في إحدى مناطق الأرياف المصرية الهادئة، حيث الحياة البسيطة والمياه الهادئة، يعيش "إبراهيم"، صياد الترعة الذي يتحدى الظروف اليومية بحياة بسيطة لكنها مليئة بالقناعة، فليس لديه مطالب كثيرة، ولا طموحات تتجاوز السقف الذي يظل فوق رأسه، لكنه يعبر عن نفسه بصدق، لا يسعى لأن يكون أكثر من مجرد صياد يعيش في قرية صغيرة، فهو مُحب وفخور بحياته المتواضعة، لأنه يملك ما يعينه على معيشته البسيطة، ولا يعرف من الدنيا سوى أن العمل هو السبيل الوحيد للعيش الكريم.
بين الصبر والرزق
ففي كل صباح، يستيقظ "إبراهيم" على شروق الشمس الذي يضيء القرية الصغيرة التي يقطنها، فيعكف على تحضير أدواته القديمة، يشد الشبكة ويربطها بحبلها المتين، ويجلس على زورقه الصغير الذي يهتز قليلًا مع حركة الماء في الترعة، فلا شيء في حياته يثير ضجة أو اهتمامًا، غير المياه التي يخرج منه رزقه وفي كل مرة يشعره بطمأنينةٍ غريبة، هامسًا لنفسه "اللي ربنا كاتبه هيجي"، هكذا يردد كلما سحب شبكته فارغة أو امتلأت بعدد قليل من الأسماك.
أما عن "أم خالد"، زوجته، فيقول “إبراهيم” إنها هي مصدر الأمان بالنسبة له، فهي تسنده في كل خطوة، في الأيام التي يصيبها الكدّ، وفي الليالي التي تشعر فيها الوحدة تسرق منه ابتسامته، ورغم أنها لا تعمل في مهنة الصيد، إلا أنها لا تدخر جهدًا في مساعدة زوجها في ترتيب شبكته، وتجهيز الطعام، والاعتناء بالمنزل، وأحيانًا ترافقه كجليس مؤنس خلال عملية الصيد أو خلال بيع الأسماك.

ويقول "خالد"، إنه نشأ بين أحضان هذه الحياة، ولا يملك طموحاتٍ كبيرة غير العمل مع والده، فيذهب مع والده ليُكمل المسيرة التي بدأها والده وجده من قبله، ويرى في المياه أكثر من مجرد مصدر رزق، وأن الصيد هو معلم الحياة الذي يغرس فيه قيم الصبر والعزم والرضا.
وعبر “إبراهيم” عن مطالبه في عيد العمال بعد فترة وجيزة، فقد بدأ التفكير في عينيه، وكأن السؤال لم يسبق أن مر على ذهنه من قبل، ولكن بعد لحظات من الصمت، قال بصوت هادئ: "أنا مش طالب حاجة كبيرة، مش طالب فلوس ولا بيت كبير، كل اللي أتمناه في عيد العمال هو أن الناس يعترفوا بجهدنا، أننا بنشتغل بيدينا علشان نعيش، وبنصبر على تعبنا بدون ما نطلب شيئا زيادة، الحياة مش سهلة، بس إحنا راضيين، لكن لو في حاجة أتمناها، هي إن الدولة توفر لنا شوية تسهيلات، مثلًا زي تكاليف الأدوات اللي بنحتاجها للصيد أو توفير أماكن أفضل للبيع، لأن كل شيء بقى غالي وبيصعب علينا"، مضيفًا “إحنا مش عايزين أكتر من اللي نقدر نعيش به بكرامة”.
وأوضحت “أم خالد” أن الحياة التي يعيشونها هي نموذج للتواضع والرضا بالقليل ومواصلة السعي وراء الرزق الحلال رغم صعوبة الحياة، لأن قناعتهم بأن الرزق في يد الله وأنه ينبغي لهم الصبر، وأكدت أنهم لا يطلبون المعجزات، بل فقط أن تظل حياتهم كما هي رغم صعوبتها، محاطة بحبهم لبعضهم البعض، قائلة “إن شاء الله يبقى في أيام أفضل، بس أهم حاجة نبقى مع بعض”.
0 تعليق