ورقة ضغط في وجه أمريكا.. كيف تستغل الصين هيمنتها على المعادن النادرة وتربح الحرب التجارية؟

الجريدة العقارية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
وكالات

بعد أن توصلت الولايات المتحدة والصين إلى اتفاق في جنيف لخفض الرسوم الجمركية من مستوياتها المرتفعة للغاية، تصاعدت التوترات مجدداً بشأن الوصول إلى أشباه الموصلات والمعادن الأرضية النادرة، ويبدو أن بكين باتت تملك الأفضلية بشكل متزايد.

وجه الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الجمعة الماضية اتهاماً إلى الصين بانتهاك الاتفاق المبرم الشهر الماضي، وسعى إلى إجراء اتصال مع نظيره الصيني شي جين بينغ لتسوية الخلافات.

المعادن الحيوية

يبدو أن النقطة الأساسية محل الخلاف تتمحور حول المعادن الحيوية، إذ اشتكى مسؤولون أمريكيون من أن بكين لم تُسرع وتيرة تصدير المواد اللازمة للإلكترونيات المتقدمة. كانت إدارة ترمب قد ربطت قرار خفض الرسوم الجمركية بموافقة الصين على رفع القيود المفروضة على بعض المعادن الأرضية النادرة.

قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، في بيان: "تتحرك الإدارة الأمريكية بشكل حثيث لإعادة سلاسل الإمداد الحيوية إلى داخل البلاد، بما يشمل إنتاج المغناطيس". الإدارة الأمريكية تتابع عن كثب مدى التزام الصين باتفاق التجارة المُبرم في جنيف، وسيتحدث الرئيس ترمب مباشرة مع الرئيس شي قريباً".

في الوقت الذي تُبقي فيه الصين على قيودها المفروضة على المعادن الحيوية التي تُعد أساسية لأمن الولايات المتحدة القومي، تعمل واشنطن على تصعيد القيود التكنولوجية. منعت واشنطن خلال الأسابيع الأخيرة، شحن قطع غيار مهمة لمحركات الطائرات النفاثة إلى الصين، وقلصت وصول بكين إلى برمجيات تصميم الرقائق الإلكترونية، كما فرضت قيوداً جديدة على رقائق شركة "هواوي تكنولوجيز".

أثار ذلك غضب ثاني أكبر اقتصاد في العالم. إذ تعهد مسؤولون صينيون أمس بالرد، واتهموا الولايات المتحدة بتقويض تفاهمات اتفاق جنيف، ما قلل من فرص إجراء اتصال بين الزعيمين.

معركة الهيمنة في التكنولوجيا

لسنوات، كان يُعتقد أن واشنطن تملك اليد العليا في معركة الهيمنة التكنولوجية بفضل سيطرتها على سلاسل إمداد أشباه الموصلات. لكن شي أظهر استعداده للمواجهة من خلال تشديد الرقابة على المعادن الحيوية، في محاولة لدفع الولايات المتحدة إلى تخفيف قيودها.

رغم أن إدارة ترمب لم تُبد مؤشرات على التراجع في ما يخص القيود المفروضة على الرقائق، فقد اكتشفت أن استبدال الصين كمورد للمعادن الأرضية النادرة قد يستغرق سنوات ويتسبب بأضرار لقطاعات صناعية رئيسية. تنتج الصين ما يقرب من 70% من المعادن الحيوية في العالم، وهي ضرورية لتصنيع مقاتلات جوية وقضبان تحكم المفاعلات النووية وغيرها من التقنيات الحيوية.

قال كوري كومبس، المدير المساعد في شركة "تريفيوم تشاينا" (Trivium China) المتخصصة في سلاسل الإمداد، إن واشنطن ما زالت تبعد نحو عقد من الزمن عن تأمين هذه المعادن بشكل مستقل عن بكين، مشيراً إلى أن الشركات الصينية طورت بدائل فعالة لمعظم الرقائق الأمريكية. وأضاف: "النفوذ الصيني في هذه المرحلة أكثر ثباتاً من كثير من أوراق الضغط الأمريكية"، وتابع: "لست متأكداً أن هذا سينتهي لصالح أمريكا".

من الممكن أن يشكل هذا الخلاف تهديداً للهدنة التجارية الهشة بين واشنطن وبكين. فبحسب الاتفاق، يمكن أن تعود الرسوم الجمركية إلى ما يزيد على 100% بعد فترة تفاوضية مدتها 90 يوماً. يملك ترمب دافعاً لتجنب ذلك، لا سيما بعد انكماش الاقتصاد الأمريكي في بداية العام الجاري، وحالة الذعر التي أصابت الأسواق بفعل الرسوم المرتفعة.

حرب سلاسل الإمداد

بموجب الاتفاق الذي تم التوصل إليه في سويسرا، وعدت الصين بإزالة أو تعليق التدابير المضادة غير الجمركية المتخذة ضد واشنطن بعد أن أعلن ترمب فرض رسوم عقابية في إبريل الماضي. لكن الحكومة الصينية لم توضح طبيعة تلك التدابير بالتفصيل.

يتعين على مصدّري المعادن الأرضية النادرة في الصين التقدم بطلبات للحصول على تصاريح من وزارة التجارة، وهي عملية تتسم بالغموض ويصعب التحقق منها، ما يتيح للمسؤولين تشغيلها أو تعطيلها دون رؤية واضحة من العالم الخارجي.

تسببت الإجراءات الورقية المصاحبة في حدوث تأخيرات، والتي بدأت الآن فقط بالانفراج. قال مايكل هارت، رئيس غرفة التجارة الأمريكية في الصين: "بدأنا نرى بعض الموافقات تصدر، وإن كانت أبطأ بكثير مما يرغب به القطاع". وأضاف أن "بعض هذا التأخير مرتبط بمحاولات الصين تطبيق نظامها الجديد".

بالنسبة لبعض الشركات الأمريكية، فإن تدفق المعادن لا يسير بالسرعة المطلوبة. فقد اضطرت شركة "فورد موتور" إلى إغلاق مصنع مؤقتاً في مدينة شيكاغو الشهر الماضي بسبب نقص مكونات تعتمد على المعادن الأرضية النادرة. قال كومبس، الذي حضر مؤخراً مؤتمراً أمريكياً في مجال الطيران الدفاعي، إن هذه المعادن كانت من أبرز المواضيع المطروحة. وأضاف أن المشاركين في المؤتمر تعاملوا مع التهديد "بجدية بالغة".

ضوابط التصدير

تُظهر هذه المخاوف لماذا أصبحت ضوابط التصدير إحدى الركائز الأساسية في "حرب سلاسل الإمداد" التي تخوضها الصين إذ يمكنها أن تلحق ضرراً كبيراً بالصناعات الأمريكية، بينما تتفادى إحداث أذى يُذكر للاقتصاد الصيني. أما الرسوم الجمركية، بالمقارنة، فقد تكلف المصنعين والمستهلكين الصينيين على حد سواء.

ويُضاف إلى رصيد شي من النفوذ أن تأثير القيود الصينية على المعادن الأرضية النادرة لا يقتصر على المستوردين الأمريكيين.

حذرت شركة "باجاج أوتو" (Bajaj Auto)، أكبر مصنع للدراجات الكهربائية في الهند، الأسبوع الماضي من أن إنتاج المركبات في البلاد سيتعرض للضرر بدءاً من يوليو المقبل في حال لم تُستأنف الشحنات الصينية. قال المدير التنفيذي للشركة راكيش شارما: "الإمدادات والمخزونات تنفد وبينما نحن نتحدث الآن".

أضاف شارما أن أكثر من 30 طلباً تم تقديمها لشحن المعادن إلى شركات هندية، دون أن تتم الموافقة على أي منها حتى الآن. أفاد مسؤول من دولة آسيوية كبرى أخرى – طلب عدم الكشف عن اسمه – أن شركات من بلاده لم تبدأ بالحصول على تصاريح إلا الأسبوع الماضي.

يُبرز ضغط الصين على جميع الدول خطراً إضافياً يواجهه ترمب إذ تعتمد قطاعات استراتيجية أمريكية مثل البطاريات وأشباه الموصلات على كوريا الجنوبية واليابان في توفير المكونات. وإذا قررت بكين قطع إمدادات المعادن الأرضية النادرة عن حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية، فقد تتعرض الشركات الأمريكية لأضرار أشد.

صرح ريوسي أكازاوا، كبير مفاوضي التجارة في اليابان، بعد انتهاء جولة جديدة من المحادثات مع نظرائه الأمريكيين الجمعة الماضية، قائلاً إن "المعادن الأرضية النادرة بلا شك تُعد موضوعاً بالغ الأهمية للأمن الاقتصادي".

ساحة المعركة التالية

تم تسليط الضوء على المعادن الحيوية كساحة المواجهة التالية في العلاقات الأمريكية الصينية خلال ذروة الحرب التجارية الأولى لترمب، عندما زار شي أحد أكبر منتجي المغناطيس الدائم في بلاده – وهي زيارة اعتُبرت على نطاق واسع بمثابة تهديد ضمني.

في يوليو 2023، مضت بكين قدماً بفرض قيود على تصدير الجاليوم والجرمانيوم -وهما من المعادن المستخدمة في صناعة أشباه الموصلات- وذلك بعد أن سعت الولايات المتحدة إلى الحد من وصول الصين إلى رقائق الذكاء الاصطناعي.

مع إدراك حجم التهديد، تعهدت وزارة الدفاع الأمريكية بإنشاء سلسلة توريد متكاملة للمعادن الأرضية النادرة لتلبية جميع احتياجات الدفاع الوطني بحلول 2027.

لكن الوزارة تواجه تحديات عديدة، تشمل غياب الاحتياطات الطبيعية ذات الجدوى التجارية، ونقص المهندسين المتخصصين في عمليات الاستخلاص، وقلة عدد الشركات القادرة على المنافسة في قطاع يعمل بهوامش ربح ضئيلة للغاية.

ووفقاً لما قالته ليزا توبين، المديرة التنفيذية لشركة "غارنوت غلوبال" (Garnaut Global) للاستشارات في مجال المخاطر، فإن المؤسسة الأمنية الأمريكية تدرك منذ سنوات مدى اعتمادها على الصين، لكنها لم تتمكن حتى الآن من التوصل إلى حل واسع النطاق. رغم ذلك، أكدت أن إدارة ترمب لا تُبدي بوادر تراجع.

صرح توبين خلال مقابلة مع تلفزيون بلومبرغ: "خلال الأسابيع القليلة الماضية، رأينا الإدارة تضاعف جهودها، من خلال تمكين وزارة التجارة وتعزيز وتوسيع نطاق ضوابط التصدير".

الاستعانة برؤوس أموال أجنبية

ينتظر أن يكون اللحاق بالركب الأمريكي مرهوناً بمدى استعداد واشنطن لإنفاق الموارد اللازمة. بدأ ترمب بالفعل في الاستعانة برؤوس أموال أجنبية. خلال زيارته الشهر الماضي إلى الشرق الأوسط، وقعت شركة "إم بي ماتيريالز" (MP Materials) – المنتج الوحيد للمعادن الأرضية النادرة في الولايات المتحدة – اتفاقية مع شركة التعدين السعودية الكبرى لتطوير سلسلة توريد مشتركة.

كما يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تكثف تعاونها مع شركة "ليناس رير إرثس" (Lynas Rare Earths) الأسترالية -تُعد أكبر منتج للمعادن الأرضية النادرة المُفصولة خارج الصين- رغم أن جزءاً من أكاسيدها ما زال يُرسل إلى الصين للتكرير. تعمل دول مثل البرازيل وجنوب إفريقيا واليابان وفيتنام على بناء سعتها الإنتاج، لكنها لا تملك حلاً فورياً يلبي احتياجات الشركات الأمريكية.

ما زال في جعبة بكين المزيد من أوراق الضغط. اقتصرت القيود حتى الآن على المعادن الأرضية النادرة المتوسطة والثقيلة، التي تتركز استخداماتها في المجال الدفاعي. أما استخدام المعادن الخفيفة كسلاح -مثل النيوديميوم والبراسيوديميوم- فقد يُوجه ضربة أكبر إلى الاقتصاد الأمريكي، نظراً لانتشار استخدامها في السلع الاستهلاكية.

خيارات الصين المتطرفة

لكن، في الوقت الراهن، يُرجح ألا يلجأ شي إلى الخيارات المتطرفة، خشية التسبب بردود فعل عكسية من صناعات حساسة، وفق نيل توماس، الباحث في مركز تحليل السياسات الصينية التابع لمعهد "آسيا سوسايتي".

اختتم: "تُعد ضوابط بكين على المعادن النادرة تحذيراً ضد المزيد من التصعيد. لكن إذا تفاقمت التوترات بين أمريكا والصين مرة أخرى، فقد تبدأ بكين في إلحاق ضرر حقيقي بسلاسل إمداد الدفاع الأمريكية".

إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل نيوز يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.

أخبار ذات صلة

0 تعليق