مركز مغربي يبادر إلى "استكتاب دولي" من أجل تجديد الفكر الصوفي

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

أبرز الدكتور خالد التوزاني، الأستاذ بجماعة مولاي إسماعيل بمكناس، أهمية مبادرة “المركز المغربي للاستثمار الثقافي-مساق” لإطلاق استكتاب علمي دولي حول موضوع التجديد في الفكر الصوفي عند علماء المغرب، موردا أن هذا المشروع العلمي يسعى إلى تأصيل التجربة الصوفية المغربية، باعتبار المغرب مركزا تاريخيا وعالميا للتصوف، ومجالا لانتشار الطرق الصوفية ذات الطابع الوسطي والمعتدل.

وركز رئيس المركز المغربي للاستثمار الثقافي، ضمن مقال معنون بـ”المركز المغربي للاستثمار الثقافي يطلق استكتابا دولي في موضوع الفكر الصوفي عند علماء المغرب”، توصلت به هسبريس، على محاور متعددة تشمل نماذج من أعلام التصوف، وعناية السلاطين وملوك المغاربة بهذا الفكر، إضافة إلى معالم التجديد فيه، ودوره في بناء المشترك الإنساني وترسيخ التفاعل الحضاري.

وأوضح التوزاني منهجية العمل وشروط المشاركة العلمية، مؤطرا المشروع ضمن رؤية أكاديمية تسعى إلى تقديم قراءة جديدة للفكر الصوفي المغربي، تواكب التحولات الراهنة وتفتح آفاق البحث الجاد والمتجدد في هذا الحقل المعرفي العريق.

نص المقال:

أطلق المركز المغربي للاستثمار الثقافي المعروف اختصاراً بـ”مساق” استكتاباً علمياً دولياً، بشراكة مع فريق التكامل المعرفي والتجديد المنهجي بجامعة مولاي إسماعيل بمدينة مكناس، ويأتي في سياق الأعمال العلمية التي دأب المركز على تنفيذها، إذ بعد سلسلة من الإصدارات الفكرية والأدبية والبحثية يعلن عن رغبته في إعداد كتاب جماعي حول موضوع تجديد الفكر الصوفي، بالتركيز على النموذج المغربي، نظراً لكون المغرب يعد مركزاً صوفياً عالمياً، فأغلب الطرق الصوفية المنتشرة في العالم مصدرها من هذا البلد، حتى إنه يقال: إذا كان المشرق بلد الأنبياء فإن المغرب بلد الأولياء. وانطلاقاً من هذه الأهمية التي يحتلها الفكر الصوفي في المغرب، خاصة أنه يعد ثابتاً من الثوابت الدينية في المملكة المغربية، فإن التجديد في التصوف يكتسي أهمية بالغة.

ويعد الفكر الصوفي أحد الروافد المهمة ضمن دائرة الفكر الإسلامي التي يلتقي فيها كل آخذ من مصادر الشريعة الإسلامية للارتواء من معينها، إذ إن المغاربة منذ عهد الدولة الإدريسية إلى يومنا هذا عرفوا توجها سُنيا تميز في حقيقته بسمات الوسطية والاعتدال ومظاهر التسامح والانفتاح، فأقبلوا عيله إقبالا منقطع النظير لأهميته الدينية والمعرفية والمجتمعية، حيث أسهم هذا الفكر في توحيد الأمة وزرع بذور القيم ذات البعد الإنساني في الجوهر والمبدأ بفضل الملوك والعلماء والفقهاء والصلحاء، تفعيلا لمقصد صيانة وحدة المغاربة من التشتت والتفرقة؛ واستطاع بمعية الثوابت الأخرى خلق توازن قيمي حضاري عن طريق التفاعلات التي يعيش المجتمع في كنفها، بعيدا عن النزعات الفردية التي لا تحمل من معالم التجديد غير الاسم والصفة.

لذلك فإن التجديد في الفكر الصوفي عند علماء المغرب رهين بإبراز معالمه ومقتضياته، إذ إن عملية التجديد مشروطة بتحقيق المناط وتنقيحه عبر دراسة علمية لتاريخه ومساره، مع تشخيص أهدافه القائمة على بيان علاقة المؤمن بربه، وتنزيلها إلى المجتمع بصورة تفاعلية تضمن قيم العدل والسماحة والإنصاف والرضا، بما يضمن مشمولات تجديد الفكر الصوفي عند علماء المغرب، باعتبارهم حراسا للفكر ووظائفه، وتنزيلها بما يضمن التوازن والانسجام بين مختلف مكونات المجتمع المغربي وروافده، وترسيخ قيم التعايش والحسّ المشترك. لذلك فإن أهمية هذا الاستكتاب تنبع من كونه يسلط الضوء على الدلالات العميقة والمعالم الواضحة للفكر الصوفي عند علماء المغرب، بيانا للمشترك الإنساني الذي يحمل قيم الدين السمحة في علاقتها بالتفاعل الحضاري بين مختلف شرائح المجتمع المغربي.

هكذا، يروم هذا الاستكتاب تعميق النظر العلمي في المعالم الكبرى لتجديد الفكر الصوفي، وذلك من خلال تتبّع أصولها وروافدها وأعلامها وسماتها بغية الوقوف على مقاصدها في تحقيق مشترك إنساني يسعد به المجتمع في تفاعلاته الحضارية القائمة على التأثير والتأثر، مع ضرورة تحقيق المشروع الحضاري الذي تتطلّع إليه الأمة المغربية.

وتتجاوز أهمية البحث في قضية التجديد في الفكر الصوفي عند علماء المغرب، ومرجعياتها وتطبيقاتها، تعزيز الأمن الروحي لعموم المغاربة، إلى استثمارها في ترسيخ وحدة الفكر والعقيدة والسلوك عن طريق بيان معالمها الكبرى عند علماء المغرب الأفذاذ، الذين تميزوا بالموسوعية وسعة الاطلاع، محاولين ربط تجديد الفكر الصوفي بواقع الناس في معاشهم ومعادهم بصلة واقعية حضارية تضمن المشترك الإنساني المتمثل في تحقيق السلم والتعايش وفتح آفاق التعاون والتكامل.

وجاءت محاور الاستكتاب متعددة، لتنسجم مع تكامل المعارف والمنهاج، من أجل مقاربة عابرة للتخصصات، ومن وجهات نظر متباينة، تستطيع رؤية الموضوع من زوايا مختلفة، وبمنهج علمي موضوعي، يروم الفهم أولاً ثم التفسير ثانياً، وأيضاً استشراف أفق هذا الفكر في ظل التحولات العالمية.

وقد تم اقتراح ستة محاور أولية، وهي:

المحور الأول: نماذج مشرقة في الفكر الصوفي المغربي.

المحور الثاني: عناية ملوك وسلاطين المغرب بالفكر الصوفي.

المحور الثالث: معالم التجديد في الفكر الصوفي.

المحور الرابع: الفكر الصوفي: الخصائص والسمات.

المحور الخامس: دور الفكر الصوفي في بناء المشترك الإنساني.

المحور السادس: دور الفكر الصوفي في ترسيخ التفاعل الحضاري.

على أنها تمثل محاولة للاستئناس، فيما يمكن للباحثين اقتراح مجالات أخرى للبحث في موضوع التجديد في الفكر الصوفي، على أن تتسم البحوث بالجدة والابتكار وتنأى عن التقليد والتكرار، في محاولة لبلوغ نوع من الإضافة النوعية في هذا الحقل الذي كُتب فيه الكثير. وينبغي تجاوز القراءات التقليدية نحو قراءة جديدة تنهل من المناهج الجديدة ومن الرؤى الملهمة والفريدة، التي يمكن أن تتحلى بالشجاعة العلمية وعمق التحليل والتزام الموضوعية والحياد.

وهكذا فإن هذا الاستكتاب يحمل فكرة طموحة نحو تعميق الرؤى العلمية في موضوع شديد الالتباس وتتداخل فيه حقول الدين والفلسفة والأدب وعلم الاجتماع والسياسة؛ ما يجعله موضوعاً مؤهلاً لمقاربات متعددة

وسوف يتم إنجاز هذا الكتاب العلمي عبر مراحل، تبدأ من إطلاق الاستكتاب خلال ماي 2025، واستقبال الملخصات والسير العلمية للباحثين إلى غاية نهاية يونيو 2025، مرسلة إلى بريد المركز المغربي للاستثمار الثقافي، مساق: [email protected] ثم عرضها على لجان التحكيم للرد على الملخصات المقبولة؛ على أن يتم إرسال البحث كاملاً نهاية عام 2025. وسيتم تحكيم جميع البحوث، قبل إعداد الكتاب للطبع عام 2026؛ على أن يتم التفكير في تقديم الكتاب خلال ندوة دولية للتعريف بالنتائج المتوصل إليها، وذلك بعد الانتهاء من إعداده للطبع، لتكون آخر مرحلة هي نشر الكتاب دولياً وتقديم شهادات المشاركة في التأليف لكل الباحثين، وأيضاً لكل المشاركين في الندوة الدولية.

ويطمح هذا الاستكتاب إلى تقديم الجديد في موضوع معقد وملتبس، وهو التجديد في الفكر الصوفي عن علماء المغرب بين المشترك الإنساني والتفاعل الحضاري، نظراً لما يحمله هذا الموضوع من أهمية في السياق الراهن. ولذلك يشترط الاستكتاب أن تكون البحوث جديدة وغير منشورة من قبل، وأن تتسم بالسلامة اللغوية والمنهجية، واعتماد مصادر ومراجع علمية موثوقة ودقيقة، وملخص للبحث باللغتين العربية والإنجليزية؛ على ألا يقل البحث عن 15 صفحة ولا يزيد عن 30 صفحة، من أجل منح الفرصة لأكبر عدد من الباحثين للمشاركة في هذا العمل الأكاديمي الدولي، الذي يطمح لأن يكون مرجعا لكل الدارسين على اختلاف مرجعياتهم والمؤسسات العلمية التي ينتمون إليها.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق