في ذكرى رحيله.. حيدر حيدر انتقد سيطرة الخمول على الذهن العربي

البوابة نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

شعر الروائي والمفكر السوري الراحل حيدر حيدر (1936-2023) بحسرة بالغة للحالة التي وصل إليها المواطن السوري بعد مرور بلاده بحرب أهلية طاحنة انتهت بسقوط نظام الرئيس بشار الأسد في أواخر العام الماضي، هذه الأزمة جعلت "حيدر" في حيرة، بين المضي قدما في لمطالبة بالتغيير والتنوير والحراك الثقافي، والتقدم نحو إعلاء سلطة العقل، وتحرير الشعوب العربية وافتكاك قيودها، أم الانشغال بحال المواطن السوري الذي يعيش حياة صعبة للغاية يفتقد فيها المسكن والطعام، يعيش حياة غير آدمية يفتقد فيها كل المقومات الأساسية للحياة.

حيدر، الذي رحل في 5 مايو لعام 2023، انتقد سيطرة حالة من الخمول على الذهن العربي نتيجة تفسير النصوص القديمة بمنهج مثالي مُعادٍ للاجتهاد العقلي والمنهج المادي التاريخي، وهو ما ساعد على انتصار الفكر الرجعي المدعوم، حيث طغت ثقافة رجعية ارتدادية محورها تمجيد الماضي المقدس.

أوراق المنفى

في كتابه "أوراق المنفى"، أشار "حيدر" إلى الممارسات السيئة التي وقعت تحت عين السلطة السياسية في العصور القديمة نتيجة الجمود وصعود التيارات العدائية للعقل، قائلا: "إن محاكمة غيلان الدمشقي المعتزلي وصلبه، ثم إبادة المعتزلة كفرقة كلامية عقلية على يد المتوكل، ومحاكمة الحلاج وصلبه، والتنكيل بأتباعه، وإحراق كتب ابن رشد في ساحات قرطبة ومقتل السهروردي وقافلة شهداء العقل والحرية في عصور الظلام والانحطاط، ومن ثم ضرب وسحق الحركات الثورية كالمعتزلة اتخذت كسيرورة تاريخية، في إطار هذا السياق المضاد لصعود العقل ونقد المطلق جاءت محاكمة طه حسين وعلي عبدالرازق وغيرهما.

احتدام الصراع بين تيار الجمود وتيار العقل، ذكره "حيدر" بأنه محكوم بسيف مسنون سينتهي بالقضاء على الرجعية، مؤكدا أنه "بين خندق التقدم وخندق الرجعية سيف مسنون لا تزيده المحن والصراعات إلا شحذا ومضاء، وهذا السيف لن يغمد إلا بعد أن يغرز في قلب الرجعية، لن يغمد إلا بعد أن تجري مراسيم دفن العالم القديم، ما دام هناك شعب لن يركع ولأن التاريخ يرفض العودة إلى الوراء". وهكذا يتضح من كلماته مدى احتدام الصراع بين الفريقين، ومدى انحيازه للتيار العقلاني، واصفا الفريق الآخر بأنه "اتجاه ثقافي يحاول دمج الماضي السحيق بالحاضر الذي يطرح مسائل عصرية هي في أساسها الفكري متعارضة جوهريًا مع الفكر السلفي أو منفصلة عنه تاريخيا ونفسيا".

العودة إلى الكهوف

تخوَّف "حيدر" من مجموعة من المثقفين سماهم بـ"التراثيين"، لا يؤمنون بأن لكل كاتب أسلوبه المتغير والمتطور والمناسب للزمن، ويطالبون بالعودة لأسلوب الكتابة العربية القديمة الذي يشبه أسلوب ألف ليلة وليلة ومقامات بديع الزمان، وكتابة ابن إياس الحنفي في بدائعه. ويعتقد أن لكل كاتب في مجالات الإبداع أسلوبه، لأنه اختيار ثقافي شخصي تبلوره التجربة والمعرفة والدأب والتمثل اللغوي على مدى سنوات مغامرة الإبداع الصعبة والسعيدة. 

أما الاتجاه الآخر الذي يحاول سجن الأسلوب العربي الحديث في كتب القدماء، يدافع عن نفسه بأنه التيار الواقف أمام التغريب والاستعمار، ويغلف مقولاته بشعارات مثل "الأصالة" و"العودة إلى النبع" و"الحفاظ على المقدس من لغة وميراث الأجداد" و"مكافحة الجرثوم الاستعماري الحديث الزاحف لتدمير لغتنا العظيمة". 

لمثل هذا الاتجاه الذي يدعونا للماضي، وهو شبيه بدعوات الجماعات التي لا ترى مستقبلا دون الرجوع للماضي الذي تضفي عليه "القداسة"، له عدة مخاطر منها: الوقوع في فرضية لا تاريخية ترى في اللغة العربية كائنا ميثولوجيا انتهى تشكلها عبر الحقب، فعادت عصية على التطور وغير قادرة على النمو والظهور بأشكال جديدة تستوعب معان جديدة في حين أن نظرة تبسيطية مدرسية تشير إلى الطاقة المذهلة للغة العربية على تطور ونمو أساليبها منذ عصر التدوين حتى يومنا الراهن.

ومن المخاطر التي يضيفها "حيدر"، عدم الانتباه المعرفي لتطور ونمو الثقافة العربية عبر مراحل القرن العشرين، وهذا التطور أساس في بداية تبلور شخصية الإنسان والمجتمع العربي داخل ميكانيزمات الانتقال من المراحل البدائية والرعوية والزراعية والريفية إلى المراحل المدنية والصناعية والتجارية، مرفقة بتحديات ضرورة التقدم واكتساب المعارف ومواجهة الأعداء في التقنية والعلوم والحروب والسباق الثقافي.

مؤكدا في النهاية، أن العودة الأسلوبية إلى الزمان القديم والكتابة بلغة الأجداد يمكن أن تأتي تضمينا داخل الأسلوب الحديث، وليست عودة حرفية إلى تقليد عفا عليه الزمن، وسُجِّل في أرشيف التاريخ، وإلا فنحن بصدد انكفاء سياسي حضاري سيعيدنا إلى كهوف التاريخ في عصر المدن والكتل والتقنية والانفجارات النووية وغزو الفضاء.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق