أسرار حب الأبنودى للسوايسة

البوابة نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لم تكن أغنية «يا بيوت السويس يا بيوت مدنيتي.. أستشهد تحتك وتعيشي أنت» التي خص بها الشاعر السويس هي الوحيدة التي عبر فيها عن حبه للسوايسة، لكن هذه الأغنية التي شارك في بنائها ثلاثي من المبدعين عبد الرحمن الأبنودي شاعرًا صاحب الكلمات، والثاني الملحن الرقيق إبراهيم رجب، ويكفي أن يكون المبدع الثالث هو المغني الجميل الفنان محمد حمام لتصبح أغنية يا بيوت السويس هي أيقونة الأبنودي لحبه للسوايسة.

ولكن الشاعر عبد الرحمن الأبنودي الذي أحب أبناء السويس من خلال معايشة كاملة على ترابها خلال فترات مهمة في تاريخ الوطن، بعد هزيمة ٦٧، وفترة حرب الاستنزاف للعدو الإسرائيلي، ثم حرب الانتصار والمقاومة ١٩٧٣، وهي فترات كافية لمعرفة معادن السوايسة، وهي الفترة التي كشفت فيها إرادة الشعب المصري للعبور من هزيمة نكسة ٦٧ إلى انتصار أكتوبر.

"جبلاية الفار":

بدأ الأبنودي حبه وشغفه للسويس عقب خروجه من السجن بعد أن قضى قرابة العام في زنزانته بسبب اتهامه بالانضمام لأحد التنظيمات اليسارية الشيوعية.. وقد خرج الأبنودي من السجن قويا لم ينكسر، وسافر إلى السويس لينضم إلى المقاومة الشعبية شاعرًا قويًا، ليُشارك مع فرقة أولاد الأرض التي غنت للمقاومة معلنة رفضها للهزيمة بقيادة الكابتن غزالي؛ خلال تلك الفترة تعرف الأبنودي على أبناء السويس في القطاع الريفي بالجناين الذي عاش فيه وسط الفلاحين والبسطاء من العمال ومن خلال معايشة أبناء السويس.

انخرط الأبنودي بأشعاره الوطنية وكتابة الأغاني الرومانسية والوطنية، وإنتاج للشعر المقاوم لكل ما هو سلبي، من خلال المعايشة الواقعية كتب "الأبنودي" أو "الخال، كما كان يحب أن يناديه السوايسة، في ذلك الوقت حين أحس بدفء مشاعرهم وحبهم للوطن فكانت إشعار الأبنودي الأكثر صدقًا والأوسع انتشارًا..

وكان ديوان "جوابات الأوسطي حراجي القط العامل في السد العالي إلى زوجته فاطنة أحمد عبد الغفار في "جبلاية الفار" تلك القرية الصغيرة في السويس والتي كان لا يعرفها أحد.

يقول عبد الرحمن الأبنودى في مقدمة إصدار الديوان في طبعته الثالثة الصادرة عن المركز المصري العربي للنشر، والذي كانت تُديره الكاتبة الصحفية ابنة السويس كاميليا عتريس ومن الإخراج الفني وتصميم الغلاف للكاتب الصحفي ابن السويس أيضا محمد بغدادى..

يقول الأبنودى..

"عشت النكسة وحرب الاستنزاف في السويس بين فلاحين وصعايدة لا يختلفون عن "فاطنة وحراجى"

وفى ضحى يوم شتائي مشمس هتف لى "حراجى" اصطحبت أوراقا وأقلاما وفرشت لى "سيدة ابنة عم إبراهيم أبو العيون" حصيرًا تحت شجرة مشمش خلف بيتهم على شاطئ قناة السويس لتندلع الرسائل متتابعة.. وفي الليل كانوا يشعلون لى لمبة الجاز لأنكفئ على الطبلية حتى اكتمل كتابة الديوان في أسبوع ودفعته للمطبعة دون مراجعة".

وينشر الديوان وينفذ، ويعاد طبعه والمثقفون والشباب يتحدثون عن الأبنودى لصدق ما في الديوان من خطابات متبادلة بين "حراجى" و"فاطنة" الجوهرة المصونة والدرة المكنونة.. زوجتنا فاطنة أحمد عبد الغفار يوصل ويسلم لها في منزلنا الكاين في جبلاية الفار في "السويس".

والرد الذي يأتي من "أسوان" حيث السد العالي الذي يعمل فيه حراجى القط.."زوجي الغالي الأسطى حراجى القط العامل في السد العالى.. كاشفا في لغة جميلة جديدة معانى عميقة عن الاشتقاق بين الزوجين وما يحدث لهم من تطورات اجتماعية وإنسانية".

"وجوه ع الشط":

هكذا كانت السويس مُلهمة للأبنودي الذي أحبها حين كتب ديوانه "وجوه على الشط" حيث يكتب الخال عن مواطنين بسطاء من أبناء السويس لا يعرف عنهم الشهرة أو النجومية فنجد قصائد تحمل أسماء أبناء الجناين في السويس تتصدر قصائد الديوان عناوين للشعر الجميل عميق المعني، فنجد شخوص عادية أمثال نحمل أسماء قصائدة الشعرية في ديوان "وجوه ع الشط" منهم إبراهيم أبو العيون، سيد طلب، براهيم أبو زعزوع، أبو سلمى، أم على، فتحية أبو زعزوع، سيدة، البت جمالات، محمد عبد المولى، الحاج على، وسيد طه؛ كلها وجوه وشخوص من دم ولحم عايش معهم عشرة حب وتميز، وعبر عنهم بلغة مصرية معجونة بطين الأرض، وبملح الأرض من الفلاحين والعمال الغلابة البسطاء.

وكان لديوان "وجوه ع الشط" الذي كان يُذاع عبر إذاعة صوت العرب بقيادة المرحوم محمد عروق ابن السويس مدير الإذاعة في ذلك الوقت، وكان لإذاعة الديون فعل السحر على أبناء السويس المهاجرين الذين كان يسمعون الراديو بافتخار عن حكايات أبناء السويس بشكل يومي كل يوم قصيدة.

جغرافيا السويس:

وينتقل الأبنودى في حب الناس إلى ذكر الأماكن وما يسمى جغرافيا السويس وذلك من خلال أشعاره فنجد الأبنودى يتكلم شعرًا عن "مسجد سيدى الغريب" و"المبيع" سوق الجملة للخضار والفاكهة حيث يقول الأبنودى:

"وبعدين لما جمع القرشين م المينا نزل المبيع..

جتلك يا غريب هون عنى الغربة

وخفف تقل الحمل"..

ثم ينتقل بشعره إلى"مقهى الشيخ شعبان" القريبة من سوق الخضار والفاكهة بالجملة "بالليل يتلموا كل الولد في قهوة حدا المبيع.. قهوة شعبان.. ويتذكر الأبنودى في إشعاره قرية "كبريت"... "عيد وعلى طلعو كبريت" حتى منطقة الزيتية منطقة معامل البترول".

كما يكتب عن قرية "منشية الرجولة" حين يذكر الخال في قصيدة "محمد عبد المولى "

قوله... " وإنا أول ما عرفتك يا "رجولة / إنا أول من داق أيام الغلب الأولة "

كما يتحدث الأبنودى عن حوض إصلاح السفن في ترسانة السويس البحرية ببورتوفيق

فعلى لسان "محمد عبد المولى" في ديوانه "وجوه ع الشط".

"ووقعنا خلاص وسط الشوالات.. في "الحوض" في الملح وفي الفحم الأسود.. "ولا ينسى الأبنودى في صور شعرية جميلة وهو يتحدث عن البت جمالات على لسان إبراهيم أبو العيون

حين تكلم عن "الوشنه" وهى الكلمة السوايسة الأصيلة التي يطلقونها على الآيس كريم – الدندورمة أو الجيلاتى...

حين يتحدث الخال على لسان إبراهيم أبو العيون...

" بياع الوشنة اللى العصرية بيزمر ويفوت.. م اليوم مش حيفوت ولا هينادى على المنجة ولا التوت

زى ما كل الناس بتموت بياع الوشنة يا جمالات مات".

وهكذا يستمر الأبنودي في تذكر كل ما هو سويسي فالحديث مستمر عن قرية " جبلاية السيد هاشم " حتى هاجر الفلاحون من السويس إلى الإسكندرية في قرية " أبيس " لم ينس الأبنودي ذلك في إشعاره.

(حي زرب )

كما كتب الشاعر عن حي "زرب" العريق.. حيث البيوت التي كان بها فرندات خشب يقول الأبنودي في قصيدة عن "حي زرب" بالسويس.

"أنا شفت تجار الخشب.. بينهشوا لحم السويس.. بيمصمصوا ضلوع السويس.. ام فرندات الخشب

وشفت في زرب حرب اليهود.

بورتوفيق

وعن منطقة بورتوفيق الجميلة يكتب الأبنودي:

"بكره حار حي هيضلي من تاني في بورتوفيق على موج يا كنال" وهكذا يأتى الحديث عن حى زرب ومنطقة بورتوفيق في ديوان " بعد التحية والسلام " والذي لم ينسى فيه الأبنودى رسالة ( الرجل اللى مات في فحت الكنال ) والرد من " الكنال إلى الراجل الذي مات في حفر الكنال... في تفاصيل لها دلالات كبيرة عن الكفاح والعرق وجهد المصريين في حفر قناة السويس.

وهيبة وشجر السويس

أما أفضل ما كتبه الأبنودي من أغاني عاطفية فقد كتبها متأثرًا بالسويس وأرضها وحدائقها وتحت أشجارها.. فحين كتب الأبنودي أغنية " تحت الشجر يا وهيبة " كان متأثرا ً بالممرضة "وهيبة " الجميلة صاحبة الاسم التي كانت تعمل ممرضه بالوحدة الصحية في قرية عامر بالسويس فكتب..

" تحت الشجر يا وهيبة يا ما اكلنا برتقال.. ضحكة عنيك يا وهيبة دبحه عيون الجدعان" ليقوم بغنائها الفنان الشعبى محمد رشدى الذي كان يزور السويس للترفيه عن الجنود على الجبهة، وحين حضر للسويس قال الأبنودى له.. هؤلاء أبناء عمي من السويس يقصد "أبناء القطاع الريفى في الجناين".

كما كتب الأبنودى أغنية " مال عليه مال فرع الرمان " التي غنتها الفنانة فايزة أحمد كتبها الأبنودى في جنينه " الشعراوية " وبجوار جنينه مبارك طايع حيث أشجار الرمان الأحمر وأغنية " والله إن ما اسمريت يا عنب بلدنا لا أجرى واندهلك عيال بلدنا والله "، التي غنتها شادية تحت تكعيبه العنب في أرض " سعد جلال "المعروف باسم" أبو مازن ".

كما كتب الأبنودى أغنية موال النهار....تلك الاغنية الوطنية التي كان يتحدث فيها عن هزيمة يونيو والهوا هوايا " لعبد الحليم حافظ "... واسمر يا اسمرانى اللون " لشادية "، وكلها كانت تحت أشجار وحدائق السويس بالجناين.

أيقونة السويس:

يكفى أن الأبنودى خلد اسم السويس وكتب أفضل أغانية " يا بيوت السويس " التي أحبها حيث كتب يا بيوت السويس يا بيوت مدينتى.. استشهد تحتك وتعيشي انتى.. هيلا هيلا يالله يابلدية شمر درعاتك الدنيا أهيه وإن باعو العمر في سوق المنتية.. ورفاقه نروح السوق نجيبه ونعدى على نفس المعدية ونقول يا دنيا والله وصدقتى يا بيوت السويس".

هذه الأغنية التي خلدت اسم السويس في لحن جميل للملحن إبراهيم رجب وغناء شجي للفنان محمد حمام وأحبها المصريون تقديرا ً للسوايسه وأصاحب أيقونة السويس.

لقد عاش الأبنودى في السويس مع أبنائها وكان محبا لهم متواصلا مع " الكابتن غزالى - محمد الراوى " والشعراء " على الخطيب – محمود الخطيب – عطية عليان – كامل عيد وأبناء السويس المثقفين منهم د. سيد نصير ود. سمير غطاس وعادل درديري حسين العشي مصطفى عبد السلام عبد الحميد كمال محمد الجمل الحاج خليل بدرة والمهندس عادل وصلاح وضياء والأستاذ محمد "عائلة بدرة" في حب وود وتواضع إنسانى جميل متواصلا مع المعلم " يحى عارف " وشهدت مكتبة الكابتن غزالى " ودكانه القديم " ونادي النصر للبترول وندوة الكلمة الجديده في النادي الاجتماعى أمسيات ثقافية ساخنة في الحديث عن حب الوطن والفنان العزيز الجميل "عربى بوف" الخال الذي غنى للأبنودي.

" والله لبكره يطلع النهار يا خال وتبقى الدنيا عال والشمس تيجى من ورا الجبال يا خال.. بحلم يا خال بيوم معدول يفرش ضياه على الفلاحين يملا صوامعهم غلال ويبيض العجين ".

وحين كان يتذكر الأبنودى عربى بوف في أعماله الجميلة في عيد الشرطة ونصر أكتوبر وصمود السويس كان يتحدث بحب عن العربي بوف بل عن السويس كلها.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق