يُنتظَر أن تدفع التعيينات الجديدة، المعلنة حديثاً، في عدد من المؤسسات الإستراتيجية للمملكة، خاصة تلك التي تمثّل أدوارا حاسمة في ضمان استقلالية منظومة العدالة المغربية وإحقاق الأمنيْن القانوني والاقتصادي، في اتجاه مزيد من الحكامة المؤسساتية ورفع مؤشرات “نجاعة الأداء”، وفق ما رصده باحثون في العلوم السياسية والقانونية.
وبصفته رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية عيّنَ الملك محمد السادس هشام بلاوي وكيلًا عاما للملك لدى محكمة النقض، رئيسا للنيابة العامة؛ وذلك خلفاً للحسن الداكي، “الذي تعذرت عليه مواصلة مهامّه لأسباب صحية”، وفق ما أعلنه بلاغ من الديوان الملكي صدر مساء الإثنين.
ويُرتقب أن يستمر بلاوي، الذي تدرَّج في مهام عديدة ومناصب وازنة بوزارة العدل قبل أن يصبح كاتباً عاماً للنيابة العامة، منذ 2018، في استكمال المهام الموكولة إلى مؤسسة النيابة العامة كـ”ضامنٍ” لمسار ابتدأه الداكي لـ”تعزيز استقلال القضاء وسيادة القانون، وضمان حقوق وحريات الأشخاص والجماعات”، كما شهِدَ له بذلك بلاغ الديوان الملكي.
وفي اليوم نفسه استقبل الملك محمد السادس، رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية، ثلاثة أعضاء جدد في المجلس؛ ويتعلق الأمر بهشام بلاوي، الذي تفضل الملك بتعيينه وكيلا عاما للملك لدى محكمة النقض، رئيسا للنيابة العامة، عضوا في المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وحسن طارق، الذي عُين عضوا في المجلس الأعلى للسلطة القضائية، بصفته وسيطاً للمملكة، وفريد الباشا، الذي تفضل الملك بتعيينه عضوا في المجلس الأعلى للسلطة القضائية.
نهج المؤسسات
سجل رضوان اعميمي، أستاذ القانون الإداري بكلية العلوم القانونية–جامعة محمد الخامس بالرباط، أن “التعيينات الملكية الأخيرة، ليوم الإثنين الماضي، يمكن قراءتها من زوايا متعددة”؛ معتبرا أن من أبرزها “استكمال هيكلة مجموعة من المؤسسات الدستورية الحاسمة”.
اعميمي، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، استحضر أن “التعيينات الجديدة التي سبقت قبل أسابيع قليلة كانت على مستوى هيئات ومؤسسات الحكامة، خاصة مؤسسة وسيط المملكة بتعيين الأستاذ حسن طارق؛ ليتم استكمال الخطوة بتعيينه في عضوية المجلس الأعلى للسلطة القضائية وفقًا لما ينص عليه القانون التنظيمي”، مضيفا أن “تعيين الأستاذيْن فريد الباشا وهشام بلاوي في مناصب قيادية جاء مؤشرا عاكساً أهمية المؤسسة في الهيكل المؤسساتي المغربي؛ لاسيما من خلال التركيز على استقلال السلطة القضائية والنيابة العامة”.
ولفت أستاذ القانون الإداري الانتباه إلى أن “الملاحَظ أنها تعييناتٌ تتعلق، في مجملها، بالسهر على ضمان الأمن القانوني والاقتصادي للمغاربة”، مبرزا أيضا دلالة أن هذه المؤسسات “تحظى برعاية ملكية كبيرة، وحرص من الملك على تعزيز مستوى حكامتها ونهجها المبني على نجاعة الأداء واستقلالية القضاء”.
كما أشار المصرح إلى أن “البروفايلات المُعيّنة تتمتع بمستوى أكاديمي وتجربة عالية، في مجالات عملها واشتغالها، تضاف إليها مراكمة تجربة أكاديمية–تدبيرية كبيرة جدًا بشكل سيعطي دفعة قوية لعمل تلك المؤسسات”.
أجمل اعميمي معلقاً لهسبريس: “بعض التعيينات الجديدة في مجموعة من المؤسسات الإستراتيجية الهامّة ذات الطبيعة الاقتصادية فتحمِل رسالة واضحة حول الحاجة إلى مواكبة الأوراش الاقتصادية والتنموية، استعداداً بالخصوص لمجموعة من الأحداث الرياضية العالمية المستقبلية؛ فضلا عن غاية مواجهة التحديات الاقتصادية المرتبطة بالجفاف والتغيرات المناخية”، وختم بأن “التعيينات المعلنة ستُساهم في إعطاء نفَسَ جديد للمؤسسات الاقتصادية والدستورية؛ إذ تتضمن الجهود إعادة هيكلة شاملة للمنظومة المؤسساتية، مع التركيز على تحسين منظومة الحكامة لتواكب عمل الحكومة، لتجسيدِ جزء من إستراتيجية تعزيز الأداء في مختلف المجالات”.
تجديد النخب
اعتبر العباس الوردي، باحث في الشأن السياسي وأستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس بالرباط، أنه في “أعقاب المجلس الوزاري الأخير فإن التعيينات الملكية استهدفت مؤسسات دستورية حاسمة وشملت مسؤولين كباراً؛ أبرزهم رئيس النيابة العامة ضمن رؤية ملكية لتداول المناصب وتجديد النُخب”.
وفي تقدير الوردي، متحدثا لجريدة هسبريس الإلكترونية، فإن “هذه الرؤية من أجل ضخ دماء جديدة تميزت هذه المرة بكونها شاملة مستويات عديدة في البُنى الدبلوماسية والقضائية؛ فضلا عن كونها ضخت نفساً جديدا ضمن السلك التدبيري بالنسبة لرجال السلطة وممثلي الإدارة الترابية بعدد من الأقاليم”.
ورصد المتحدث ذاته “التركيز على تشبيب البِنْية المرفقية وتعزيز النهج التدبيري المبني على النتائج المحصّلة وتقوية هياكل الحكامة المؤسَّسِيّة”، مع توجه لافت نحو “تعيين المسؤولين الشباب، الذين راكموا خبرات جيّدة ومساراتٍ متميزة في مناصب هامة”.
وأضاف الباحث ذاته شارحا أن “التعيينات تدعم الأوراش الكبرى المفتوحة داخل المملكة، وكذلك على المستوى القاري والدولي”، مردفا بأن “الملك محمدا السادس يسعى إلى تحسين الخدمات وإعطاء دينامية جديدة في المؤسسات المقدِّمة لهذه الأخيرة، خاصة من خلال مجلس السلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة”.
ونبه المحلل خاتماً إلى كون “التعيينات الملكية حاسمةً من حيث التوقيت والأثر المأمول؛ إذ تهدف إلى خلق إضافة نوعية للبنية المؤسسية القائمة وترصيد المكتسبات المحقَّقة، في وقت يبقى المسؤولون مُطالبِينَ بمراعاة التوجيهات الملكية للعمل الدؤوب وخدمة الصالح العام”.
0 تعليق