عصام الدين جاد يكتب: المهرجانات.. صوت بلا فن

صدي 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

شهد العقد الأخير ظهور بعض الأصوات "غير الفنية" قدمت ما يعرف بـ"المهرجانات الغنائية"، يدرجونها تحت عنوان "الفن الشعبي"، لتعرض بأسلوب لا يرتقي ولا يمت لأصول الفن بأي صلة.
لقد أثرى الفني المصري التاريخ بأسماء بارزة أثرت في الوطن العربي بجمال فنهم الراقي والهادف، حتى وإن ظهرت بعض الشذرات الخارجة عن السياق، فقد كانت ضمن حدود المقبول والمسموح به.
وينصب حديثنا هنا على ما أصاب الغناء المصري من تدهور، لما يقدمه هؤلاء المؤدون - وبعضهم يفتقر إلى المقومات الفنية-، فيقدمون عروضًا وكلمات لا تليق بالذوق العام، ولا تعبر عن الثقافة الحقيقية والرقي والجمال الذي يتميز به الشعب المصري.
وقد يؤثر هذا سلبًا على سلوكيات النشء والشباب، لما يتضمنه من ألفاظ ومظاهر يتقمصها البعض، رغم مخالفتها للقيم المجتمعية.
ويستتبع هذا الأمر، وجوب توجيه اللوم لهؤلاء المؤدين على ما يصدر عنهم من مقاطع تنطوي على إسفاف وتلميحات مسيئة تخل بالحياء، وتزداد هذه التصرفات بتسويقهم هذه المواد ونشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
ورغم أن حرية الفن والإبداع حق دستوري مصون، فإن ما يقدَّم اليوم قد ألحق ضررًا بالغًا بالمجتمع، وأسهم في تشجيع بعض الفئات على تقليد هذه الأنماط ونشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ما قد يزيد من تفشي هذا الإسفاف.
وفي هذا السياق، أصدر رئيس الوزراء قرارًا بتشكيل مجموعة عمل معنية بوضع رؤية مستقبلية للإعلام والدراما، بهدف تطوير المحتوى الفني والإعلامي، والإسهام في تشكيل وعي مجتمعي متوازن يعكس الهوية الوطنية ويعزز القيم الإيجابية، مع التأكيد على حماية حرية التعبير والإبداع.
ويعكس هذا التوجه مدى اهتمام الدولة بضبط المشهد الفني، ليعكس الصورة الحقيقية لأحوال الشعب المصري، وتقديم فن يليق بتاريخ أمة عريقة. 
وتأتي إشارتنا إلى هذا الموقف تأكيدًا على الحرص الشديد على الوعي المستقبلي للنشء والشباب.
وحديثنا عن "الغناء" لأنه يُعد أداة فعالة ومؤثرة في تشكيل هذا الوعي، ولا نقصد التضييق على حرية الفن والإبداع، بل ضبط ما يضر بالآخرين ويفسد الذوق العام.
ففي هذا يقول د. أحمد فتحي سرور: "الفن هو درجة راقية من التعبير، وله دور ثقافي وتربوي". (الوسيط في قانون العقوبات –  القسم الخاص – ص657).
وأكدت الفقرة الثالثة من المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (1966) حرية التعبير، لكنها قيدتها عندما تتعارض مع حقوق الآخرين، إذ نصت على ما يلي: "تستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة 2 من هذه المادة واجبات ومسئوليات خاصة.
وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون، وأن تكون ضرورية:
1- احترام حقوق الآخرين أو سمعتهم.
2- حماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة".
وفي ذلك ناقش الفيلسوف "جون ستيوارت ميل" حدود الحرية الفردية، وأكد أن "الحرية تتوقف عندما تضر بالآخرين".
إن ظهور هذا النوع من الغناء والأداء من قبل بعض "المؤدين" هو تصرف يضر بالمجتمع والآخرين ضررًا بالغًا.
ومن هنا، نثق في أن المجموعة المشكلة بقرار رئيس الوزراء من خلال دورها القومي العظيم ستكون لها رؤية لمعالجة هذه المظاهر، ونناشد السيد نقيب الموسيقيين بالسعي إلى ضبط المشهد الغنائي، حفاظًا على الذوق العام، باستخدام الأدوات القانونية المتاحة للنقابة، من إيقاف تصرفات المخالفين للأهداف السامية للغناء.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق