100 يوم من حكم ترامب.. الأوروبيون مصدومون من ازدراء الرئيس الأمريكى للقارة العجوز

البوابة نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

مع احتفال الرئيس دونالد ترامب بيومه المئة في منصبه خلال ولايته الثانية، تُلقي مجموعة من الصحفيين نظرة شاملة على الأشهر الأولى من رئاسته والتحولات الجذرية التي أحدثتها في السياسة الأمريكية. حيث تُشير أفعاله إلى سعيه لإنشاء رئاسة لا تخضع لضوابط ولا توازنات، وتعمل خارج نطاق سيطرة الكونجرس والمحاكم. ويرى هؤلاء الصحفيون أن هذا النهج الاستبدادي يُهدد بتغيير جوهري في طبيعة الحوكمة الأمريكية، وفى علاقتها بمجمل الأوضاع الداخليةإلى جانب العلاقة بدول العالم، وخاصةً دول الاتحاد الأوربى.

لا يزال الأوروبيون من جميع الأطياف يجدون صعوبة في التكيف مع الأساليب الدبلوماسية العدوانية والفوضوية التي تنتهجها الإدارة الأمريكية.. لقد ترك ذلك الأسلوب طعمًا مريرًا في أفواه الدبلوماسيين الأوروبيين. وتستعرض "لوموند" مظاهر النهج الأمريكى الجديد، فى تقرير شامل كتبه كلٌ من الصحفيون سيلفي كوفمان وفيرجيني مالينجر المراسلان بالمكتب الأوروبي فى بروكسل، وفيليب ريكارد من إدارة التحرير فى باريس.
في أوائل أبريل، فاجأ الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الجميع بإعلانه استئناف المفاوضات بين طهران وواشنطن بشأن اتفاق نووي إيراني جديد، بعد سبع سنوات من تنديده بالتسوية السابقة خلال ولايته الأولى. وكان من المقرر عقد اجتماع رابع حول هذه القضية في روما أمس السبت قبل تأجيله إلى الأربعاء المقبل، لكن لا أحد في العواصم الأوروبية أو طهران يفهم إلى أين تتجه الولايات المتحدة. وليس من الواضح أيضاً من هو الفريق الذي ينبغي أن يقود المحادثات، باستثناء المبعوث الخاص الذي لا غنى عنه للرئيس الأمريكي، ستيف ويتكوف، وهو مبتدئ في الدبلوماسية.
في أوروبا، كما هو الحال في أماكن أخرى، كان العديد من القادة والدبلوماسيين رفيعي المستوى في مناصبهم بالفعل خلال فترة ولاية دونالد ترامب الأولى (٢٠١٧-٢٠٢١). لقد كانوا يعرفون أساليبه القاسية، ولكنهم طمأنوا أنفسهم بأن الرئيس الأمريكي كان في المقام الأول يسلك المنهج "العملى".. وبالتالى، هناك مجال للمناقشة. ومع دخوله فترة ولايته الثانية، تصوروا أيضاً أنه، بعد أن تعلم من تجربته، سيكون مستعداً لممارسة السلطة بشكل أفضل مما كان عليه في عام ٢٠١٧، وأن العلاقات مع إدارته ستكون أكثر احترافية. ومن هذه الآمال لم يتبق إلا القليل، سواء في الشكل أو المضمون. ويواجه المسؤولون من حلفاء الولايات المتحدة صعوبة في تحديد محاوريهم في واشنطن بقدر ما يواجهون صعوبة في فهم ما يريدونه. سواء تعلق الأمر بأوكرانيا أو بقضايا التجارة، هناك العديد من الأشخاص حول الرئيس الأمريكي الذين يلعبون دورًا في هذه القضايا المختلفة، لكنهم لا يتشاركون نفس الرأي. وفي ٢٣ أبريل، لخص فالديس دومبروفسكيس، المفوض الأوروبي للاقتصاد، الوضع، قائلًا: "إن المزيد من الوضوح من جانب الأمريكيين سيكون موضع ترحيب".
عدم تماسك المحادثات
في فبراير، بدا وزير من إحدى دول البلطيق، عائدًا من الولايات المتحدة، مرتبكًا إزاء تضارب المحادثات التي أجراها مع محاوريه الأمريكيين، وقال: "لم نشهد هذا من قبل مع واشنطن.. لعشرين عامًا، كان لدينا دائمًا انطباع بوجود خطة واستراتيجية. لكن في هذه الحالة، يستحيل الحصول على صورة شاملة. ليس واضحًا من يتحدث باسم الإدارة. إنهم يطرحون أفكارًا متضاربة".
لقد تسببت طموحات دونالد ترامب في جرينلاند، ومشاجرته مع فولوديمير زيلينسكي في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض في ٢٨ فبراير، وزيادات الرسوم الجمركية التي تم الإعلان عنها على نطاق واسع، ورغبة الرئيس الأمريكي المعلنة في خفض التمويل لحلف شمال الأطلسي وأمن القارة العجوز، وأيضًا هجمات نائبه، جي دي فانس، على القيم الأوروبية، أو دعم إيلون ماسك لحزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف في يناير الماضى خلال حملة الانتخابات التشريعية عبر نهر الراين.. كل ذلك تسبب في موجة صدمة بين حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا.
وتعترف كايا كالاس، رئيسة الدبلوماسية الأوروبية، بأن البداية كانت فوضوية. قالت لوكالة فرانس برس في ٢٤ أبريل: "في كل صباح، تستيقظ وتقول لنفسك: هل أنظر إلى هاتفي المحمول؟ هل أنظر؟ حسنًا، ماذا حدث؟ قرارات متضاربة.. إنه أمر جنوني". وترى كايا كالاس، وهي من أشد المؤيدين لفكرة الأطلسي، أنه من الصعب أن تتعرف على كيفية إعادة البناء على هذا الأساس. وأوضحت: "إن الأمر يشبه عندما تكسر مزهرية.. يمكنك لصقها مرة أخرى، لكنها لن تكون نفس المزهرية مرة أخرى". وأضافت: لدي نفس الشعور بشأن الوضع الحالي: "يمكننا أن نحاول لملمة شتات أنفسنا، لكن الثقة تضررت، ولم يعد الأمر كما كان".
ولا بد من القول إن ماركو روبيو، وزير الخارجية الأمريكي، أوضح مدى ضآلة أهمية كايا كالاس في نظره. وفي نهاية شهر فبراير، زاد ترامب من الإذلال بإلغاء اجتماع مع الممثلة العليا للدبلوماسية الأوروبية رغم أنها كانت موجودة بالفعل في واشنطن. قبل أيام قليلة، اعترفت كايا كالاس بأنها لم تتحدث بعد إلى رئيس الدبلوماسية الأمريكية عبر الهاتف، بعد مرور ما يقرب من شهر على تنصيب دونالد ترامب.


الوعي بطيء للغاية
الرئيس الأمريكي لا يخفي ذلك: فهو لا يحب الاتحاد الأوروبي، الذي صُمم، على حد قوله، من أجل "إزعاج الولايات المتحدة". ومن وجهة نظره، من الأفضل تقسيم مجموعة السبعة والعشرين من خلال التفاوض مع عواصم الدول الأعضاء وليس مع مؤسسات المجموعة. رغم لقائه إيمانويل ماكرون وجورجيا ميلوني، إلا أنه رفض حتى الآن التحدث مع أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، التي طلبت مرارًا وتكرارًا مقابلته منذ ٢٠ يناير. ولحفظ ماء الوجه، صرحت في ٢٩ يناير: "عاجلًا أم آجلًا، ستتكثف الاتصالات"، بعد أن ذكّرت بأن آخر مرة تحدثت فيها مع دونالد ترامب كانت لتهنئته على انتخابه، في أوائل نوفمبر ٢٠٢٤. ومن المأمول أن يُعقد اجتماع رسمي في بروكسل في حال التوصل إلى حل وسط بشأن قضايا التجارة، وذلك بعد "اللقاء القصير" الذي جرى على هامش جنازة البابا فرانسيس، الأحد ٢٧ أبريل، في روما.
ولقد واجهت أورسولا فون دير لاين ورئيس وزرائها بيورن سيبرت، الذي يعتبر الارتباط عبر الأطلسي ذا أهمية حاسمة أيضاً، صعوبة أيضاً في استيعاب الوضع الأمريكي الجديد. في الأسابيع الأولى التي تلت عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، بدوا مشلولين، وغير قادرين على الرد على استفزازات الرئيس الأمريكي المختلفة. خلال رحلة إلى واشنطن في ٢٥ مارس، أدرك الذراع الأيمن للسيدة فون دير لاين،  الذي كان قد أقام علاقات وثيقة للغاية مع إدارة بايدن، أن محاوريه الأمريكيين سوف ينفذون تهديداتهم بزيادة الرسوم الجمركية.. واعترف مسئول أوروبي كبير قائلاً: “حتى ذلك الحين، لم يصدقوا الأمر، لقد كانت لحظة عبثية!”.
ولكن أورسولا فون دير لاين وزميلها المخلص بيورن سيبرت ليسا الوحيدين الذين يكافحون من أجل استيعاب مدى ظاهرة ترامب. وفي دول البلطيق والدول الاسكندنافية، وفي بولندا وإيطاليا وحتى في ألمانيا، حيث كان من المعتقد أن المظلة الأمريكية ثابتة لا تتغير، فإن الوعي كان بطيئا.
في الرابع من فبراير، أي بعد يوم من اجتماع رؤساء الدول والحكومات الأوروبية في بروكسل، لخّص فيكتور أوربان، رئيس الوزراء المجري الذي يدّعي أنه "صديق" دونالد ترامب، الوضع قائلاً: "كان اجتماعًا غريبًا. الجميع في بروكسل يتوقعون إعصار ترامب قادمًا، لكن معظمهم ما زالوا يعتقدون أنهم قادرون على تجنبه.. لن ينجحوا".


"دش بارد" لـ"فريدريكسن"
في كوبنهاجن، لم يكن أمام رئيسة الوزراء الدنماركية ميت فريدريكسن خيار سوى أن تفهم بسرعة أن عالمها قد تغير. وعندما ذكر دونالد ترامب، حتى قبل تنصيبه، خططه بشأن جرينلاند، طلبت ميت فريدريكسن من شركائها الأوروبيين عدم الرد، معتقدة أن المناقشة مع الرئيس المنتخب سوف تحل المسألة. لكن مكالمة هاتفية معه، قبل أيام قليلة من عودته إلى البيت الأبيض، كانت بمثابة "دش بارد"، بحسب حاشية الزعيمة. أدركت رئيسة الوزراء الدنماركية أن دونالد ترامب لم يكن يمزح، ودخلت في وضع الأزمة، وقامت بجولة طارئة في العواصم لضمان تضامن شركائها الأوروبيين.
ومن جانبه، لا يزال رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك يجد صعوبة في الاعتراف بتصميم واشنطن على إقامة نظام عالمي جديد. في يوم من الأيام، يتذكر دونالد توسك أهمية الرابط عبر الأطلسي، وفي اليوم التالي، يدافع عن أهمية حصول الدول السبع والعشرين على استقلالها. لكنه أيضًا شعر بالذهول عندما سمع إيلون ماسك يتحدث بمثل هذه العبارات العنيفة غير المعتادة إلى وزير خارجيته، رادوسلاف سيكورسكي، بعد أن هدد الأخير بالتوقف عن دفع ثمن خدمات ستارلينك لأوكرانيا. وكتب له الملياردير على X  في ٩ مارس "اصمت يا صغيري. أنت تدفع جزءًا بسيطًا من التكلفة. ولا بديل لستارلينك".. وهكذا، فإن وميض الإشارات يشير إلى أنازدراء البيت الأبيض للقارة الأوروبية لا يزال مستمراً.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق