الجمعة 16 مايو 2025 | 05:20 مساءً

الليرة السورية
تشهد السياسة النقدية في سوريا تحوّلًا لافتًا مع اتجاه الحكومة نحو طباعة الليرة السورية خارج الأراضي الروسية، في خطوة تعكس مرحلة جديدة من الانفتاح الإقليمي والدولي، وذلك بعد سنوات طويلة من الاعتماد على موسكو في تزويد دمشق بالأوراق النقدية، لا سيما خلال سنوات الحرب التي فرضت خلالها عقوبات أوروبية صارمة على النظام السوري وأوقفت التعاون مع شركات الطباعة الغربية.
وتسعى السلطات السورية حاليًا إلى إبرام اتفاقات مع كل من الإمارات وألمانيا لطباعة عملة جديدة تحمل تصميمًا محدثًا، في مؤشر على رغبة القيادة الجديدة في البلاد بتجاوز الإرث السياسي والاقتصادي للمرحلة السابقة، ويشمل التصميم المرتقب إزالة صورة الرئيس السابق بشار الأسد من إحدى الفئات الورقية، ما يُعدّ إشارة رمزية لبدء صفحة جديدة في تاريخ البلاد السياسي والمالي.
ويأتي هذا التوجه في وقت يعاني فيه الاقتصاد السوري من نقص حاد في الأوراق النقدية، وسط محاولات حثيثة لإعادة بناء النظام المالي وإنعاش السوق المحلية، كما يتزامن مع تحسن في العلاقات الدبلوماسية بين دمشق وعدد من العواصم الخليجية والأوروبية، مما أتاح فرصًا جديدة للتعاون، بعد تخفيف بعض العقوبات المفروضة، لا سيما في ما يتعلق بالقطاع المالي وعمليات طباعة العملة.
خطط طباعة الليرة السورية
كشفت مصادر مطلعة، أن سوريا تخطط لطباعة عملة جديدة في كل من الإمارات العربية المتحدة وألمانيا، لتنهي بذلك اعتمادها الطويل على روسيا في هذا المجال في خطوة تعكس تحولًا استراتيجيًا في توجهاتها السياسية والاقتصادية، وفقًا لوكالة "رويترز".
وتمثل هذه الخطوة مؤشرًا واضحًا على تحسن العلاقات بين دمشق وعدد من الدول الخليجية والغربية، بالتزامن مع تخفيف العقوبات الأمريكية والأوروبية المفروضة على سوريا، مما يفتح أمامها آفاقًا جديدة للتعاون الاقتصادي والدبلوماسي.
800 مليون جنيه إسترليني لتطوير ميناء طرطوس
في تطور بارز يعكس هذا الانفتاح، وقّعت الحكومة السورية يوم أمس الخميس، اتفاقًا أوليًا مع شركة موانئ دبي العالمية بقيمة 800 مليون جنيه إسترليني لتطوير ميناء طرطوس، وهو المشروع الأول من نوعه منذ إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشكل مفاجئ عن نية واشنطن رفع العقوبات عن دمشق.
وبحسب المصادر، بدأت السلطات السورية في وقت سابق من العام الجاري بمناقشة إمكانية طباعة العملة في الإمارات وألمانيا، غير أن هذه الجهود اكتسبت زخمًا ملموسًا بعد أن خفف الاتحاد الأوروبي بعض عقوباته على النظام السوري في فبراير الماضي، خاصة في ما يتعلق بالقطاع المالي.
وتتضمن عملية إعادة تصميم العملة السورية إزالة صورة بشار الأسد عن إحدى الفئات البنكية من فئة اللون الأرجواني، وهي فئة لا تزال متداولة في السوق، في خطوة رمزية تشير إلى مرحلة سياسية جديدة في البلاد.
إنعاش الاقتصاد السوري
يعمل القادة الجدد في دمشق على تسريع خطط إنعاش الاقتصاد الوطني، الذي يعاني من التدهور الشديد بعد أكثر من 13 عامًا من الحرب، غير أن مساعيهم تعرقلت مؤخرًا بسبب نقص حاد في الأوراق النقدية، وهي أزمة نشأت نتيجة التراجع في طباعة العملة.
وكانت روسيا، الحليف الرئيسي للأسد طوال سنوات النزاع، قد تولّت طباعة الليرة السورية بعد أن توقفت الشركات الأوروبية عن القيام بذلك بسبب العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي، مما أنهى عقدًا كان قائمًا مع إحدى الشركات الأوروبية المتخصصة.
ورغم فرار بشار الأسد إلى روسيا في ديسمبر الماضي، حافظت القيادة السورية الجديدة على علاقات وثيقة مع موسكو، وتلقت منها في الأشهر الأخيرة عدة شحنات من الأوراق النقدية والوقود والقمح، بينما تسعى روسيا لضمان بقاء قاعدتيها العسكريتين على الساحل السوري.
وصول دفعة من العملة السورية إلى مطار دمشق
في فبراير الماضي، أعلن البنك المركزي السوري عن وصول دفعة جديدة من العملة السورية إلى مطار دمشق، بعد أن تم طباعتها في روسيا خلال فترة حكم الرئيس السابق بشار الأسد، وفقًا لما أفادت به وكالة الأنباء الرسمية "سانا".
لم يكشف البنك المركزي عن حجم الشحنة النقدية، إلا أن تقديرات مصدر مطّلع على العملية أشار إلى أن الدفعة تُقدّر بمئات المليارات من الليرات السورية، أي ما يعادل عشرات الملايين من الدولارات الأمريكية، وفقًا لرويترز.
وبحسب المصدر، فإن هذه الأموال كانت قد طُبعت مسبقًا في روسيا بطلب من حكومة الأسد، لكنها لم تُشحن إلى دمشق قبل الإطاحة به على يد الفصائل الإسلامية في ديسمبر 2024، موضحًا أن القيادة الجديدة في سوريا كانت قد أمرت بوقف التعامل مع الشركة الروسية المكلّفة بطباعة العملة فور فرار الأسد إلى موسكو، دون تقديم تفاصيل عن الدافع وراء استلام الشحنة في هذا التوقيت بعد تأجيلها لعدة أشهر.
وعقب تولي أحمد الشرع، أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أول اتصال هاتفي له مع الزعيم السوري المؤقت في خطوة تعكس محاولة لإعادة تنظيم العلاقات الثنائية بعد الإطاحة بالأسد، كما دعا بوتين وزير الخارجية السوري الجديد لزيارة موسكو، مشيرًا إلى استعداد روسيا لإعادة النظر في الاتفاقيات التي تم توقيعها خلال عهد الأسد، وفقًا لبيان صادر عن الرئاسة السورية.
وأثار استمرار التعاون بين دمشق وموسكو قلق عدد من الدول الأوروبية الساعية إلى كبح النفوذ الروسي، خصوصًا في ظل الحرب المستمرة في أوكرانيا، ولهذا، قام الاتحاد الأوروبي في فبراير بتعليق بعض العقوبات المفروضة على القطاع المالي السوري، وسمح بشكل محدد بطباعة العملة كاستثناء من تلك العقوبات.
طباعة الليرة السورية في الإمارات وألمانيا
تجري الحكومة السورية، حاليًا، محادثات متقدمة مع شركة "أمولات" الإماراتية بشأن طباعة العملة، بعد أن زار محافظ البنك المركزي السوري ووزير المالية الشركة خلال زيارة رسمية إلى الإمارات في وقت سابق من الشهر الحالي، حسبما نقلت رويترز عن مصدرين ماليين سوريين.
وفي ألمانيا، أبدت شركتان اهتمامًا بالصفقة وهما شركة "Bundesdruckerei" الحكومية، وشركة "Giesecke+Devrient" الخاصة، إلا أنه لم يتضح بعد أي من الشركتين ستفوز بعقد طباعة العملة، بحسب ما أفاد به مصدر سوري ومسؤول أوروبي.
من جهته، نفى متحدث باسم البنك المركزي الألماني وجود أي محادثات حالية بشأن طباعة العملة مع الحكومة السورية، فيما امتنعت شركة "Giesecke+Devrient" عن التعليق.
أزمة السيولة النقدية في سوريا
تواجه سوريا اليوم أزمة نقص حاد في الأوراق النقدية بالعملة المحلية، بينما تختلف التفسيرات حول أسباب هذه الأزمة، فبينما يعزوها مسؤولون إلى قيام المواطنين والجهات غير النظامية بتخزين العملات الأجنبية، يشير مصرفيون إلى أن الحكومة السورية تفرض قيودًا على تدفق العملة النقدية ضمن استراتيجية تهدف إلى التحكم في سعر الصرف.
وتتعامل البنوك السورية بشكل متكرر مع العملاء برفض سحب مدخراتهم أو تلبية طلبات الشركات، ما يؤدي إلى زيادة الضغط على اقتصاد يعاني أصلاً من تبعات الحرب والمنافسة المتزايدة من الواردات الرخيصة.
جدير بالذكر أن سوريا كانت تعتمد في السابق على النمسا لطباعة عملتها، من خلال شركة "Oesterreichische Banknoten-und Sicherheitsdruck GmbH" التابعة للبنك المركزي النمساوي، قبل أن تتحوّل إلى روسيا بعد فرض العقوبات الأوروبية.
سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأمريكي
يُذكر أن سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأمريكي بلغ اليوم الجمعة نحو 10 آلاف ليرة في السوق السوداء، مقارنة بـ 15 ألفًا قبل الإطاحة بالأسد، في حين كان الدولار يساوي 50 ليرة سورية فقط عام 2011، قبل اندلاع الحرب الأهلية.
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل نيوز يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
0 تعليق