رغم أن قطاع السياحة يمثل أحد أهم مصادر النقد الأجنبي لمصر، إلا أن مساهمته الفعلية في الاقتصاد لا تزال دون الإمكانات المتاحة، في مشهد يعكس بوضوح أننا نمتلك "كنزًا غير مستغل بالكامل".
ففي بلد يمتلك أكثر من ثلث آثار العالم، ويطل على بحرين، ويتوسط ثلاث قارات، من غير المنطقي أن تظل عوائد السياحة خاضعة لتقلبات موسمية وظروف طارئة، بدلًا من أن تكون مصدرًا مستدامًا للنمو وجاذبًا ثابتًا للاستثمار الأجنبي.
وفقًا لبيانات البنك المركزي المصري، بلغت إيرادات السياحة في عام 2024 نحو 15.3 مليار دولار، مقارنة بـ 13.6 مليار في 2023، ورغم هذا التحسن النسبي، فإن الرقم لا يزال أقل مما تحققه دول أخرى تقل عن مصر كثيرًا في مقومات الجذب السياحي.
تركيا، على سبيل المثال، حصدت أكثر من 61 مليار دولار من السياحة خلال نفس الفترة، بينما تجاوزت إسبانيا 125 مليار دولار، وهو ما يكشف عن فجوة حقيقية بين ما نملكه وما نحققه.
قطاع عالي العائد ومنخفض التكلفة
الاقتصاديون يدركون جيدًا أن السياحة من أكثر القطاعات قدرة على تحقيق عوائد سريعة مقارنة بحجم الاستثمار. فكل مليون دولار يُستثمر في السياحة يمكن أن يخلق ما بين 70 إلى 100 فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، ويؤدي إلى تنشيط قطاعات مرتبطة مثل النقل، والتجزئة، والصناعات الغذائية، والبناء.
لكن الواقع يشير إلى خلل في التوظيف الأمثل لهذا القطاع. فالبنية التحتية في بعض المناطق لا تزال غير مهيأة لاستيعاب النمو المطلوب، كما أن السياسات الترويجية تفتقر إلى الفاعلية، وتغيب عنها الرؤية الاقتصادية بعيدة المدى.
تسويق غير تنافسي
أحد أبرز التحديات يكمن في غياب استراتيجية تسويقية قائمة على البيانات وتحليل الأسواق.
في وقت تحوّلت فيه منصات مثل "إنستغرام" و"تيك توك" إلى محركات رئيسية في قرارات السفر، ما زالت بعض الحملات السياحية المصرية تعتمد على أساليب تقليدية لا تُحدث الأثر المطلوب.
سياحة متنوعة.. لا سياحة تقليدية فقط
ما زلنا نركز على نمط سياحي تقليدي واحد، بينما تتسع خارطة السياحة عالميًا لتشمل أنماطًا جديدة مثل السياحة البيئية، وسياحة المغامرات، والسياحة العلاجية، وسياحة المؤتمرات، وسياحة الطعام، وغيرها.
لدينا في واحاتنا وصحارينا وسواحلنا وجبالنا فرص هائلة لم تُستغل بعد، لماذا لا يكون جبل سانت كاترين مركزًا عالميًا للسياحة الروحية؟ ولماذا لا تتحول واحة سيوة إلى وجهة مفضلة لعشاق الطبيعة والهدوء حول العالم؟
فرصة ذهبية في ظل تعويم الجنيه
من منظور اقتصادي، فإن انخفاض قيمة العملة المحلية يمثل ميزة تنافسية كبيرة للسياحة، إذ يجعل مصر وجهة "أقل تكلفة" نسبيًا للسائح الأجنبي. وهذه فرصة يجب ألا تُهدَر، بل تستثمر عبر تحسين تجربة السائح بالكامل، وليس فقط تخفيض أسعاره.
وأخيرا.. السياحة ليست ترفًا اقتصاديًا، بل رافعة تنموية حقيقية قادرة على تقليص عجز الميزان التجاري، وزيادة الاحتياطي النقدي، وتحقيق التوازن في سوق العمل.
لكن ما لم نتحرك بعقلية اقتصادية واستثمارية واضحة، فسنظل نكرر عبارة "لدينا كل شيء، لكننا لا نستفيد من شيء".
0 تعليق