أشاد فاعلون حقوقيون ومدنيون مغاربة بحفاظ المغرب على المرتبة 120 عالميا، من أصل 193 دولة، في مؤشر التنمية البشرية السنوي ضمن تقرير عام 2025 الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، مسجلين أن “التطورات الحاصلة مكنت من تجاوز قيمة مؤشر التنمية البشرية عتبة 0.700، وهو ما يخول للمملكة، للمرة الأولى، الانضمام إلى فئة البلدان ذات التنمية البشرية المرتفعة”، وهذا “معطى إيجابي”.
من جهة أخرى شدد الباحثون على أن “تحقيق التنمية البشرية لا يمكن أن يُختزل في الأرقام والمؤشرات التقنية، بل يجب أن يُقاس بمدى تأثير السياسات العمومية على حياة الناس، وقدرتهم على اتخاذ خيارات حرة وتحقيق ذواتهم في بيئة تضمن الكرامة والعدالة والحرية”، وأبرز أحدهم أن “ما تحقق اليوم ينبغي اعتباره خطوة ضمن مسار طويل يتطلب مراجعة معمقة للمشروع التنموي، وتسريع الانتقال نحو اقتصاد منتج وعادل، وضمان تلازم التنمية مع الحقوق والعدالة الاجتماعية”.
تغيرات ملحوظة
عبد الإله الخضري، رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، شدد على أن “إعلان برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، في تقريره لسنة 2025، عن انتقال المغرب إلى فئة الدول ذات التنمية البشرية المرتفعة، بعد تجاوزه عتبة 0.700 في مؤشر التنمية البشرية، يمكن اعتباره تطورا نسبيا من حيث التصنيف الكمي، على اعتبار أنه يعتمد على الأرقام الرسمية التي يتم تزويده بها، وتهم الأبعاد الثلاثة التعليم والصحة ومستوى المعيشة؛ وهذا التطور قد يؤشر في ظاهره على دينامية تقدم تدريجي في بعض مكونات التنمية بصورة عامة”.
واستدرك الخضري، ضمن تصريحه لجريدة هسبريس، بأن “هذا المؤشر، على أهميته، يستدعي قراءة أكثر عمقًا تأخذ بعين الاعتبار تعقيدات الواقع الاقتصادي والاجتماعي المغربي، وكذلك حدود المؤشر في التعبير عن التحولات النوعية”، موضحا أن “مؤشر التنمية البشرية يعتبر أداة تركيبية تعكس متوسطات وطنية لكنها لا تلتقط الفروقات الجهوية أو الفئوية، فعلى سبيل المثال رغم تحسن بعض المؤشرات كمتوسط العمر المتوقع وعدد سنوات الدراسة إلا أن جودة هذه الخدمات تظل موضع تساؤل”.
وأورد المتحدث ذاته أن “ارتقاء المغرب في سلم التنمية البشرية هو إنجاز يُحسب له، لكنه في الوقت ذاته دعوة إلى تعميق النقاش حول نوعية التنمية وعدالتها”، وزاد: “علينا تجاوز الطابع الكمي لصالح مقاربة شاملة تدمج البعد الحقوقي والإصلاح المؤسساتي في قلب السياسات العمومية”، مردفا: “التعليم العمومي ببلادنا مازال يعاني من أعطاب بنيوية مرتبطة بضعف التكوين، وهشاشة البنيات التحتية، وغياب العدالة المجالية، ما يجعل التحصيل الدراسي دون المستوى المطلوب لضمان اندماج فعلي في سوق الشغل أو في الحياة المدنية”.
ومن الناحية الاقتصادية لفت الحقوقي نفسه إلى أن “التحسن يظهر في مؤشر التنمية البشرية بعض الأثر الإيجابي للسياسات العمومية التي تم تبنيها خلال العقدين الأخيرين، خاصة تلك الموجهة نحو تقليص الفقر وتعزيز الحماية الاجتماعية”، وأورد: “هذا التحسن يخفي في طياته فجوات مجالية وفئوية خطيرة، كما أن نسبة البطالة ارتفعت بوتيرة غير مسبوقة خلال السنوات القليلة الماضية، ما ساهم في اتساع رقعة الفقر على حساب الطبقة المتوسطة”.
تطورات حاسمة
أحمد مزهار، عضو ائتلاف مبادرات المجتمع المدني ورئيس شبكة القرويين للتنمية والحكامة، قال إن “مؤشر التنمية البشرية السنوي الذي منح المغرب الرتبة 120 يتطلب طرح أسئلة بخصوص ما إذا كان الأمر يتعلق بتقدّم فعلي في المؤشرات، أم بتأخر عالمي فيها، بالنظر إلى الأزمات التي شهدها العالم في السنوات الأخيرة، سواء تلك المرتبطة بكوفيد-19، أو بما يحصل في الشرق الأوسط والحرب على قطاع غزة والحرب في أوكرانيا، والتوترات في الصين، والتوتر الحالي في شبه القارة الهندية”.
وأكد مزهار، ضمن تصريحه لجريدة هسبريس الإلكترونية، أنه “بالإضافة إلى ذلك توجد مستجدات دولية واضحة ضمنها الانكماش الاقتصادي في عدد من الدول نتيجة السياسات التي انتهجها الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب”، في “سياق عالمي عرف تصدعات واضحة في سلاسل التجارة العالمية وتعطل أدوار الكثير من المنظمات التي ألقت بظلالها على الوضع العالمي بشكل عام”.
وأضاف المتحدث ذاته: “صحيح أن التقرير يغطي مرحلة ما قبل ترامب، لكن المغرب قام بحزمة من الإجراءات والجهود لتحسين موقعه، خاصة في المجال الصحي من خلال تقليص نسبة الوفيات، وأيضاً في التعليم، حيث سجلت مؤشرات إيجابية عقب إطلاق خارطة الطريق والمدرسة الرائدة، وكذلك على مستوى سوق الشغل”، مشددا على أنه “بالنسبة لارتفاع الأسعار فإن الأمر يصطدم بالواقع، لأن المواطن المغربي يشهد على غلاء واضح في مستوى المعيشة والأسعار، وهو ما قامت بتشخيصه المندوبية السامية للتخطيط في عدة مناسبات”.
0 تعليق