مع دنو فترة الامتحانات الإشهادية، يشهد سوق “الساعات الإضافية” رواجا منقطع النظير وانتعاشا كبيرا، إذ يُقبل التلاميذ على ساعات الدعم بشكل فردي أو جماعي بحثا عن تعزيز الفهم وتثبيت مكتسباتهم وتدارك النقص في التحصيل.
تطبيع مجتمعي
تلجأ الأسر المغربية بشكل لافت للأنظار إلى الساعات المؤدى عنها لأبنائها، سواء داخل مراكز خاصة أو بالمنازل والبيوت حتى صارت هذه الظاهرة تشكل جزءا لا يتجزأ من استعدادات التلاميذ؛ غير أن الملاحظ هو أن اللجوء إلى الساعات الإضافية لم يعد حكرا على التلاميذ الذين يتابعون تعليمهم في المدارس الخاصة، بل امتد ليطال الأسر التي يدرس أبناؤها بالمؤسسات العمومية. كما لا يقتصر هذا الإقبال على الأسر الميسورة والمتوسطة؛ بل يشمل أيضا الأسر الفقيرة أيضا التي أصبحت تكابد من أجل لقمة العيش.
وسجل مختصون تربويون أن هناك تطبيعا من قبل المجتمع مع ظاهرة الدعم التربوي؛ مما يجعل التلاميذ يعولون على هذا النوع من الدعم أكثر من تركيزهم التحصيل داخل حجرات الدرس.
وأرجع هؤلاء المختصون هذا الوضع إلى تدني أو ضعف العملية التعليمية داخل أسوار الحجرات وفصول الدراسة، وعوامل أخرى متعلقة بالتلميذ نفسه.
سيف ذو حدين
جبير مجاهد، خبير تربوي، اعتبر الإقبال على الساعات الإضافية بمثابة سيف ذي حدين؛ فعلاوة على ما توفره هذه الساعات من فرص لتعزيز الفهم وتدارك النقائص وتثبيت المدارك والكفايات للتلاميذ الذين يجدون صعوبة في المتابعة خلال الحصص العادية، فإنها أصبحت تشكل عائقا ومشكلا حقيقيا أمام الأسر، بعد تحولها إلى عبء نفسي وبدني على التلميذ، خاصة إذا طغت على وقت الراحة أو المراجعة الذاتية.
وأضاف مجاهد، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن ساعات الدعم أضحت تشكل عبئا ماديا على الآباء وأولياء الأمور، خاصة بالنسبة للأسر ذات الدخل الضعيف والمتوسط، التي تجد نفسها بين مطرقة غلاء الأسعار وضعف تحصيل أبنائها، لا سيما في بعض الحالات التي تُفرض فيها هذه الدروس تحت ضغط الخوف من الفشل والرسوب.
وطالب الخبير التربوي ذاته السلطات المختصة بالتدخل للحيلولة دون فرض هذه الدروس؛ حتى تبقى مسألة اختيارية وبأسعار معقولة، مشيرا إلى ضرورة نشر الوعي في صفوف الأسر والمتمدرسين على حد سواء والتحسيس بهذا المعطى وأن دروس الدعم ليست إلزامية ولا بديلا عن التعليم الرسمي.
ضرب مبدأ تكافؤ الفرص
المصطفى صائن، رئيس الفيدرالية الوطنية المغربية لجمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ، قال إن ظاهرة الدروس الخصوصية المؤدى عنها تنطلق مع بداية كل سنة دراسية من أجل تحضير الفروض وأمل الحصول على معدلات عالية تدعم معدل المراقبة المستمرة في الأقسام النهائية للمستويات التعليمية الثلاثة.
وأضاف صائن، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أنه في بعض الأحيان يتم اللجوء إلى الساعات الإضافية بإيعاز من بعض الأساتذة الذين يستغلون حاجات التلاميذ من أجل تحسين دخلهم وترتفع وتيرة هذه الظاهرة مع اقتراب الامتحانات الإشهادية وتشكل هذه الدروس عبئا إضافيا على ميزانية الأسر، كما تشكل شكلا من أشكال ضرب مبدأ تكافؤ الفرص.
واعتبر المتحدث عينه الظاهرة نتيجة مباشرة لضعف مردودية المدرسة العمومية، والتي تقهقرت نتيجة عوامل عديدة؛ أهمها الهدر الكبير لزمن التعلم في العشرية الأخيرة بسبب كثرة الإضرابات والتوقفات الاضطرارية.
ترافع ومراسيم
وقال رئيس الفيدرالية الوطنية المغربية لجمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ إن هذه الهيئة التي يترأسها ترافعت، منذ تأسيسها، ضد ظاهرة “السوايع الابتزازية” ضمانا لمبدأ تكافؤ الفرص بين التلاميذ وعدم إثقال كاهل أسرهم واستبعادا للممارسات التي تضر بالوضع الاعتباري للأستاذ ورمزيته الأخلاقية.
وفي هذا الصدد، أبرز صائن أن هذا الترافع أدى إلى إصدار المذكرة الوزارية رقم 233 بتاريخ 11 دجنبر 2014، التي تمنع الأساتذة من إعطاء دروس إضافية لتلاميذهم بمقابل مادي تحت طائلة اتخاذ عقوبات تأديبية صارمة في حقهم.
وعلاقة بتنامي هدر الزمن المدرسي بسبب الإضرابات وتوقفات زمن جائحة كوفيد 19، استحضر المتحدث ذاته ترافع الفيدرالية من أجل إقرار دعم تربوي مؤسساتي لتعويض الزمن المهدور.
وفي هذا السياق، أشار صائن إلى أن الحكومة المغربية أصدرت، في غشت 2021، مرسوم الدعم التربوي الذي يمكن الإدارات التربوية بالمؤسسات التعليمية بتنظيم دروس الدعم والتقوية من لدن أساتذة المؤسسة لفائدة تلامذتها مقابل تعويض مالي يصرف من ميزانية الأكاديمية.
0 تعليق