تساءل كثيرون عن الزيارة الأخيرة لصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، حفظه الله، إلى المملكة المتحدة، والتي اعتبرها هؤلاء مفاجئة، خاصة في هذا التوقيت الحرج الذي تعيشه منطقتنا والشرق الأوسط بأكمله، لكن الإجابات عادة تكمن فيما بين السطور والحواشي وقراءة التحركات الاستباقية وتحليل بعض النتائج والثمار التي حققتها البحرين قبل تلك الزيارة بأيام قليلة.
في البداية يجب أن ننظر للزيارة من منظور استراتيجي وفق العلاقة التاريخية بين البحرين والمملكة المتحدة، والتي لا أريد التطرق في تفاصيلها؛ لأن الجميع يعلمها.
ولنتطرق أولاً إلى اتفاقية التعاون الدفاعي بين البلدين، فعلى الرغم من استضافة البحرين لأكبر قاعدة بحرية خارج أراضي بريطانيا، إلا أن تلك القاعدة توفر في المقابل تدريباً نوعياً لمنتسبي قوة دفاع البحرين في شتى الجوانب العسكرية، كما أنها تظهر بجلاء رؤية سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء للمستقبل الأمني في المنطقة، وتؤسس لوضع دفاعي أكثر تكاملاً ومرونة وهو أمر حيوي في السيناريوهات الأمنية الإقليمية المعقدة وسريعة التطور التي نشهدها اليوم، والتي تتطلب استجابات منسقة وفعالة.
والمتابع لاتفاقية «C-SIPA» الأولى يعلم أنها جاءت في صيغة شراكة بين البحرين وأمريكا، ولدى دخول بريطانيا فيها - أثناء الزيارة - فهي بذلك تحقق تعاوناً ثلاثياً بين البحرين والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، يعزز الأمن الإقليمي ويعيد حسابات التوازن الاستراتيجي في المنطقة، ويؤشر إلى تحول جديد نحو بنية أمنية متعددة الأطراف تتميز بالتكامل والشمولية بين ثلاثة أطراف فاعلة رئيسية تستطيع معالجة التحديات الأمنية المعقدة والمترابطة في الشرق الأوسط.
ولأن الأمن ليس هدفًا معزولًا عن النمو الاقتصادي فنستطيع قراءة ذلك من اسم الاتفاقية «اتفاقية التكامل الأمني والازدهار الشامل»، وهذا الازدهار الشامل يؤكد على الفوائد المتوقعة متعددة الأوجه، والتي ستشمل تسريع التنويع الاقتصادي.
ولهذا وصف الإنجليز استثمار البحرين 2 مليار جنيه إسترليني بأنه شكل متطور من «الدبلوماسية الاقتصادية»، والذي يظهر في بند التبادل بين الشركات البحرينية والبريطانية، حيث يشجع الأخيرة على جلب خبراتها وتقنياتها ونماذج أعمالها إلى البحرين، كما أنهم اعتبروه «تصويتاً كبيراً بالثقة» في استقرار المملكة المتحدة الاقتصادي وإمكانات نموها، بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، وهنا يمكن أن ندرك حجم ثقل زيارة سمو ولي العهد رئيس الوزراء بالنسبة لبريطانيا العظمى.
أمر آخر قد لا يعلمه كثيرون، وهو دعم بريطانيا لترشح مملكة البحرين لعضوية مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة كعضو غير دائم، والذي ربما يكون أحد أسباب هذه الزيارة للتأكيد على أن البحرين شريك استراتيجي حيوي ومحوري في المنطقة بالنسبة للمملكة المتحدة.
كما لم يترك سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء المناسبة دون التأكيد مع نظيره البريطاني على الحاجة الملحة لخفض التصعيد بين إيران وإسرائيل والعودة إلى الحوار مع الولايات المتحدة، وكذلك تجديد الدعوة لوقف فوري لإطلاق النار في غزة، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، وهي فرصة لإيصال موقف البحرين؛ مما يحدث بوضوح تام.
على الرغم من كون الزيارة قصيرة، إلا أنها جاءت بكثافة عالية من النتائج المثمرة، والتي تم التخطيط لها قبل فترة ليست بالقصيرة، بين الجانبين لكي تخرج بهذا النسق المتكامل، ولتؤشر إلى أن هذه الاتفاقيات ليست مجرد تعبير عن حسن النوايا، بل هي استجابة استراتيجية لبيئة أمنية متقلبة وتحقيق للازدهار والتنمية في الوقت ذاته.
* قبطان - رئيس تحرير جريدة «ديلي تربيون» الإنجليزية
0 تعليق