الأربعاء 07 مايو 2025
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
بوابة العرب

أكد الدكتور جهاد أبولحية أستاذ القانون والنظم السياسية الفلسطينى أن الوضع فى قطاع غزة كارثى بكل المقاييس، بل يمكن القول إنه يمثل جريمة إبادة جماعية مستمرة منذ أكثر من عام ونصف.
وقال فى حواره لـ "البوابة"، إن غزة تعانى من دمار شبه كامل للبنية التحتية والسكنية والخدماتية، مشيرًا إلى أن النظام الصحى يواجه الانهيار التام ، وغياب للغذاء والماء والكهرباء، وأنه لم تعد هناك أدنى مقومات للحياة، ومع ذلك، تواصل إسرائيل إغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات منذ أكثر من شهرين. والى نص الحوار..
■ ما الوضع الإنسانى فى قطاع غزة الآن؟
-الوضع فى قطاع غزة كارثى فى ظل مواصلة إسرائيل إغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات منذ أكثر من شهرين. فاليوم، بات رغيف الخبز حلمًا يوميًا لملايين الفلسطينيين فى غزة، فى مشهد يُجسّد المجاعة والحرمان. وهذه الأوضاع تُعد انتهاكًا صريحًا لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لعام ١٩٤٨ (المادة ٢)، وكذلك لاتفاقية جنيف الرابعة، لا سيما المواد (٣٣)، (٥٥) و(٥٦)، التى تفرض على قوة الاحتلال التزامًا بتوفير احتياجات السكان المدنيين.
■ إسرائيل تواصل جرائمها ضد الإنسانية، كيف يمكن إيقاف ذلك؟
-ما تمارسه إسرائيل فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، وخصوصًا فى قطاع غزة، يرقى بوضوح إلى مستوى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية، كما تُعرفها المواد (٧) و(٨) من نظام روما الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية، ووفقًا لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لعام ١٩٤٨.
تشمل هذه الجرائم الإبادة الجماعية، التهجير القسري، القتل العمد، الاستهداف الممنهج للبنية التحتية المدنية، ومنع إدخال الغذاء والدواء، وهى ممارسات تُشكّل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولى الإنساني.اليوم، هناك قضايا منظورة أمام كل من المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية تتعلق بالعدوان الإسرائيلى على غزة، وتُشكّل فرصة قانونية تاريخية لمحاسبة المسئولين الإسرائيليين. ومن هنا، فإن تسريع الإجراءات القانونية والبدء بمحاكمة المسئولين عن هذه الجرائم أمر ملحّ، ويقع على عاتق الدول الأطراف فى نظام روما الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية واجب التعاون الكامل مع المحكمة، وعدم التستر على الجناة أو السماح لهم بالتهرب من العدالة؛ بل أكثر من ذلك، تشن إسرائيل بدعم من الولايات المتحدة حربًا سياسية وقانونية ضد المحكمة الجنائية الدولية وقضاتها، وصلت إلى حدّ التهديد العلنى بفرض عقوبات عليهم، فى انتهاك مباشر لاستقلال القضاء الدولي.
هذا التصعيد يعكس الخوف من المساءلة، ويضع تحديًا خطيرًا أمام المجتمع الدولي.وعليه، فإن على المحكمة الجنائية الدولية أن ترفض الخضوع لأى ابتزاز أو ضغوط، وأن تُمارس ولايتها القضائية كاملة دون تردد.وعلى الدول الموقعة على ميثاق روما أن تدعم المحكمة علنًا، ماليًا وسياسيًا، وتُساندها فى تنفيذ أوامر القبض الدولية التى قد تصدر لاحقًا.
كما أن على الشعوب الحرة مواصلة الضغط من خلال حركات المقاطعة الدولية (BDS)، والدفع باتجاه فرض عقوبات حقيقية على الاحتلال، والتشهير بكل دولة أو مؤسسة تتواطأ مع هذه الجرائم أو تحاول تعطيل المحاسبة الدولية.
■ كيف تقيّم الوضع السياسى الفلسطينى فى ظل الانقسام الداخلي؟ وهل هناك أفق حقيقى للمصالحة؟
-الوضع السياسى الفلسطينى ما زال يعانى من انقسام عميق بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو ما أضعف قدرة الفلسطينيين على مواجهة الاحتلال وتوحيد القرار السياسي، لقد كان وما زال الانقسام هو نكبة حلت على شعبنا وقضيتنا واستفاد منه الاحتلال الإسرائيلى بشكل كبير لتحقيق أهدافه.ولا يمكن الحديث عن أفق مصالحة حقيقى دون إرادة سياسية وطنية تتجاوز الحسابات الفصائلية الضيقة.
مصير الهدنة
■ من يماطل فى المفاوضات حول الهدنة: إسرائيل أم حماس؟
-الطرف الإسرائيلى هو من يُماطل بشكل منهجى فى مفاوضات التهدئة. فهو يربط الهدنة بشروط غير واقعية، ويركز على استعادة الأسرى الإسرائيليين دون التزام حقيقى بوقف حرب الإبادة أو رفع الحصار عن غزة.
فى المقابل، أبدت حماس مرونة سياسية وقبولًا بتفاهمات تتضمن وقف إطلاق النار، رفع الحصار، والبدء بإعمار القطاع، لكن إسرائيل تواصل استخدام المفاوضات لكسب الوقت وتحقيق أهداف عسكرية على الأرض، إضافة إلى استخدام نتنياهو استمرار الحرب من أجل أهداف شخصية وسياسية خاصة به وبائتلافه.
■ هل حقق السابع من أكتوبر مكاسب للقضية الفلسطينية؟
-ما حدث فى السابع من أكتوبر لا يمكن فصله عن السياق الطويل من القهر والظلم الواقع على الشعب الفلسطيني.
المحاولة الإسرائيلية لحصر المأساة فى هذا التاريخ تغفل حقيقة أن الاحتلال هو الجذر الحقيقى للصراع. القضية الفلسطينية تعانى منذ أكثر من ٧٥ عامًا، وجرائم الاحتلال لم تبدأ فى أكتوبر، بل سبقتها مجازر وحصار وتهجير. هذه القراءة المشوهة تهدف لتغييب السياق التاريخى والسياسي، وتحويل الضحية إلى جانٍ. المقاومة الفلسطينية، التى كفلها القانون الدولي، خاصة المادة (١) من العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، هى حق مشروع لشعب يرزح تحت الاحتلال، ولا يمكن فهم أى تصعيد إلا ضمن هذا الإطار.
■ ما دور حماس فى مستقبل القيادة الفلسطينية؟
-بغض النظر عن التباينات السياسية، فإن حماس جزء من النسيج الوطنى الفلسطيني، وتملك قاعدة جماهيرية لا يمكن تجاوزها. ومؤخرًا، أعلنت الحركة استعدادها للتخلى عن إدارة قطاع غزة، وأكدت للوسيطين المصرى والقطرى رغبتها فى إنهاء حالة الانقسام. وعلى حماس أن تُترجم هذه التصريحات إلى خطوات عملية، تنسجم مع الإجماع الوطني، وضمن قرار فلسطينى جمعى يضمن الشراكة فى إطار منظمة التحرير الفلسطينية بعد إعادة هيكلتها.
وفى المقابل، مطلوب من السلطة والفصائل تحمل مسئولياتهم التاريخية فى قيادة جهد جاد لإعادة بناء البيت الفلسطينى على أسس ديمقراطية وتشاركية، وليس إبقاء الوضع على ما هو عليه.
الموقف المصري
■ كيف ترى موقف مصر من القضية الفلسطينية؟
-مصر تُعتبر تاريخيًا ركيزة أساسية فى دعم القضية الفلسطينية، ليس فقط من منطلق الجوار الجغرافي، بل من منطلق قومى واستراتيجي.
لطالما لعبت القاهرة دورًا محوريًا فى مختلف المراحل، وكانت دائمًا من أوائل الأطراف التى تسعى لاحتواء التوترات، والتدخل لوقف العدوان الإسرائيلى على الشعب الفلسطيني.وقد نجحت فى أكثر من مرة، قبل السابع من أكتوبر، فى التوسط لوقف إطلاق النار ومنع تصعيد العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة.
وقبل اندلاع المواجهات الأخيرة، كانت مصر تحذر فى مختلف المحافل السياسية والدبلوماسية من خطورة استمرار الانتهاكات الإسرائيلية والاقتحامات للمقدسات، خصوصًا فى القدس، والتنكر لحقوق الفلسطينيين، وكانت تنبّه بوضوح إلى أن الأوضاع على وشك الانفجار، لكن للأسف لم تُصغِ القوى الدولية إلى هذه التحذيرات، وحدث ما كانت تحذر منه. وفى أعقاب السابع من أكتوبر، برز الدور السياسى للرئيس عبد الفتاح السيسى بشكل لافت، حيث قاد جهودًا متواصلة على مدار أكثر من عام ونصف لوقف الحرب، شملت استضافة مؤتمرات إقليمية ودولية، واتصالات دبلوماسية مكثفة مع القوى الكبرى، بالإضافة إلى لقاءات مع ممثلى الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.
والخارجية المصرية بدورها لعبت دورًا نشطًا فى مجلس الأمن، والجمعية العامة، وفى تحشيد المواقف الرافضة لاستمرار العدوان، كما عملت على دعم جهود المحكمة الجنائية الدولية فى محاسبة مجرمى الحرب.
وعلى المستوى الإنساني، تولّت مصر مسئولية إدخال المساعدات الإنسانية عبر معبر رفح، رغم كل التحديات والضغوط، وبذلت جهودًا كبيرة لتسهيل نقل الجرحى، والمصابين، واستقبال اللاجئين الفلسطينيين للعلاج فى مستشفياتها.كذلك كان للمنظمات الأهلية والإنسانية المصرية دور كبير فى حشد الدعم المادى والطبي، وتوفير المساعدات العاجلة لأهل غزة، رغم تعقيدات الحصار.
أما الإعلام المصري، فكان فى الخطوط الأمامية لكشف جرائم الاحتلال، حيث لعبت القنوات والصحف المصرية دورًا مهمًا فى نقل صورة المعاناة، وفضح الانتهاكات الإسرائيلية، وساهمت فى كسر الحصار الإعلامى الذى سعت إسرائيل إلى فرضه.
ولا يمكن إغفال الموقف الشعبى المصري، الذى كان دائمًا فى طليعة المدافعين عن القضية الفلسطينية. فالشعب المصري، بكل أطيافه، أظهر تضامنًا واسعًا، من خلال المظاهرات، وحملات التبرع، والمواقف الراسخة الرافضة للتطبيع، والمؤمنة بأن فلسطين قضية وطنية بامتياز، لا تخص الفلسطينيين وحدهم، بل كل العرب. كل ما سبق يؤكد أن مصر، شعبًا وقيادة ومؤسسات، ما زالت تلعب دورًا حيويًا فى حماية القضية الفلسطينية، والدفاع عنها، والمساهمة فى إسناد شعبنا سياسيًا وإنسانيًا وإعلاميًا، وهو دور يتطلب المزيد من الدعم العربى والدولى لاستمراره وتطويره.
سيناريوهات مستقبلية
■ ما السيناريو المتوقع لنهاية الاحتلال؟
-كل شعب تحت الاحتلال رأى نهاية هذا الاحتلال بتحقيق الاستقلال وقيام الدولة، وهذا هو السيناريو ليس مستثنى منه شعبنا الفلسطيني.والاحتلال الإسرائيلي، بطبيعته الاستيطانية والعنصرية، لن ينتهى طوعًا، بل من خلال تراكم أدوات المقاومة السياسية والشعبية والميدانية، وتعزيز الحراك الدولى الداعم للحقوق الفلسطينية.
والسيناريو الأقرب هو استمرار المواجهة حتى تتغير موازين القوى، إما داخليًا بانهيارات داخل إسرائيل، أو خارجيًا بفعل عزلة دولية متزايدة. الرهان اليوم يجب أن يكون على بناء مشروع وطنى مقاوم وموحد، يجمع الشعب الفلسطينى فى الداخل والخارج، ويعزز الصمود الشعبى والسياسي.
■ كيف تقيّم دور الإعلام الفلسطينى والعربى فى دعم القضية؟ وهل هناك تقصير؟
-الإعلام الفلسطينى لعب دورًا مهمًا فى فضح جرائم الاحتلال، حيث قدم الإعلام والصحافة مئات الشهداء من أجل هدف سام وهو نقل الصورة المؤلمة لأهلهم وذويهم وهم يقتلون فى مشاهد مؤلمة لم تر البشرية بشاعة مثلها، الصحفيون الفلسطينيون هم أبطال حقيقيون بإمكانات بدائية يحملون على عاتقهم فضح هذا الاحتلال المجرم ووحشيته.
أما الإعلام العربي، ففيه من يقف بصدق إلى جانب فلسطين ويعمل بدور كبير، وفيه من لم يقم بالدور الذى يجب أن يقوم به مع الأسف الشديد.
هناك تقصير واضح فى تغطية الجرائم المستمرة وتحديدا فيما يحدث حاليا فى غزة ، حيث لم تعد غزة على سلم الإعلام العربى كما كانت أول ايام حرب الإبادة وباتت فقرة من فقرات نشرات الأخبار لبعض الثوانى فقط.
■ ما تقييمكم لدور المجتمع الدولى فى دعم حقوق الشعب الفلسطيني؟ وهل هناك تغيير فى المواقف؟
-الدور الرسمى للمجتمع الدولى لا يزال خاضعًا لمعايير مزدوجة بشكل غير لائق إطلاقاً، تُدين الضحية وتبرر للمحتل ،بل أراه متواطئا فى جريمة الإبادة الجماعية ضد شعبنا الفلسطينى فى قطاع غزة.
لكن فى المقابل، هناك تحولات مهمة على مستوى الشعوب، والحركات الحقوقية، والنقابات، والجامعات، خصوصًا فى أوروبا وأمريكا الشمالية.وهذه التغيرات يجب أن تُستثمر فى خلق شبكات ضغط مستمرة. ونلاحظ اليوم أن الرأى العام العالمى أصبح أكثر وعيًا بعدالة القضية الفلسطينية، وهو ما يجب تعزيزه بالعمل القانونى والإعلامى والدبلوماسى الشعبي.
■ هل تعتقد أن الحل السياسى ما زال ممكنًا فى ظل الحكومة الإسرائيلية الحالية؟
-الحكومة الإسرائيلية الحالية، برئاسة قوى يمينية دينية متطرفة، لا تؤمن أصلًا بحل الدولتين، ولا بحقوق الفلسطينيين.
بل تمضى فى مشروع الضم والتطهير العرقي، وتوسيع الاستيطان. وبالتالي، لا يمكن الرهان على مفاوضات مع طرف لا يعترف بوجودك أصلًا.
■ ما الدور الحقيقى الذى يجب أن تلعبه الجاليات الفلسطينية فى الخارج؟
-الجاليات الفلسطينية والعربية والمناصرة للحق الفلسطينى تملك تأثيرًا كبيرًا يجب تنظيمه بشكل منظم بما يخدم القضية الفلسطينية فى الخارج والمحافل الدولية، والعمل على خلق لوبيات سياسية وإعلامية وقانونية.
كذلك يمكن للجاليات أن تساهم فى توثيق الجرائم الإسرائيلية، ورفع الدعاوى القضائية، وتنظيم حملات المقاطعة، وهى أدوات فعالة ومطلوبة فى هذا الصراع الطويل.
■ كيف ترون تأثير مواقع التواصل الاجتماعى على نضال الشعب الفلسطيني؟ وهل ترونها سلاحًا ذا حدين؟
-وسائل التواصل الاجتماعى أصبحت ساحة رئيسية للنضال الإعلامي، نقلت الرواية الفلسطينية إلى العالم وفضحت الرواية الإسرائيلية وتحديداً خلال العام ونصف حيث فضحت إسرائيل المجرمة بشكل علنى ونقلت صورتها الحقيقية للعالم وهذا ما لم يكن مسموحا به من قبل وذلك لسيطرة إسرائيل وداعميها على وسائل الإعلام التقليدية بطريقة أو بأخرى.
لكنه يجب التأكيد على أنه تُستخدم أحيانًا فى تشويه الحقائق، واختراق الصفوف، وبث الإحباط أو الانقسام. لذا، يجب التعامل معها بحذر ومهنية، وتدريب الكوادر الإعلامية الفلسطينية والعربية والمناصرة للحق الفلسطينى على استخدامها بشكل استراتيجى يخدم القضية ويوحّد الرسالة.
تحديات
■ ما التحديات التى تواجه القيادة الفلسطينية فى التعامل مع الانقسام الجغرافى والسياسي؟
-أبرز التحديات تكمن فى غياب الإرادة السياسية الصادقة، واحتكار القرار، وتغليب المصلحة الفصائلية على الوطنية.
الانقسام الجغرافى بين غزة والضفة خلق بيئتين متناقضتين سياسيًا وإداريًا.إضافة لذلك، هناك قصور كبير من جانب القيادة الرسمية، التى لم تبادر بجهد حقيقى لاحتواء الانقسام رغم امتلاكها الأدوات لذلك.
والمطلوب اليوم هو تجديد الشرعيات عبر الانتخابات، وتوحيد المؤسسات، والعمل على مشروع وطنى جامع يتجاوز الفصائلية.
0 تعليق