شروط الأمن اللغوي الأربعون

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الأمة المنسجمة مع ذاتها لا تتحدث ولا تكتب بلسان أمة أخرى.

الأمة المتشبعة بدروس التاريخ تعلم جيدا بأنه لم يسبق لأية أمة وعلى مر العصور أن حققت الرقي والازدهار باعتماد لغة أمة أخرى.

الأمة المعتزة بانتمائها الحضاري لا تلوث واجهات متاجرها ومرافقها العمومية وجدران بناياتها وفضاءاتها المفتوحة بإعلانات وملصقات ولافتات ويافطات مكتوبة بلغة غير لغتها (مع جواز وجود استثناءات جد محدودة).

الأمة الواثقة من نفسها والمؤمنة بقدرات أبنائها لا تعذر أحدا بجهله للغتها على تراب بلدها ولا تتخذ من أية لغة أجنبية قاطرة لمنظومتها التربوية وذلك من التعليم الأولي حتى الدكتوراه.

الأمة الحاملة لهم تشريف تاريخها لا تتفتح على اللغات الأجنبية إلى درجة التفريط في لغتها والسقوط بالتالي في فخ الاستلاب الثقافي واللغوي الماسخ والمعيق والقاتل والذي لا يصب إلا في مصلحة الأمم العظمى بطريقة أو أخرى.

الأمة الصادقة مع ذاتها لا يخجل أبناؤها من عدم التمكن من لغات الغير بل يخجلون من عدم امتلاكهم لناصية لغتهم.

الأمة الباحثة عن الاستقلال اللغوي الشامل لا تستعمل لغتها استعمالا فولكلوريا بل توظفها في كل كبيرة وصغيرة.

الأمة الساعية إلى تطوير ذاتها تشمر على ساعد الجد ولا تسمح للغتها بالتراجع إلى حد العجز عن مواكبة الركب والاضطرار إلى استيراد قواميس ومراجع لغة أخرى.

الأمة المجتهدة العاملة الكادحة لا تهمل لغتها بل تعمل على الارتقاء بها على الدوام وبلا هوادة وترصد لها ما يلزم من إمكانيات مادية وتقنية وبشرية لتطويرها وتعميم استعمالها في كل مناحي الحياة.

الأمة التي تصبو إلى الظهور بمظهر الأمة المتحضرة لا تكرس التربية على المواطنة بحمل النشء الصاعد على الاعتزاز بلغة الأجنبي والانتقاص في المقابل من لغة البلاد.

الأمة المسؤولة لا تسمح لأي كان بتجاهل لغتها، بل تفرضها فرضا داخل حدودها الجغرافية باعتبارها أحد مقومات وجودها وركيزة من ركائز هويتها.

الأمة الممجدة لمسارها الحضاري هي التي تفرض على الأجانب المقيمين على أرضها تعلم لغتها وليس العكس.

الأمة الملتزمة بمنطق الأشياء لا تجعل من اكتساب لغة الأجنبي شرطا من شروط الارتقاء الاجتماعي.

الأمة الفطنة لا تدرج حصص تدريس اللغات الأجنبية إلا في المرحلة اللاحقة لسلك التعليم الابتدائي، أي بعد التأكد من أن المواطن الصغير قد وضع على سكة حضارته الموروثة وبشكل سليم.

الأمة الصارمة تتوفر على شرطة لغوية تكون مهمتها التحقق من احترام الجميع للغتها، ووجود هذه المؤسسة الدستورية في العديد من الكيانات السياسية لا يعتبر بدعة أو ترفا. الناس ليسوا أحرارا في تجاهل لغة البلاد.

الأمة الواعية تثمن جيدا دور الترجمة إلى لغتها وتقدر دور المترجمين في إثراء الرصيد الأدبي والعلمي الوطني وفي إقامة جسور التواصل مع الغير مهما كان حجم التكلفة.

الأمة المزهوة بنفسها لا تسمح لمسؤوليها وسياسييها ومثقفيها ومفكريها وفنانيها بمخاطبة مواطنيهم باعتماد لغة أجنبية. حتى في المحافل الدولية الرسمية منها وشبه الرسمية لا ينتظر من هؤلاء استعمال لغة غير لغتهم إلا في مقامات جد محدودة أو في غياب خدمة الترجمة (مدارس تكوين التراجمة لا توجد عبثا ولا ترصد لها ميزانيات معتبرة فقط من باب تبييض الأموال!!!!).

الأمة الأبية لا تهيئ الظروف لأي كان من الأهالي أو الأجانب للدوس على لغتها واحتقارها في عقر دارها.

الأمة السوية لا تدرسك بلغة وتوظفك بلغة أخرى. من المفروض أن تكون لغة الدراسة هي نفسها لغة العمل.

الأمة المتطلعة إلى الحفاظ على هويتها لا تبصق على لغتها مهما تعقد نحوها واستعصى نطقها وتشابك معجمها والتوت تراكيبها وتفردت أبجديتها.

الأمة النبيهة لا تجعل من لغتها لغة ثانوية أو احتياطية على مواقعها الإلكترونية الرسمية ومنشوراتها ومطبوعاتها الإدارية.

الأمة الراشدة لا تربط تألقها وعزتها وسؤددها بالانغماس الكلي في لغة أو لغات الغير.

الأمة الساعية إلى الانفتاح على العالم لا تجد مانعا في فتح باب تعلم اللغات الأجنبية أمام أبنائها حتى لا تتهم بالانعزال وحتى تتاح لها فرصة خدمة مشاريعها التنموية المتنوعة بفعالية أكبر وخاصة عندما تكون سائرة في طريق النمو وفي حاجة إلى امتلاك التكنولوجيا الحديثة… لكنها لا تكف أبدا عن تذكير ناشئتها بأن الغاية هي الاستئناس بهذه اللغات فقط وبأن اللغة الوطنية تظل هي قطب الرحى.

الأمة التي تهمها استدامة إشعاعها الحضاري تتفنن في ابتكار التظاهرات الثقافية احتفالا بلغتها.

الأمة الموحدة المحصنة هي التي تجعل لغتها سيدة على أرضها وليس لها أي استعداد لمناقشة مشروعية هذه السيادة.

الأمة الراغبة في تكريس مناعة أبنائها الهوياتية لا تعمل على تحقيق أمنها الاقتصادي والغذائي والعسكري فقط بل تسعى أيضا إلى تحقيق أمنها اللغوي لما ينطوي عليه ذلك من فوائد جمة على أكثر من صعيد.

الأمة الراغبة في ترك بصمات على هذه البسيطة تعلم جيدا أن البنيان الطيني أو الإسمنتي قد يصبح موضوع هدم وقد ينهار من تلقاء ذاته في أي وقت لكن اللغة والتراث المدون بها يعيشان مدة أطول.

الأمة المحترمة لخصوصياتها الثقافية والمدركة لأهمية الهوية في هندسة المنظومة التعليمية لا توفر لأبنائها حرية الاختيار بين التعلم باللغة الوطنية والتعلم بلغة أجنبية وبين بكالوريا وطنية وبكالوريا أجنبية.

الأمة المتصالحة مع تاريخها لا تسمح بتلويث لغتها فوق درجة معينة ولا تشجع أفرادها على الخلط بين لغتين أو أكثر أو على الانتقال بشكل عشوائي من لغة إلى أخرى.

الأمة الفخورة بمقوماتها الحضارية الموروثة لا يهمها إن كانت باقي الأمم تحب لغتها وتقبل على تعلمها أم لا.

الأمة المقتنعة بأن سيادة اللغة من سيادة الوطن لا تعتبر مسألة اللغة مسألة ثانوية ومن “الطبيعي” بالتالي أن تأتي في أسفل قائمة الاهتمامات.

الأمة المتفانية في البناء اللامادي ـ الذي لا يقل أهمية عن البناء المادي ـ ما عليها إلا أن تنظر إلى ما تفعله الأمم الأخرى بلغاتها فتحذو حذوها على سبيل التقليد الإيجابي مع عدم التردد في طلب النهل من تجربتها وخبرتها إذا دعت الضرورة إلى ذلك.

الأمة التي تريد الخير لنفسها ولباقي الأمم التي تتقاسم معها نفس اللغة لا يتردد خبراؤها اللغويون في إقامة تعاون حقيقي ومثمر مع نظرائهم المنتمين إلى هذه الأمم، وذلك من أجل تبادل الخبرات وتنسيق الجهود حتى يكون الاجتهاد موحدا وخاصة على مستوى التوليد اللغوي وتوحيد المصطلحات المستجدة.

الأمة التي تحسب لها الأمم الأخرى ألف حساب تعلم علم اليقين بأن درجة الاهتمام بلغتها من محددات مستوى هيبتها وسمعتها.

الأمة الغيورة على أصالتها لا تبقى مكتوفة الأيدي وهي ترى لغتها في مهب الريح بحضور محتشم وغير إلزامي.

الأمة الناضجة ليست في حاجة إلى تفريخ جمعيات للدفاع عن لغتها الرسمية ما دامت هذه المهمة تندرج تلقائيا ضمن صلاحيات كل المؤسسات الدستورية بدون استثناء.

الأمة المنخرطة فعليا في تكريس التنوع الثقافي العالمي مطالبة فقط بالاشتغال على حصتها من هذا التنوع.

الأمة التي تلح على إيلاء لغتها الوطنية ما تستحقه من عناية لا تكتفي بالتنصيص على رسميتها بل وتعمل أيضا على صياغة قانون تنظيمي يحكم استخدامها بأقصى ما يمكن من الدقة وقابل للتفعيل.

الأمة اليقظة تبذل الغالي والنفيس لتظل لغتها معززة مكرمة حد التقديس.

الأمة المتناغمة مع ذاتها والوفية لمبادئ دستورها لا تناقض على أرضها بين ما ينص عليه دستورها في باب اللغة الرسمية وما ينطق به واقعها… ولا يتوقف اجتهادها اللغوي عند وضع حروف لغتها على لوحات ترقيم سياراتها وعلى شواهد قبور موتاها.

أخبار ذات صلة

0 تعليق