجراء الانتخابات.
كما أن غياب مبادرة واضحة من القوى الكبرى للضغط نحو الانتقال السياسى يعزز شعور الليبيين بالإحباط من المجتمع الدولي.
فى هذا السياق، يرى محللون أن تزايد الزخم الشعبي، وتوسع رقعة الاحتجاجات، قد تفرض واقعًا جديدًا على الأرض، يدفع نحو تغيير جذري، إذا ما تواصل الضغط الداخلى ووجد دعمًا خارجيًا مناسبًا.
فى ظل هذه المعطيات، تقف ليبيا على مفترق طرق حساس، فإما الاستجابة الفورية لمطالب الشارع، وإطلاق مسار انتقالى يعيد بناء مؤسسات الدولة ويضبط الأمن، أو الانزلاق نحو فوضى شاملة قد تعيد الإرهاب إلى الواجهة، وتهدد ما تبقى من استقرار هش فى البلاد.
وبينما يتصاعد الحراك الشعبي، يبقى مستقبل البلاد مرهونًا بقدرة الليبيين على كسر الجمود وإعادة بناء الدولة على أسس ديمقراطية وتشاركية، تضع حدًا لسنوات من الفوضى والانقسام.
0 تعليق