منير أديب يكتب: الهويات القاتلة في سوريا.. متى تتحرر دمشق من مخالب الصراعات السياسية والمذهبية والطائفية؟

البوابة نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تحولات الشرع تؤكد سعيه لخدمة مصالحه الخاصة وليست المصالح العليا الوطن

 

السياسة السورية الحالية تسعى لتهميش أي هوية والحل يكمن في دولة مدنية تقبل بكل التنوعات دون إقصاء

 

النظام السورى الحالى يحمل فشله بداخله ولا يعبر عن السوريين من كل الطوائف والمذاهب والأديان

 

«المؤمنون بالأفكار المؤدلجة لا يستطيعون التخلص من وهم الأيديولوجيا لأنها تظل مُسيطرة على العقل وتصنع حاجزا عليه يصعب معه التخلص من أدرانها»

751.jpg

سوريا بلد متنوع الطوائف والأديان والإثنيات، لن يقبل فرض دين أو طائفة أو أيديولوجية عليه، مهما كانت الضغوط ومهما كانت المغريات، اختلافه سبب ثراءة وقوته في نفس الوقت.

الرهان على استمرار النظام السياسي الذي جاء بعد ٨ ديسمبر الماضي حتى ولو لم ينحاز إلى التنوع خاطئ؛ لعدة أسباب، أولها أن الشعب السوري لن يقبل الإملاء وأن حركة التحرير الأخيرة انطبعت داخل وجدانه الحي، وبالتالي لن يعود للوراء مرة ثانية ولن يقبل ما يتم إملاؤه عليه، ولن يستسلم لفكرة من يملك القوة يحكم، ولكنه حتمًا سوف يثور، وثورته سوف تكون على الاستبداد لا على النظام الذي سار عليه.

يُحاول البعض أنّ يصور أنّ أي ثورة على النظام السياسي الإسلاموي يُعني دفاعًا عن النظام السياسي السابق، أو بغضًا للتغيير والثورة، وهذا غير حقيقي، هدفه تشويه أي محاولة الهدف منها ترشيد هذا النظام أو تصحيح إعوجاجة.

الشعب السوري انحاز للتغيير ولذلك لن يعود للوراء مرة ثانية، حتى ولو كانت الضغوط من أجل التغيير، وهنا شعرة صغيرة في سيكولوجية هذا الشعب وكل الشعوب العربية مرتبطة بحقها في أنّ تختار فضلًا عن امتلاكها للإرادة الحرة، وتسويق أي اتهامات في هذه المساحة غير صحيح ولن يُجدي نفعًا.

وبالعودة لأسباب الرهان الخاطئ على النظام السياسي، الشعب السوري متنوع في أعراقه وأديانه وقومياته، وأي نظام سياسي لن يُكتب له الحياة والاستمرار لو تخيل أنه قادرٌ على فرض إرادته أو تغيير إرادة الشعب وفق ما يؤمن به.

ويبدو أن النظام السياسي الموجود في سوريا حاليًا من لون واحد، ولن يمنح الفرصة للتنوع الطائفي أو المناطقي، سوريا يُعبر عنها السوريون وهم من يحكمونها، ولذلك من المهم رفع عباءة الطائفية والأيديولوجيا، وهو ما لم يستطع أن يفعله بعد مرور هذه الشهور، وأنه بمثابة التحدي له في المستقبل إذا أراد إصلاحًا حقيقيًا.

تحولات الرئيس السوري، أحمد الشرع الكثيرة على مدار حياته منذ أن كان شابًا وحتى عندما دخل قصر الشعب تؤكد أنه يسير في نفس طريق التحول ولكن ببرجماتية تُخدم على مصالحة الخاصة، وهذه هي الطامة الكبرى، بحيث تقع سوريا بين مخالب المطامع الشخصية لا المصالح العليا الوطن.

لو حدث وسقط النظام السوري الحالي، فهذا السقوط سوف يكون من داخله، بمعنى هو من سوف يُسقط نفسه بنفسه، لأنه لم ينتبه إلى ضرورة أن يكون معبرًا عن كل السوريين من كل الطوائف والمذاهب والأديان، لا أن يكون معبرًا عن فصيل أو عشيرة واحدة، وهو ما لم يستطع أن يفعله الشرع حتى الآن.

ويبدو أن المؤمنين بالأفكار المؤدلجة لا يستطيعون التخلص من وهم الأيديولوجيا، لأنها تظل مُسيطرة على العقل وتصنع حاجزا عليه يصعب معه التخلص من أدرانها؛ فخطر الأيديولوجيا قد يكون أصعب من خطر التمذهب أو الطائفة والدين، فقد يتسامح أصحاب هؤلاء بخلاف المؤمنين بالأيديولوجيا القاتلة.

ثراء التنوع السوري

التنوع السوري ميزة لو أحسن القائمون على أمر إدارة البلاد استغلالها، وسوف يكون هذا التنوع قاتل، كما الحالة السورية الحالية لو أساء السوريون استغلال هذا التنوع أو أفسدوه بالانحياز والتهيش والعبث.

الهوية معنى يُرادف الروح الإنسانية، لا يمكن للإنسان أن يتخلى عنها منذ ولادته وحتى وفاته، والعبث بها بمثابة الحرب على الإنسان، وهنا يجب الانتباه إلى ضرورة احترام هذا التنوع وتقديره لا القفز عليه وتهميشه.

من يُحاولون تجريف الهوية والعبث بها مثل الذي يصب الكيروسين على النار في محاولة منه لإطفائها، السير في عكس الطريق، وهو ما يؤدي إلى خطأ الرهان على أي نظام سياسي يسعى لتهميش أي هوية بأي دافع مهما صلحت النوايا، والحل السوري يكمن في دولة مدنية تقبل بكل التنوعات دون إقصاء أو تهميش.

التركيبة المعقدة للشعب السوري تُحتم على النظام السياسي احترام التنوع، بل واستغلاله من أجل دعم الدولة، فيكون التنوع بابًا لقوة الدولة وليس لضعفها، هذه مفارقة مهمة لا يُجيدها المنحازون، حتى ولو نجحوا بشكل مؤقت في استقرار مؤقت، فمهما كان هذا الاستقرار فإنه مؤقت لا يُغني من جوع.

لابد أن يكون شعار الدولة المواطنة، لا الدين ولا الأيديولوجيا، من السهل التنظير في هذه المساحة ولكن من الصعب تطبيق مبادئ هذه المواطنة أو إقرارها.

الشعب السوري متساوٍ في حقوقه وواجباته التي كفلها الدستور، الدولة لمن يحمل جنسيتها؛ فإذا كان هناك التزام يُفرض على المواطن فإن هناك مشاركة في أمور وطنه، هى ما تُشعره بالانتماء إلى هذا الوطن، وهنا تبدو أهمية المواطنة للتعايش بين كل المكونات السورية.

حقوق المواطنة التي لابد أن يشعر بها السوريون كل السوريين، الحق في الحماية والحق في الاعتقاد والحق في التعبير عن الآراء والمعتقدات، كما تُعطيه الحق في المشاركة السياسية.

وهنا نُشير إلى أن المواطنة ليست معطى وراثي، لا يتم توريث المواطنة ولكنها تُعبر عن حركة المواطن في دائرة الحياة، والتي تمنحها كل ما أسلفنا ذكره من حقوق وما تفرضه من واجبات، ولذلك من المهم أن يكون الإنسان جزءًا من المجتمع ومن ثَم الحياة لا أن ينخلع عنها حتى يُصبح مواطنًا.

وهنا لابد أن تتحول الصفة الرسمية إلى واقع عملي، أي أن تتحول الجنسية إلى وطن يعيش فيه الإنسان، يمنحه حقوقه ويلتزم فيه المواطن بما عليه من واجبات، وهو ما يفرض عليه ضرورة الانخراط في حركة الحياة، فلا يمكن أن تكون هناك مواطنة دون مشاركة أو انخراط في الحياة، وهنا تبدأ المواطنة من الوطن وتنتهي عند المواطن.

الهويات القاتلة

هناك أرقام وإحصاءات غير دقيقة عن واقع التنوع السوري، ولكن أغلبها يُشير إلى أن قرابة ٧٧٪ من السوريين مسلمين سنة، وأن قرابة ١٠٪ علويين، و٣٪ دروز وشيعة إسماعيلية وإثنا عشرية، بينما ٨٪ مسيحيون؛ وهناك أزيديون وزردشت، وهنا ليست العبرة في النسب ولكن في حجم التنوع وكثرته.

اعتاد الشعب السوري على الاختلاف والتنوع، فبات أكثر الشعوب محبة للاختلاف وليس للخلاف، فهو شعب مُسالم ومحب للحياة، ودليل ذلك الاختلاف، وما كانت الهويات المختلفة يومًا ما مصدرًا للقتل أو للفرقة، غير أنها قد تتحول إلى ذلك لو تم العبث بهذه الهويات وأثيرت النعرات الطائفية، أو كان على رأس السلطة من يُحرك هذا التنوع بشكل غير صحيح.

النظام السياسي الحالي في سوريا اختزل هوية الفرد في بُعده المذهب والإثني والطائفي، حيث تم شحن أغلب السوريين، فزاد ذلك من انغلاقها، فبدلًا من أنّ يشعر هؤلاء السوريون بوطنيتهم، انغلقوا أكثر على ذواتهم، لسبب بسيط أنهم لم يشعروا بأنفسهم ولا بوطنهم ولا وطنيتهم ولا بذواتهم.

من أصعب الجرائم التي يرتكبها أي نظام سياسي هو أن يُفقد شعبه حقه في الحياة، فلا يشعر بوطنيته ولا بحقه في الحياة، ومن المهم هنا الانتباه إلى ضرورة أن يحافظ النظام في أي دولة على هويته بالحفاظ على هوية مواطنيه، فلا حياة لنظام أو دولة أو شعب بدون الحفاظ على هوية هذا النظام تلك التي لابد أن يستمدها من هوية مواطنية.

أي عالم يعيش عددًا من التحولات؛ هذه التحولات تأتي في سياق العولمة، الهوية جزء أصيل من حياة الإنسان في ظل العالم المتحول دائمًا، الهوية لا تتعارض مطلقًا مع العولمة ولا يمكن للعولمة أن تأتي على هوية الإنسان؛ فهي فرع ديناميكي من انتماءات متعددة وفق تجارب الفرد وظروفة.

تُصبح الهوية قاتلة عندما تُصبح أداة للتميز والصراع، الهوية لابد أن تكون جسرًا للحياة لا لغيرها، ولذلك الحفاظ عليها بمثابة الحفاظ على الحياة، وهي بمثابة صنوان الروح، من يأتي عليها فإنما قد أتى على الإنسان وروحه، وهنا يمكن أن تتحول الهوية أو الروح إلى شيء قاتل ومدمر. 

السلطة السياسية الحالية في سوريا ذات تكوين سلفي، ولذلك تفكر بطريقة إقصائية تحمل كل معاني التهميش والتقزيم والانحياز، ولذلك لا يمكن أن تكون هناك دولة مدنية في ظل وجود هذه السلطة، ولن تنجح هذه السلطة في إقامة دولة تحترم التنوع وتعززه، خاصة أن السوريين لن يدعموا أي نظام سياسي إلا إذا كان يحترم هذه التنوع ويُقدره ويُعلي من قيمته.

سلطة الحكم الحاليّة في سوريا لا ترى غير نفسها، والأقسى من ذلك أنها تعتقد أنها تحكم باسم الإله؛ هذا النوع من السلطة لا يمكن التفاهم معه أو البحث عن أرضية واحدة مشتركة معه، فهي دائمًا ترى أنها الوحيدة التي تمتلك الحقيقة ومن لها حق التعبير عنها.

تفكيك العقل الطائقي والهوية المدمرة 

هناك هويات مزيفة لا قيمة لها ولا أثر حقيقي من ورائها؛ هذه الهويات التي يعتقد أصحابها أنهم قادرون على فرضها على الناس غصبًا؛ ولذلك إذا كان من إرادة لدى أي نظام سياسي فلابد أولًا من القضاء على هويته المدمرة أو عقله الطائفي، فهو أخطر عليه من أي خصوم سياسيين، بما فيهم أتباع النظام السابق وفلوله، وهذا يجب الانتباه إلى أهمية التعايش المشترك، فلابد من البحث عن العدو الداخلي قبل البحث عن العدو الخارجي؛ فتدمير الأنظمة السياسة غالبًا ما يكون من داخلها لا من خارجها.

لا حياة للنظام السياسي الحالي في سوريا بدون تفكيك المنظومة الحاكمة لعقلة؛ وهذا أمر يبدو مستحيلًا إلا إذا كانت هناك إرادة لذلك، وهو أمر ليس بالسهل ولا بالميسور، وغالبًا ما يستلزم ذلك حركة انقلاب فكري تؤدي في النهاية إلى تفكيك هذا العقل، حركة التغيير في المنظومة الفكرية لا تكون طبيعية؛ إما أن ينجح التطرف أو يتم الانقلاب عليها.

العدو الأول للنظام السياسي في سوريا الآن هو عقله الطائفي أو الأحادي، ولذلك إذا كانت هناك من مواجهة من أجل بناء الدولة فلابد أن تكون لهذا العقل، مواجهة لن تكلف النظام معدات عسكرية ولا استعدادات ميدانية، فقط إرادة هدفها القضاء على عوامل النقص والهدم الداخلية.

التحدي الأهم والأبرز للنظام السياسي الحالي متمثلًا في تعديل نمط الحكم وإذابة الفوارق وتقليل الفجوات واحترام المكونات السورية كلها بلا استثناء، ما دون ذلك سوف يُعقد الوضع وسوف يُعجل من انهيار النظام السياسي لا محالة، لأنه قرر أن يقف أمام مقومات الحياة ومكونات المجتمع في نفس الوقت.

هناك خريطة واحدة لا يمكن أن يحيد عنها النظام إذا أراد البقاء فترة أطول؛ هذه الخريطة لابد أن يكون مسارها في اتجاه احترام التعدد والتنوع وليس قمعه والتغلب عليه، التنوع حياة والحياة لا يمكن أن تكون بدونها، فمهما كانت سطوة النظام السياسي فلا يمكن أن يتماسك إذا فقد مكون التسامح.

752.jpg
الميشيات الشيعية في سوريا
750.jpg
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق