بين طهران وتل أبيب.. سماء لا تُغلق وأرض لا تنام

البوابة نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

ما يحدث  بين طهران وتل أبيب ليس مجرد حدث عسكري متوتر، بل هو تظهيرٌ حادّ لصراع طويل كان يختبئ دومًا خلف ضباب التصريحات، ولعبة التحالفات، وصمت الخرائط.

إننا لا نعيش اشتباكًا بالمعنى التكتيكي، بل نواجه لحظة كاشفة تتجاوز الصواريخ والطائرات، لتصل إلى لبّ الفكرة: من يرسم مستقبل هذا الإقليم؟ ومن يملك شرعية الخوف؟ ومن يُمنح حقّ الضرب دون أن يُدان، وحق الرد دون أن يُعزل؟.

تل أبيب التي اعتادت أن تضرب ثم تنفي، أن تُرسل رسائل النار وتكتفي بحصانة الحلفاء، فوجئت بأن ميزان الأرض قد تغيّر. فطهران، التي لطالما رُسمت بوصفها "الخطر الصامت"، لم تعد تصمت، بل بدأت تردّ، ولو بلغة موزونة، لكنها واضحة النبرة: لا أحد يملك تفويضًا دائمًا للهيمنة، ولا أحد فوق الحساب.

لكن لا الحرب حرب، ولا السلام سلام. ما بين الطلعة الجوية والغارة الصاروخية، ثمّة حسابات أكبر من ساحة المعركة. فكلّ خطوة باتت تُقاس بعيون واشنطن، وبرودة موسكو، وانشغال بكين، وترقب العواصم العربية التي تحاول أن تجد مخرجًا للمنطقة من حمامات الدم والنار.

إسرائيل تقاتل من موقع الدفاع المستميت عن التفوّق، بعدما تلقّت ضربات نفسية قبل أن تكون عسكرية: من عملية السابع من أكتوبر، إلى تصدّع ثقة الداخل، إلى اتساع العزلة الدولية. وإيران، ورغم الرد، لا تقاتل من فائض قوة، بل من إدراك بأن إظهار العجز يعني بداية الانحسار، ليس فقط في الإقليم، بل في الوجدان.

ومع هذا كلّه، يبدو أن لا أحد يريد الحرب فعلًا. الجميع يعرف أن الحريق هذه المرة لن يبقى محصورًا.

غزة وحدها حرّكت الأرض من تحت البحر المتوسط، فكيف سيكون المشهد إذا انفجر خطّ اللهب من نطنز إلى تل أبيب، مرورًا ببيروت ودمشق وبغداد؟.

القلق هنا ليس من القصف، بل من ما وراء القصف. من انكشاف معادلات الردع، من سقوط التفاهمات غير المعلنة، من تحوّل الضربات إلى حوارٍ دموي لا يخضع لأي وساطة، ولا يعترف بأي هدنة.

وفي قلب المشهد، شعوب مرهقة، تعيش منذ عقود في ظلال الحروب، ولم تعرف يومًا طعم العدل، ولا الأمن.

شعوب تسير في شوارع ملغومة بالماضي، وتنام تحت سقوف من الخوف، وتستفيق كل يوم على خبر قصف جديد، دون أن تعرف من بدأ، أو متى ينتهي.

لا أحد يربح في هذه الحرب. إسرائيل تخسر قدرتها على أن تكون "الطرف المسيطر"، وإيران تستهلك قواها في صراعات استنزافية تُراكم الأعداء وتؤجل الحلول. أما العالم، فيكتفي بتدوير الزوايا، وتوزيع البيانات، دون أن يُوقف رصاصة واحدة.

هكذا يبدو المشهد: صراع طويل، لكنه بلا أفق. نار مستعرة، لكنها مضبوطة. ورعب متبادل، لكنه لا يمنع أحدًا من الضغط على الزناد.

إنها حرب لا تُشعل المنطقة فحسب، بل تُطفئ آخر ما تبقى فيها من رجاء. والأخطر من الحرب، أن نعتادها، والأقسى من النار، أن تصبح لغتنا الوحيدة.

فمتى يعود الشرق إلى اسمه؟ ومتى تتوقف المدن عن دفع ثمن الخرائط التي تتوقف عن الاشتعال؟.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق