
كشفت الأديبة الواعدة كوثر القرشي في كتابها الموسوم ب “الديسيليكسيا … عبور الجسر “، عن حكاية أسرار تحديها لإعاقة النطق، فالأمر يتعلق إذًا بسيرة ذاتية تحمل دلالات وعبرا تجسد فاعلية التحدي لدى متعلمة في حداثة سنها، مما يجعل النتيجة تكون إيجابية.
تحكي كوثر قصتها الواقعية في هذا المتن السردي انطلاقا من ضغط التزاماتها بواجبات الدراسة التي اتسمت بصراع مستديم مع بعض أقرانها في المرحلة الابتدائية، فقد كانوا يسخرون منها وهي تجتهد بالكاد لتجاوز هذه المحنة (الديسيليكسيا)، وعملت ليل نهار كي تطرد شبح إعاقتها الذي ظل ملتصقا بها، وخلق لديها كابوسا حالكا في مرحلة مبكرة من تعليمها الأولي مع ذاتها وأسرتها خلال فترة زمنية معينة. بيد أن الطموح الكبير الذي تمتلكه الطفلة كوثر القرشي جعلها في منأى عن كل ما يكبح جماحها لمواصلة حياتها الدراسية، ضدا على كل أشكال التمييز بين الأقران وتعرضها للتنمر.
وفي الآن نفسه اعترفت الكاتبة الواعدة أن أسّ نجاحها يعود إلى اعترافها بمن قدموا لها يد العون، خاصة بعض المدرسين الذين يتقنون صنعتهم بالتضحية معها وفق بيداغوجية هادفة تنمي حس النجاح والتفوق لذوي الاحتياجات من التلاميذ المتمدرسين، وقد عبرت المبدعة الواعدة عن هذا الصنيع الإنساني بشكل صريح في بداية سردها القصصي … “كنت محظوظة جدا بأنني التقيت أستاذا أعتبره إنسانا مبدعا، تمكن من تغيير مسار حياتي، لا أعرف إن كان ما زال يتذكرني أم لا، لكنني أريد أن يعرف أنه ساعدني كثيرا في التغلب على تلك الحواجز والصعوبات التي كنت أعيشها طيلة طفولتي” ص16.
من خلال هذا السرد القصصي الطموح طوت التلميذة كوثر مرحلة من حياتها التي كانت مليئة بشتى العقبات، وتصدت لها بعزيمة ثابتة وطموح جريء، لأن الإنسان في هذه الحياة يصنع لنفسه ما يريد، والعراقيل التي تعترضه هي المحفز الحقيقي قصد تحقيق النجاح.
ويتمظهر في ثنايا هذا المؤلف القصصي كذلك أن هذه الأديبة الواعدة تجاوزت إشكالية أزمة عسر القراءة، ونجاحها في نطق الحروف بطلاقة، حينما انتقلت إلى سلك التعليم الثانوي الإعدادي بمستوى الثالثة بفضل جهود جملة من المتعاونين في مقدمتهم الوالدين والأطباء وأقرانها من التلاميذ والتلميذات، وكان للفن المسرحي المدرسي أهمية بالغة في اكتسابها الثقة في الذات والطلاقة في التعبير. نجح المسرح في مساعدتي على التعبير عن مشاعري، ودفعني إلى أخذ الكلمة أمام الجمهور ومواجهة هذا الواقع الذي أعيشه، وباختصار، لقد مكنني المسرح من أقبض مسيري بيدي وأن أكون شجاعة بعدما قضيت ست سنوات من الممارسة المسرحية… ص15.
فالكاتبة في هذا المؤلف تراهن على تبليغ رسالة تربوية، مفادها أن الاجتهاد والإصرار هو السبيل الأمثل لتحدي الصعاب القرائية، ومواجهة كل أشكال الاحتقار والتنمر الذي يسود بعض الأوساط التربوية. لذلك، فإن كوثر القرشي في سيرتها السردية تبرز لنا أن أساس النجاح يعود إلى تحدي الصعاب، لأن السر يكمن في مواجهة التحديات مهما تعددت أشكالها بعزيمة وإصرار متواصلين.
هامش:
كوثر القرشي، “الديسيليكسيا … جسر العبور”، دار الفاصلة للنشر، الطبعة الأولى، طنجة 2023.
النشرة الإخبارية
اشترك الآن في النشرة البريدية لجريدة هسبريس، لتصلك آخر الأخبار يوميا
اشترك
يرجى التحقق من البريد الإلكتروني
لإتمام عملية الاشتراك .. اتبع الخطوات المذكورة في البريد الإلكتروني لتأكيد الاشتراك.
لا يمكن إضافة هذا البريد الإلكتروني إلى هذه القائمة. الرجاء إدخال عنوان بريد إلكتروني مختلف.
0 تعليق