بنسعيد العلوي: الاستشراق يزيل الغموض عن التراث العربي والإسلامي

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

قال المفكر والفيلسوف سعيد بنسعيد العلوي إن الشرق يمثّل في وعي المستشرقين “مقابلًا للغرب”، أي أنه “الغير”، وهو “تحديد بالسلب، فكلّ ما ليس الذّات هو غير؛ والأقوى والأكثر امتدادًا هو هذا التحديد بالسلب”، موضحًا أن “الذات تُعرَف بما هي غيرها، والضد يُدرَك بالضد (…)، والمحدِّد الغربيّ من الناحية الجغرافية يجرّ معه حمولته الإيديولوجية السلبية، وكذلك المحدِّد الديني”.

وتوقّف العلوي خلال مشاركته في برنامج “في الاستشراق”، الذي يقدمه الإعلامي ياسين عدنان على منصة “مجتمع”، عند هذا المحدِّد الديني من الناحية الإيجابية “من أجل إنصافه”، لأن “الجوانب السلبية حققت الإشباع في الكتابات، وأحيانا بنوع من المغالاة”، وشدّد على أنه لا يمكن نفي أن “الاستشراق يرتبط بالاستعمار والهيمنة. هذا الجانب حاضر بالضرورة، لكن الوعي الديني المسيحي لعب دورًا إيجابيًا مهمّا”.

وذكر المفكر المغربي، أثناء تفاعله مع أسئلة الإعلامي ياسين عدنان، أن “بداية الاستشراق مرتبطة بإرادة الكنيسة أو بمجمع كنسي”، مما يجعله “مرتبطًا بحمولة دينية من حيث إنها حمولة أخلاقية تقتضي الالتزام والصدق، وعدم تحريف النص”. وسجّل أنه “من الناحية اللغوية، هو مرتبط بميلاد الفيلولوجيا ونشأتها؛ فالاستشراق بدأ أولًا من قراءة نصوص الإنجيل، في العهد القديم والجديد، أي قراءة تريد أن تستفيد من مكاسب الفيلولوجيا الناشئة”.

وأكد الأكاديمي والروائي البارز أن “هذا الأمر كان، منذ البداية، له أثر إيجابي على تراثنا العربي الإسلامي”، مورِدًا أنه “لولا حركة الاستشراق لظلّت الكثير من نصوص تراثنا العربي الإسلامي نصوصًا غميسة، بل مفقودة”. وزاد: “ليس في مجالات الفلك والطب والمعرفة العلمية فقط، ولكن في الجانب الديني أيضًا، فهذه المتون كانت ستضيع منا لولا الجهد الذي بذله المسيحيون”.

وأضاف أن “تيارات تتصل بالفلسفة والفكر الإسلاميين، سواء بعلم الكلام أو حتى بالفقه وتاريخه، ارتبطت بالحركة الاستشراقية وبأسماء معينة ترتبط بها”، مشيرًا في هذا السياق إلى عدة أمثلة، منها “أننا ندين بالشيء الكثير للمستشرق هنري لاوست، الذي أنفق عمرًا كبيرًا في دراسة الفكر الحنبلي. كما أن هنري لاوست له فضل آخر، أعترف به، في مجموعة دروس ألقاها في الكوليج بفرنسا، عن الغزالي، وجمعها في كتاب صدر بالفرنسية حول سياسة الغزالي”.

ولفت إلى “دائرة المعارف الإسلامية”، بنسختيها الإنجليزية والفرنسية، خاصة طبعتها الثانية التي اعتبر أنها “تتضمن موادّ يرتبط كلّ منها باسم من الأسماء، وهذا شيء طبيعي فرُوجيه أرنالديز يرتبط بابن حزم، على سبيل المثال”. وتابع: “عندما تطالع هذه المادة، تغنيك عن قراءة نصوص كثيرة، وإذا أخذت مادة دمشق، تجد وتتبين أن تاريخها طبقات بعضها فوق بعض. وبالنسبة للمشتغل بالدراسات الإسلامية، لا يمكن أن يغفل “دائرة المعارف الإسلامية”، وهي لا تتصل بالنصوص الأكاديمية الكلاسيكية. فتسعة أجزاء ذخيرة لا تُقدّر بثمن”.

وتابع قائلا: “أدين لهذه الجماعة بأشياء كثيرة، ليس فقط في قراءة النصوص، بل في تعلّمات أخرى، وأعتقد أن حتى أساتذتي الروحيين تلمّسوا قيمة هذا العمل. فعبد الرحمن بدوي، رغم أنه كثيرًا ما انتقد المستشرقين، إلاّ أنه تعلّم منهم”، وحتى “محمد أركون اعتبر جهود الآخرين كلها مقاربة فيلولوجية بالدرجة الأولى، لكنه لا يستخف بها، بل يعطيها قيمتها الحقيقية. هذا من باب الاعتراف بالجميل، ولا يمكن للمشتغلين في الثقافة العربية الإسلامية، أو الفكر العربي الإسلامي في كل مراحله، إغفاله”.

وأورد صاحب “الخطاب الأشعري.. مساهمة في دراسة العقل العربي الإسلامي”، “نقطة مهمة”، قال فيها إنه “في بعض الأحيان يمكن أن تجد شخصا بقدر ما هو عظيم من الناحية العلمية بقدر ما هو سيئ ولا يطاق من الناحية الأيدولوجية”. وتابع: “أكبر وأول مثال يحضرني في هذا الباب هو برنارد لويس، فهو ليس منظرا للاستعمار الجديد ولا للمحافظين الجدد، بل مساند كبير للحركة الصهيونية”.

وبخصوص تهيئة المغرب لكي يُستَعمَر، أشار العلوي إلى أن “المهندس الأكبر للاستعمار، هوبير ليوطي، كان يحرص على نقطة أساسية، مفادها أن المغرب يشمل مخزنًا وقبائل بالفعل. ولكن البنية المغربية العميقة قضت بأن الدولة، وهي مجسدة في المخزن، عميقة جدًا، وهي عربية ولكنها تحكم الأمازيغ بكيفية وأسلوب معيّنين”، مضيفا “في ذلك الوقت، كان الصراع بين مدرستين: مدرسة القبيلة ومدرسة المخزن؛ هل أنفذ إلى المغرب عن طريق القبائل؟ إذن، عن طريق المنزع الأمازيغي؟ أم عن طريق تدجين المخزن؟”.

وتابع شارحًا “الجناح الذي كانت له الغلبة في نهاية الأمر هو الرهان على المخزن، باعتباره يمثل دولة عميقة وذات جذور ممتدّة. ومن ثم لا يمكن السكوت عن النص الشهير لليوطي عندما قال: في الوقت الذي وجدنا فيه في الجزائر شتاتًا من القبائل والجماعات، وجدنا هنا في المغرب دولتين وعرشين، لها تقاليد ولها بنية تمتد عدة قرون. فالماريشال، في النهاية، أراد منذ البداية أن يُذكي نار الفرقة بين العرب والأمازيغ (…)، والظهير البربري لم يأتِ بين يوم وليلة، ولم يأتِ بطريقة عبثية”.

" frameborder="0">

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق