يُعدّ تصدير الهيدروجين المسال خطوة على طريق وضع سلطنة عمان في طليعة مشهد الطاقة النظيفة عالميًا، ولا سيما بعد توقيعها اتفاقية نوعية لتطوير أول ممر تجاري في العالم يربطها مع أوروبا.
ويعكس هذا المشروع العملاق رؤية السلطنة في ترسيخ دورها بصفتها مصدرًا موثوقًا للطاقة المتجددة وشريكًا رئيسًا لأوروبا في مسار التحول نحو الحياد الكربوني.
ووضعت السلطنة هدفًا يتمثل في إنتاج 1.25 مليون طن سنويًا بحلول عام 2030، مدعومة باستثمارات ضخمة تصل إلى 49 مليار دولار، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن).
إلّا أن آراء الخبراء تباينت حول الجدوى الاقتصادية لتصدير الهيدروجين المسال ما بين مؤيد ومعارض، إذا ما يزال بعضهم يعتقد أن نقل الهيدروجين عبر أنابيب الغاز هو الخيار الأفضل، ولا سيما في ظل تمتُّع عمان ببُنية تحتية قوية.
تطور إستراتيجي
أكد عضو مجلس إدارة الجمعية الدولية لطاقة الهيدروجين بالولايات المتحدة، الدكتور حسام الناظر، أن مبادرة سلطنة عمان لإنشاء أول ممر عالمي لتصدير الهيدروجين السائل تمثّل تطورًا إستراتيجيًا نوعيًا في خريطة الطاقة العالمية.
ومن الناحية التقنية، أوضح الناظر أن المشروع يعكس تحولًا من مرحلة المبادرات النظرية إلى التنفيذ العملي الفعلي، خاصة أن سلسلة التوريد المقترحة تمتد من الإنتاج المحلي للهيدروجين الأخضر في الدقم إلى مراكز التوزيع في أوروبا عبر ميناء أمستردام ودويسبورغ، ما يعكس تكاملًا لوجستيًا عابرًا للقارات.
ولفت إلى أن المشروع يعتمد على الهيدروجين السائل، مشيرًا إلى أنه يمثّل أحد الأشكال الأكثر كفاءة للتخزين والنقل مقارنًة بالضغط العالي أو الأمونيا، رغم تعقيداته الهندسية وتكاليفه العالية نتيجة الحاجة إلى تبريده إلى -253 درجة مئوية.
لكن في المقابل، فإن هذا الشكل يسمح بالتصدير بكميات كبيرة إلى أسواق غير مرتبطة بأنابيب نقل مباشرة، ولا سيما في شمال غرب أوروبا، حيث تتزايد الحاجة إلى مصادر طاقة نظيفة ومنخفضة الكربون.
فرص نجاح تصدير الهيدروجين المسال
قال الناظر -في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة المتخصصة–، إن فرص نجاح مشروع تصدير الهيدروجين المسال ترتبط بعدّة عوامل، أبرزها قدرة عمان على الحفاظ على أسعار تنافسية للهيدروجين عبر طاقتي الشمس والرياح.
وأضاف أن نجاح هذه الخطوة يرتبط -كذلك- بالقدرة على تحقيق المرونة التقنية في الشحن والتفريغ باستعمال ناقلات متخصصة، ودعم الجهات الأوروبية لهذا النوع من الاستيراد بصفته جزءًا من إستراتيجيتها لتحقيق الحياد الكربوني.
وحول الجدوى الاقتصادية لتصدير الهيدروجين السائل في ناقلات متخصصة أو عبر أنابيب الغاز، أوضح الناظر أن تحديد هذا الأمر لا يمكن أن يحصل بمعزل عن المسافة، وحجم الطلب، والبنية التحتية الحالية.
وتابعَ أن النقل عبر أنابيب الغاز -من منظور شامل- يحقق جدوى اقتصادية أكبر على المدى الطويل، ولا سيما إذا كانت الأنابيب مخصصة أو معدّلة تقنيًا لنقل الهيدروجين، غير أن هذا الحل مناسب فقط للتبادل الإقليمي، مثل العلاقات بين دول أوروبية متجاورة، أو عبر أنابيب بحرية قصيرة.
واستطرد قائلًا، إن نقل الهيدروجين السائل في ناقلات بحرية يتطلب استثمارًا أوليًا مرتفعًا جدًا في البنية التحتية الخاصة بالتبريد، وخزانات مزدوجة الجدران، وأنظمة أمان عالية الحساسية، ولكنه يسمح بتصدير كميات كبيرة إلى أسواق بعيدة مع تقليل الفواقد المرتبطة بضغط الهيدروجين.
وعلى هذا الأساس، أكد الناظر أن عمان قد اختارت خيارًا مناسبًا من الناحيتين الإستراتيجية والتقنية، بالنظر إلى بُعدها الجغرافي عن السوق الأوروبية وغياب بُنية أنابيب تربطها به.
إمكانات ضخمة
أشار الدكتور حسام الناظر إلى أن هناك دولًا عربية يمكنها أن تحذو حذو سلطنة عمان في التصدير؛ نظرًا لتمتُّعها بإمكانات هائلة، شريطة تكامل 3 عناصر لضمان التصدير الفاعل للهيدروجين، وهي:
1- القدرة الإنتاجية من المصادر المتجددة:
أوضح الناظر أن مصر -على سبيل المثال- تتمتع بموقع إستراتيجي وتنوّع في مصادر الطاقة المتجددة، إلى جانب وجود مناطق صناعية مثل العين السخنة وجنوب سيناء يمكنها أن تحتضن مشروعات خضراء ضخمة.
كما تمتلك السعودية مساحات شاسعة ومشروعات ضخمة مثل "نيوم"، وتستهدف إنتاج هيدروجين من طاقة شمسية وحرارية مركّزة.
2- البنية التحتية للتصدير:
اقترح الناظر إنشاء موانٍ مجهزة بناقلات تبريد عميق، ومرافق لتحويل الهيدروجين إلى مشتقاته،الا مثل الأمونيا.
3- اتفاقيات مع الأسواق المستهدفة:
أشار الدكتور حسام الناظر إلى أن التكامل مع الأسواق الأوروبية من خلال اتفاقيات إستراتيجية يضمن الاستقرار التجاري، ويشجع على بناء سلسلة توريد طويلة الأمد.
وأكد أن هناك دولًا عربية -مثل مصر والسعودية والإمارات- تمتلك كل الإمكانات اللازمة لإنتاج وتصدير الهيدروجين الأخضر، لكن سلطنة عمان هي الوحيدة التي بدأت بتنفيذ سلسلة مكتملة للتصدير المباشر على شكل هيدروجين سائل؛ ما يجعلها رائدة في هذا المسار.
وتدرس دول أخرى -أيضًا- استعمال الهيدروجين السائل، بما في ذلك مصر والإمارات العربية المتحدة.
بنية تحتية ملائمة
يرى المؤسس الرئيس التنفيذي لمنصة هيدروجين إنتلجينس (المعنية باستشارات سوق الهيدروجين في أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط)، المهندس أسامة فوزي جورجي، أن الهيدروجين المسال لن يحقق الجدوى الاقتصادية المطلوبة.
ولفت جورجي -في تصريحاته إلى منصة الطاقة المتخصصة- إلى أن تسييل الهيدروجين لا بد أن يجري في درجة حرارة -253 درجة مئوية، موضحًا أنه بتحوله من الحالة الغازية إلى الحالة السائلة يفقد كمية كبيرة من الطاقة تصل إلى نحو 40%.
وأشار إلى أن هذا الفقد يمكن أن يحدث في مراكز التخزين في ميناء الدقم وميناء ظفار، كما يحدث عند الشحن على الممر الملاحي المائي من ميناء الدقم وظفار حتى ميناء أمستردام في هولندا.
واقترح جورجي لحلّ أزمة الفقد الكبير في طاقة الهيدروجين عند تسييله، تحويل غاز الهيدروجين إلى الأمونيا، ولا سيما أن سلطنة عمان لديها إمكانات ضخمة للغاية في إنتاج الأمونيا الرمادية.
وأضاف أنه كان من الأجدى والأوْلى في ظل وجود بنية تحتية ممتازة في سلطنة عمان أن تلجأ إلى تحويل الهيدروجين إلى أمونيا خضراء من السهل للغاية شحنها بالمراكب للممر الملاحي المزمع إنشاؤه في ميناء الدقم.
استهداف الأسواق الأوروبية
توقّع المؤسس الرئيس التنفيذي لمنصة هيدروجين إنتلجينس أن تنتج سلطنة عمان 1.25 مليون طن هيدروجين المُعلنة بحلول عام 2030، من خلال إنشاء 6 مشروعات، على أن يُنتج كل مشروع 200 ألف طن سنويًا، وتتراوح تكلفته 7 و8 مليار دولار.
وعبّر عن دهشته من إعلان سلطنة عمان استهدافها الأسواق الأوروبية، في حين إن هناك فرصًا ضخمة لسلطنة عمان والإمارات والسعودية وقطر للتصدير لدول جنوب شرق آسيا، وخاصة سنغافورة وفيتنام وكوريا الجنوبية واليابان.
ولفت إلى أن هذه الدول في أمسّ الحاجة إلى الهيدروجين الأخضر، كما تتميز بقرب الموقع الجغرافي، مما يتيح فرصًا أكبر.
واقترح أن تدخل سلطنة عمان في منافسة في السعر مع دول شمال أفريقيا مثل المغرب وموريتانيا ومصر والجزائر وتونس، متوقعًا أن يستغرق تنفيذ خزانات التخزين في مواني سلطنة عمان أكثر من 5 أعوام.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
0 تعليق