منتدى التعاون بين الصين وإفريقيا يغوص بالبوليساريو في العزلة الدولية

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في خطوة اعتبرت مؤشرا جديدا على تراجع حضورها في الفضاءات الدبلوماسية الدولية غابت جبهة البوليساريو الانفصالية عن أشغال الاجتماع الوزاري لمنسقي متابعة أعمال منتدى التعاون الصيني الإفريقي، الذي انعقد هذا الأسبوع في مدينة تشانغشا بمقاطعة هونان الصينية، وأعقبه افتتاح أعمال الدورة الرابعة من المعرض الاقتصادي والتجاري الصيني الإفريقي، بمشاركة أزيد من 30 ألف مشارك من 53 دولة إفريقية دون “دويلة تندوف الوهمية”.

وأكد مهتمون بقضية الصحراء المغربية، في تصريحات لهسبريس، أن غياب الكيان الانفصالي عن مناسبة بهذا الحجم ليس مجرد تفصيل بروتوكولي، بل هو موقف يعكس تحوّلًا متناميًا في مواقف القوى الدولية، وعلى رأسها الصين، من قضية النزاع الإقليمي حول الصحراء، معتبرين أن تغييب الجبهة عن هذا الحدث، الذي شاركت فيه جميع الدول الإفريقية، يؤشر على إدراك متزايد لحساسية ملف هذا النزاع بالنسبة للمغرب، ويعزز موقعه كشريك إستراتيجي موثوق في إفريقيا بالنسبة لبكين، في وقت تتآكل شرعية الجبهة الانفصالية التي باتت تشكل حرجا دبلوماسيا على الاتحاد الإفريقي.

في هذا الصدد قال هشام معتضد، باحث في الشؤون الإستراتيجية، إن “غياب جبهة البوليساريو عن منتدى التعاون الصيني-الإفريقي هذه السنة ليس صدفة بروتوكولية، بل قرار مدروس يحمل رسائل متعددة الأبعاد”، مضيفًا أن “هذا الغياب في حدث دبلوماسي من هذا الحجم، حضرته جميع الدول الإفريقية، يعكس موقع الجبهة المتراجع في المشهد الإفريقي الرسمي، ويؤشر على إدراك بكين حساسية المسألة بالنسبة للمغرب، الذي بات شريكًا إستراتيجيًا اقتصاديًا واستثماريًا لا يمكن تجاهله”.

وتابع معتضد، في تصريح لهسبريس، بأن “هذه الخطوة تعكس وعيًا صينيًا متزايدًا بعدم الانخراط في ملفات ذات طابع انفصالي أو رمادي، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بقضايا سيادية لدول تربطها ببيكين مصالح اقتصادية متنامية؛ فالصين، بخلاف القوى الغربية، تعتمد على مقاربة براغماتية تُفضّل الاستقرار والوضوح الجيوسياسي في شراكاتها، ولاسيما مع دول تلعب أدوارًا محورية في مناطق نفوذها الإستراتيجي”.

وأبرز الباحث ذاته أن “هذا التطور يتقاطع مع التحول الذي بدأ يترسخ في الموقف الإفريقي الرسمي إزاء النزاع حول الصحراء، إذ لم تعد الكثير من العواصم الإفريقية ترى في البوليساريو كيانًا ذا شرعية سياسية أو وزن دبلوماسي؛ فالدعم المتناقص للجبهة، والانخراط المتزايد في دعم مبادرة الحكم الذاتي، جعلا من حضورها في المحافل الدولية أشبه بعبء دبلوماسي غير مُجدٍ”.

وسجّل المتحدث ذاته أن “هذا الغياب يُفهم أيضًا ضمن حسابات الصين الكبرى في القارة، إذ تسعى بكين إلى تقوية شراكاتها مع الأنظمة القائمة التي تمتلك شرعيات دولية معترفًا بها، وتُشرف على مساحات جغرافية مستقرة وآمنة”، وزاد: “بالنظر إلى موقع المغرب كبوابة إلى إفريقيا الغربية ومركز استثماري نشط فإن توتير العلاقات معه من خلال استضافة كيان غير معترف به دوليًا سيكون خيارًا غير ذكي من الناحية الإستراتيجية”.

وشدّد معتضد على أن “هذا الغياب ليس مجرد مجاملة دبلوماسية للمغرب، بل هو مؤشّر على توجّه صيني نحو سياسة ‘عدم التصعيد الرمزي’ في القضايا السيادية الكبرى؛ فالسياسة الخارجية الصينية تنبني على تجنّب إثارة النزاعات التي قد تُعرقل مشاريعها الكبرى، كـ’الحزام والطريق’، وهو ما يتطلب تحييد العوامل التي قد تضعها في موقع تصادمي مع دول محورية كالمغرب”.

وخلُص الباحث إلى أن “هذا القرار الصيني يبعث برسالة غير مباشرة للجزائر أيضًا، بأن تحشيد الكيانات الانفصالية على الساحة الإفريقية لم يعد خيارًا مُربحًا، ولاسيما في ظل تبدّل أولويات الشركاء الدوليين، الذين باتوا يفضّلون الفاعلين المستقرين والمؤثرين في محيطهم”، خاتما: “مادام المغرب يمثّل نموذجًا للاستقرار الاقتصادي والسياسي فإن كفته سترجح في مثل هذه الحسابات البراغماتية”.

من جهته اعتبر مصطفى سلمى ولد سيدي مولود، قيادي سابق في جبهة البوليساريو، أن “الصين تنتهج سياسة اقتصادية متوازنة في المنطقة، وهي المستثمر الأول في إفريقيا، بينما لا مصلحة للأفارقة في إفشال قمة الصين-إفريقيا”، مردفا: “أعتقد أن الجزائر التي تسعى إلى جذب مزيد من الاستثمارات الصينية هي من أوعزت للبوليساريو بعدم الحضور، لبيع موقفها للصين، على اعتبار أن المغرب وحلفاءه بالتأكيد لا يرغبون في حضورها”.

وتابع ولد سيدي مولود بأن “قرار عدم مشاركة الجبهة في القمم والتجمعات الثنائية مع شركاء القارة سبق أن رفعه وزراء الخارجية نحو قمة الرؤساء، لكن القمة الماضية لم تضعه على جدول أعمالها”، مبرزًا أن “مقعد البوليساريو في الاتحاد الإفريقي، وهو آخر المكاسب وأكبرها بالنسبة للجبهة، مسألة وقت فقط، على اعتبار أن دعم الدول الإفريقية يتزايد يومًا بعد يوم لوجهة النظر المغربية، مقابل تجميد الاعترافات بجمهورية الجبهة”.

وسجّل المتحدث لهسبريس أن “العامل الحاسم في هذا الموضوع هو التنافس الاقتصادي بين المغرب والجزائر في القارة، وليس السرديات السياسية التي لم تعد عاملًا مؤثرًا في علاقات الدول في زمن القطب الواحد”، مضيفًا: “التنافس أصبح على أشدّه بين البلدين لتحقيق أهدافهما، فالجزائر أكثر موارد، لكن اقتصادها هش لأنه يعتمد كليًا على المحروقات، والمغرب موارده أقل، لكن اقتصاده مؤسس على قاعدة جيدة”.

وخلُص ولد سيدي مولود إلى أنه “من الصعب الجزم حاليًا بنتيجة هذا التنافس، إلا أن المؤكد أن المغرب أمامه محطة ضاغطة (المونديال) تجبره على تحقيق الكثير، وهذا الضغط قد يساعده، مع خبرته الطويلة في الاعتماد على الإنتاج بحكم قلة الموارد الطبيعية”، مبرزًا أن “الجزائر لديها نقص كبير في الخبرة الإنتاجية، وحكمها العسكري يضعف ثقة الاستثمار فيها، رغم الخطابات الرنانة التي نسمعها من الرئيس تبون، وبالمحصلة فالبلدان كما يبدو اختارا المنافسة الاقتصادية بدل المواجهة المسلحة، وهذه نقطة إيجابية”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق