مع اقتراب اجتماع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في السادس والسابع من مايو الجاري، يزداد التوتر داخل أروقة المؤسسة المالية الأهم في العالم، في ظل مفارقة معقدة: ضغوط سياسية متزايدة من الرئيس الأميركي دونالد ترمب من جهة، وبيانات اقتصادية مختلطة من جهة أخرى، تعزز موقف التريث وعدم التسرع في خفض أسعار الفائدة.
الاحتياطي الفيدرالي يتمسك بالثبات رغم التباطؤ الاقتصادي
في الوقت الذي تشير فيه المؤشرات الاقتصادية إلى تباطؤ محتمل، يميل صانعو السياسة النقدية داخل الفيدرالي إلى الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير، وهو ما يمثل موقفًا حذرًا يهدف إلى تحقيق التوازن بين دعم النمو الاقتصادي والحد من التضخم.
وقد أظهرت بيانات سوق العمل الصادرة يوم الجمعة إضافة 177 ألف وظيفة جديدة في أبريل، مع استقرار معدل البطالة عند 4.2%، ما يعزز موقف رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، في مقاومة الدعوات لخفض الفائدة، على الأقل في المدى القصير، طالما بقيت سوق العمل قوية.
ترمب يصعّد الضغط ويطالب بخفض الفائدة فوراً
في المقابل، جدد الرئيس الأميركي دونالد ترمب هجومه على الفيدرالي بعد صدور بيانات سوق العمل، معتبرًا أن الوقت قد حان لخفض الفائدة، مشيرًا إلى انخفاض التضخم وتراجع أسعار النفط كعوامل داعمة لهذا القرار.
وفي منشور على منصة "تروث سوشيال"، قال ترمب:
"التضخم تراجع، وعدد الوظائف ارتفع على الاحتياطي الفيدرالي خفض الفائدة الآن".
ويأتي هذا الموقف في إطار نهج ترمب الدائم في الضغط على المؤسسات المستقلة لتحقيق أهداف اقتصادية وسياسية في آنٍ واحد، وهو ما يضع باول والفيدرالي في موقف حرج أمام الرأي العام والأسواق.
الضغوط التضخمية تتراجع.. لكن الخطر لا يزال قائماً
تشير مؤشرات التضخم المفضلة للفيدرالي إلى تراجع تدريجي في الضغوط السعرية، وهو أمر إيجابي نظريًا، لكن هناك مخاوف من تأثير الرسوم الجمركية المرتفعة – التي فرضتها الولايات المتحدة في سياق سياسات تجارية سابقة – على مسار هذا التراجع.
وقد حذر بعض مسؤولي الفيدرالي، مثل توماس باركن (رئيس "فيدرالي ريتشموند") وأدريانا كوجلر، من أن توقعات التضخم لدى المستهلكين بدأت تنحرف، وهو مؤشر مقلق قد يُجبر البنك المركزي على التشدد بدلاً من التيسير.
الأسواق تتوقع خفضين فقط للفائدة في 2025 رغم مخاوف الركود
وفي استطلاع "، توقع نحو 75% من الاقتصاديين المشاركين حدوث ركود اقتصادي أو نمو صفري خلال الاثني عشر شهراً المقبلة، مقارنة بـ26% فقط في مارس، مما يعكس قفزة هائلة في القلق بشأن الأداء الاقتصادي المستقبلي.
ورغم هذه المخاوف، يتوقع الخبراء أن يُجري الفيدرالي خفضين فقط لأسعار الفائدة خلال العام الجاري، بواقع ربع نقطة مئوية في كل من سبتمبر وديسمبر 2025، وهو ما يُبرز التزامًا بمسار حذر وتدريجي في تعديل السياسة النقدية.
باول يواجه أصعب اختبار منذ توليه المنصب
في ظل هذه المعطيات، سيكون جيروم باول أمام اختبار حقيقي خلال الأيام المقبلة، إذ عليه أن يُوازن بين:
الحفاظ على مصداقية الفيدرالي كمؤسسة مستقلة
مواجهة الضغوط السياسية من البيت الأبيض
التعامل مع مؤشرات اقتصادية متباينة
واحتواء توقعات التضخم والأسواق
وبحسب توقعات خبراء الاقتصاد ، فإن باول سيُظهر تشددًا محسوبًا، يركز فيه على استقرار الأسعار ومراقبة التضخم، وهو ما يعني رفض التسرع في الاستجابة لمطالب السوق أو الرئاسة بخفض الفائدة.
ختاماً: مفترق طرق حرج في السياسة النقدية الأميركية
اجتماع الفيدرالي في مايو لا يقتصر على تحديد سعر الفائدة، بل يمثل نقطة تحول في مسار السياسة النقدية الأميركية، في ظل مزيج من:
تباطؤ اقتصادي محتمل
تضخم لم ينحسر كلياً
ضغوط سياسية غير مسبوقة
وتوقعات سوقية مرتبكة
وإذا كان الاحتياطي الفيدرالي قد اختار "التحلي بالصبر" حالياً، فإن التطورات في النصف الثاني من 2025 قد تُجبره على اتخاذ قرارات أكثر حسماً في مواجهة ركود قد يصبح حتمياً ما لم تُعالج الأسباب الجذرية وراءه.
0 تعليق