بمناسبة حلول ذكرى 16 ماي الإرهابية التي هزت مدينة الدار البيضاء سنة 2003 أشاد باحثون مغاربة بالإستراتيجية الشاملة التي اتخذتها المملكة بعد هذه الضربات الأليمة، معتبرين أن “الاشتغال المكثّف على مداخل متعددة منح قوّة لجهود المغرب الرامية إلى مكافحة الإرهاب وتجفيف منابع التطرف، بالاستناد إلى مقاربة استباقيّة ووقائيّة تجمع بين الجوانب التربوية والأمنية، والتشريعية، والدينية، والتنموية”.
وأبرز الباحثون أنفسهم لجريدة هسبريس الإلكترونية أن “مرور أزيد من عقدين على الواقعة يكشف القفزة التي سجلها البلد الشمال إفريقي على المستوى العملي من خلال محاصرة الفكر المتشدد وتفكيك العديد من الخلايا الإرهابية، والتصدي للذئاب المنفردة”، موضحين أن “الإستراتيجية المغربية متكاملة ومتراصّة وبعيدة المدى، وترتكز كذلك على مقاربة أمنية محكمة نالت الإشادة دوليا وتعد من بين المقاربات الأمنية المرجعية في العالم”.
مقاربة شاملة
خالد التوزاني، باحث في الفكر الديني رئيس المركز المغربي للاستثمار الثقافي، أشار إلى أن “المغرب اعتمد في البداية، بين عامي 2003 و2006، خطة مستعجلة لوضع حد لنزيف استقطاب الشباب المغربي وتجنيده في تيارات متطرفة، تدين بالولاء لعناصر خارج الثوابت الدينية للمملكة”، موردا أنه “بات اليوم من ضمن الدول الرائدة في تبني خطة أمنية بعيدة المدى، تقوم على إستراتيجية شاملة ومتعددة الأبعاد وتحظى بمصداقيّة كبيرة في السياق الدولي”.
وأردف التوزاني، ضمن تصريحه لجريدة هسبريس الإلكترونية، بأنه “في مرحلة ثانية وضع البلد خطة وقائية تعتمد على إعادة تأهيل الحقل الديني بتنظيم المجالس العلمية وتتبع تكوين الأئمة والمرشدين والقيمين الدينيين”، مضيفا أن “هذه الخطة توسعت لتشمل التربية والتعليم بتعديل المناهج والمقررات، فبلغ المغرب اليوم مستوى من اليقظة الأمنية، في أبعادها الروحية والدينية والتربوية والثقافية، تجعله رائدا في صناعة السلم وتعزيز الأمن وبناء التسامح”.
وتابع الأكاديمي المغربي: “اليوم هذه الإستراتيجية المغربية تعد مصدر إلهام لكثير من الدول والحكومات عبر العالم، تستفيد من تجربة المغرب، الذي يتزايد الطلب العالمي على خبرته في هذا المجال”، مشددا على أن “هذه الجهود تمكنت بالفعل من تجفيف منابع التطرف بفضل هذا الخطة المكتملة في كافة جوانبها”، وزاد: “استطاع المغرب القضاء على أصل التطرف ومظاهر الغلو، بدليل نجاحه في تفكيك عدة خلايا متطرفة وتوقيف عدد من العناصر في مراحل مبكرة”.
درس لتطرف آخر
الأكاديمي والباحث في الفكر الإسلامي والجماعات الدينية إدريس الكنبوري شدد على أن “المملكة المغربية منذ تفجيرات الدار البيضاء راكمت خبرات واسعة في مواجهة التهديدات الإرهابية من الناحية الأمنية، ومخاطر التطرف من الناحية الدينية والثقافية”، مبرزا أن “البلد أصبح اليوم نموذجا في المنطقة العربية في التصدي للتطرف من دون أي كلفة اجتماعية أو أمنية، بحيث نجح في تفكيك العشرات من الخلايا طيلة العقدين الماضيين عبر سياسة استباقية أثبتت مفعولها”.
وأشار الكنبوري، صاحب “الإسلاميون بين الدين والسلطة: مكر التاريخ وتيه السياسة”، في تصريحه لجريدة هسبريس الإلكترونية، إلى أنه “لا بد من التذكير هنا بمخطط إعادة هيكلة الحقل الديني وتوسيع المجالس العلمية وإصلاح مقررات التعليم، وإنشاء مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة”، موردا أن “هذه الجهود صارت معروفة لدى الخاص والعام، إضافة إلى توسيع الشراكة مع عدد من الدول الإفريقية والأوروبية، وعلى رأسها إسبانيا وفرنسا”.
وشدد الباحث المغربي ذاته على أنه “إذا كان المغرب نجح إلى حد كبير في وضع سياسة أمنية وثقافية لتحصين البلاد من التطرف طيلة عقدين من الزمن فلا بد هنا من التحذير من التطرف غير الديني الذي يستهدف ثوابت المملكة، ذاك التطرف الذي ظهر خلال هذه الفترة في البلاد وأصبح يتستر وراء دعوى محاربة التطرف لاستهداف ثوابت الدولة والمجتمع بتطرف آخر لا يقل عن التطرف الديني”، وقال: “التطرفات تتغذى من بعضها البعض، وتخدم بعضها بدون وعي، لذلك أعتقد أن مرور 22 سنة يجب أن يكون درسا وطنيا للجميع”.
0 تعليق