ردود فعل “متباينة” بين مهنيي وفاعلي قطاع الصيد البحري بالمملكة أثارها كشفُ المقرر العام لمجلس المنافسة خلاصاتِ ونتائج تحقيق فتحه سابقاً بشأن وجود محتمل لممارسات منافية للمنافسة في سوق توريد السردين الصناعي، وتأكيدُه “توفر حجج وقرائن تفيد بوجود ممارسات متمثلة في اتفاقات مخالفة لمقتضيات قانون حرية الأسعار والمنافسة بين عدد من الفاعلين في السوق المذكورة”، مع إشارته إلى أن “الاتفاقات التي دامت لمدة 20 سنة كان هدفها تقييد المنافسة في السوق”.
وثمّن عدد من مهنيي الصيد البحري خلاصات التحقيق، غير أنهم أبدوا بعض الملاحظات، حسبما استقته جريدة هسبريس الإلكترونية في تواصلها مع عدد من المهنيين، الذين اتفقوا، في “شبه إجماع”، على “أهمية المقاربة الميدانية ونزول محققي مجلس المنافسة إلى الموانئ، مع مراعاة الخصوصيات المجالية (موانئ الشمال والجنوب)، واستدامة الثروات البحرية في علاقتها بمنطق السوق”.
ويجدر بالذكر أن جريدة هسبريس حاولت استجلاء رأي المعنيين أساسًا بخلاصات “دركي المنافسة” من خلال محاولة التواصل مع رئيسيْ كل من “الجامعة الوطنية لهيئات مهنيي الصيد الساحلي بالمغرب”، و”الاتحاد الوطني لصناعات مُصبرات السمك UNICOP”؛ إلا أن اتصالاتها ظلت “معلقة” بدون جواب.
مهنيون يتفاعلون
أكدت الكونفدرالية الوطنية لتجار السمك بالجملة، على لسان رئيسها عبد اللطيف السعدوني، أهمية ما كشف عنه مجلس المنافسة ضمن الخلاصات المذكورة، غير أنّها دعت إلى “استحضار المقاربة التاريخية وكرونولوجيا شهدها تطور قطاع السمك السطحي، لا سيما صنف السردين الصناعي”.
وقال السعدوني، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية تفاعلًا مع بلاغ مقرر مجلس المنافسة، إن “الكونفدرالية المعنية بتجار السمك بالجملة في الموانئ المغربية ساهمت، من جهتها، في تنوير المجلس بمعطياتها خلال جلسات الإنصات والاستماع التي دُعيت إليها”، مبرزاً أن “النقاش تركّز على نشاط الصيد البحري، خاصة صيد السردين، ومناقشات مطولة حول تحديد الأسعار، حيث لا تمتلك بعض الأطراف علاقة مباشرة بتحديدها”، خاصة بالنسبة لتجار الجملة.
وأضاف أن “الوثائق المرتبطة بالنشاط وطبيعته توجد عند المجهّزين البحريين ومعامل التصبير، فضلا عن فدرالياتها المختصة”، لافتا إلى أن “مجلس المنافسة يجب أن يأخذ بالاعتبار أن المجهّزين البحريين يوقعون كل ثلاث سنوات محضراً لأجل مراجعة الثمن مع معامل التصبير وليس مع تجار بيع السمك بالجملة”.
وتابع قائلا: “فعلاً ثمّة اتفاقاتٌ عُقدت تاريخيًا حول الأسعار تمتد لأكثر من 20 سنة، لكن ليس هناك تواطؤ بين الفاعلين”، خاصة أن تطور الأسعار خاضع لمنطق العرض والطلب في سوق السردين، الذي كان قد قلّ في بعض أسواق المدن المغربية في فترات وسنوات معينة قبل أن يزداد مؤخرا”.
ولفت رئيس الكونفدرالية الوطنية لتجار السمك بالجملة إلى أن “حماية الأسعار من واجب المهنيين لضمان عدم انخفاضها بشكل يؤذي السوق”، مبرزا ضرورة استحضار معطى “التوترات والضغوط التاريخية التي ما زالت تؤثر على صناعة الصيد، خاصة بموانئ معينة في سواحل جنوب المملكة”.
وأوضح أن “المؤسسات الحكومية، مثل مكتب الصيد البحري ووزارة الصيد البحري، تلعب دوراً في حماية المنتَج والسهر على تطبيق الاتفاقيات الموقعة المنظمة لقطاع صيد السردين الموجه للتصبير الصناعي بالأساس”، خاتما تصريحه بالقول إن “معامل التصبير تُعدّ من الأطراف القوية في اتجاهات هذه الصناعة، وقد جرى تدخل لحل النزاعات بين المُجهزين والمعامل لضمان استمرار العمل في القطاع”.
بدوره شدد “الرّايس” عبد القادر التويربي، الكاتب الوطني للنقابة الوطنية لبحارة وربابنة الصيد البحري، على “أهمية أن يراعي عمل مجلس المنافسة إكراهات وصعوبات الوضعية المهنية لعدد من البحارة وربابنة الصيد الساحلي، خصوصا في صنفه التقليدي”.
وقال التويربي لجريدة هسبريس إن “قطاع السردين الصناعي كان قد شهد ارتفاعا في الأسعار نتيجة تراجع الطلب المسجل على هذا الصنف من الأسماك في عدد من أسواق المدن في فترة معينة خلال العشرين سنةً الأخيرة”.
وأكد الفاعل المهني فكرة “خضوع مجال صيد السردين، سواء الموجه للاستهلاك أو لمعامل التصبير (الصناعي)، لاتفاقيات من حيث حجم المصطادات والمفرغات بالموانئ وعبر البواخر”، قبل أن يستدرك قائلا: “لكن النظرة الميدانية للموضوع من طرف مجلس المنافسة كانت من الممكن أن تضيءَ جوانب أخرى في قطاع ما زال يعاني إكراهات غلاء تكاليف الغازوال المخصص لرحلات الصيد البحري وغيرها من التحديات”.
اختلافات جغرافية قائمة
لحسن السعدي، ربّان بحري بميناء آسفي يشغل منصب الكاتب العام للكونفدرالية الوطنية للدفاع عن حقوق البحارة، ثمّن خطوة “تحرّك تحقيق المجلس بناءً على صلاحياته الدستورية والمادتين 12 و29 من قانون حرية الأسعار والمنافسة”، قبل أن يضيف مستغربا أن “المجلس كان مطالباً بأن يفتح التحقيق منذ سنوات خلت رغم المشاكل الموجودة، خاصة أن المنافسة في الأسعار متوقفة من موانئ أكادير إلى الجنوب، والأسعار كانت محدَّدة مسبقاً”.
وتوقف المهني ذاته، في حديثه لجريدة هسبريس، عند “وجود اختلافات في نظام الدلالة بميناء مدينة آسفي مقارنة بالمناطق الأخرى”، شارحا في هذا السياق “كيفية الاختلافات القائمة”؛ حيث يتم تحديد الأسعار بناءً على العرض والطلب، مع الإشارة إلى تأثير الرياح والظروف الجوية، التي تعد بحسبه عوامل حاسمة أيضا في تحديد الأثمان.
وذكر أن “الأسماك من الجنوب كانت تذهب إلى مَعامل التصبير”، لافتا إلى أن “وسائل النقل الحديثة حسّنت جودة وتوزيع الأسماك عبر ربوع المملكة”.
ولم يُخف الكاتب العام للكونفدرالية الوطنية للدفاع عن حقوق البحارة قلقه من “وجود منافسة غير شريفة بسبب الفروق في الأسعار بين الجنوب والشمال”، مطالبا تبعاً لذلك بـ”تطبيق نظام الدّْلالة بدءًا بأكادير جنوباً لتحقيق منافسة شريفة بين مختلف الموانئ”.
يشار إلى أن مقرر المجلس أشار، في بلاغ صدر الخميس الماضي، إلى أن نتائج التحقيق كشفت عن “وجود توافقات حول تحديد أسعار البيع الأول للسردين الصناعي، مما حال دون تشكل الأسعار عبر آلية السوق الحرة، وساهم في رفعها أو خفضها بشكل مفتعل”، مؤكدا تسجيل توافقات أخرى حول التوزيع والتقييد المنسق للإنتاج، الأمر الذي حد من الولوج إلى السوق، ومنع المنافسة الحرة من قبل متدخلين آخرين.
0 تعليق