أضاحي العيد بين عظمة الشعيرة وتحديات الواقع.. نظرة في فقه «الأضحية» وأحكامها

البوابة نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

مع اقتراب عيد الأضحى المبارك، يعود إلى الأذهان سؤال قديم متجدد: ما هي الأضحية؟ وما هو مغزاها الروحي والاجتماعي؟ وكيف يتجلى هذا الطقس العريق في واقعنا المعاصر بكل تحدياته وتقلباته؟، نسعى من خلال هذا التقرير إلى استكشاف جوانب متعددة لهذه الشعيرة الإسلامية المقدسة، بدءًا بجذورها التاريخية والفلسفية، مرورًا بمظاهرها الاحتفالية، وصولًا إلى التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه ممارستها في عالم اليوم.

جذور عميقة في التاريخ الإنساني

الأضحية تضرب بجذورها عميقًا في التاريخ الإنساني، حيث عرفت العديد من الحضارات القديمة أشكالًا من القرابين الحيوانية تقربًا للآلهة أو تعبيرًا عن الشكر والامتنان، وفي الإسلام، تتجلى الأضحية في قصة النبي إبراهيم عليه السلام؛ وامتثاله لأمر الله بذبح ابنه إسماعيل، قبل أن يفديه الله بذبح عظيم. هذه القصة ليست مجرد سرد تاريخي، بل تحمل في طياتها دروسًا عظيمة في التسليم لإرادة الله، والتضحية بالنفس والمال في سبيله، والتكافل الاجتماعي.

أبعاد روحية واجتماعية متكاملة

تتجاوز الأضحية كونها مجرد فعل ذبح حيوان، إلى أنها شعيرة تحمل أبعادًا روحية واجتماعية متكاملة، فعلى المستوى الروحي، تمثل تجديدًا لعهد العبودية لله، وتعبيرًا عن الشكر على نعمه، وتذكيرًا بقصة إبراهيم وإسماعيل كنموذج للتضحية والإيمان، كما أنها تطهير لنفس المضحي من الشح والأنانية، وتعزيز لقيم الكرم والجود.

أما على المستوى الاجتماعي، فتجسد الأضحية معاني التكافل والتراحم، فمن خلال توزيع جزء من الأضحية على الفقراء والمحتاجين والأقارب والجيران، يتم تعزيز الروابط الاجتماعية وتقوية أواصر المحبة والتآخي في المجتمع. إنها فرصة لتوسيع دائرة العطاء والاهتمام بالآخرين، خاصة أولئك الذين قد لا يملكون القدرة على توفير اللحوم لأنفسهم.

مظاهر احتفالية متنوعة

تتجسد الأضحية في مظاهر احتفالية متنوعة تختلف من بلد إلى آخر ومن ثقافة إلى أخرى، ففي مصر، كما في العديد من الدول الإسلامية، تشهد الأسواق حركة نشطة لشراء الأضاحي قبل العيد بأيام، وتتزين الشوارع والبيوت استعدادًا لهذه المناسبة، وفي يوم العيد، تكتظ المساجد بالمصلين، وتعلو التكبيرات والتهليلات، ثم تبدأ مراسم الذبح التي غالبًا ما تكون مناسبة عائلية واجتماعية يشارك فيها الكبار والصغار.

تتنوع أنواع الأضاحي بين الأغنام والأبقار والإبل، وتختلف أحجامها وأسعارها، وتخضع عملية الذبح لضوابط شرعية تضمن سلامة الحيوان وكرامته، كما تشدد الشريعة على أهمية الإحسان في الذبح وعدم تعذيب الحيوان.

تحديات اقتصادية واجتماعية معاصرة

في عالم اليوم، تواجه ممارسة الأضحية تحديات اقتصادية واجتماعية متزايدة، فارتفاع الأسعار وتكاليف المعيشة قد يجعل شراءها أمرًا صعبًا على الكثير من الأسر ذات الدخل المحدود، هذا الواقع يثير تساؤلات حول كيفية تمكين هذه الأسر من إحياء هذه الشعيرة الهامة؟، كما تبرز قضايا تتعلق بالاستدامة والرفق بالحيوان في ظل التزايد الكبير في أعداد الأضاحي في بعض المناطق، وتظهر دعوات لتبني بدائل أكثر استدامة أو لتنظيم عملية الذبح بشكل أفضل لضمان سلامة البيئة وحقوق الحيوان.

بدائل ومبادرات مبتكرة

لمواجهة هذه التحديات، ظهرت مبادرات وأفكار مبتكرة تسعى إلى تسهيل ممارسة الأضحية وتوسيع نطاقها ليشمل المحتاجين بشكل أكبر؛ من بين هذه المبادرات:

الأضاحي الجماعية؛ حيث تشترك مجموعة من الأشخاص في شراء أضحية واحدة وتقاسم لحومها، والتوكيل بالذبح، حيث يقوم المضحي بتوكيل جمعية خيرية أو مؤسسة موثوقة بشراءها وذبحها وتوزيعها على المستحقين، كذلك التبرع بقيمتها، حيث يتم التبرع بقيمة الأضحية نقدًا للمساهمة في مشاريع إغاثية أو تنموية تخدم الفقراء والمحتاجين، فهذه البدائل تسعى إلى تحقيق مقاصد الشريعة في التكافل والعطاء مع مراعاة الظروف الاقتصادية والاجتماعية المعاصرة.

يجوز للمقيمين في الخارج ذبح الأضحية داخل مصر

تصديقًا لذلك، قالت دار الإفتاء المصرية، إنه يجوز للمقيمين في الخارج ذبح الأضحية داخل مصر بل هو أمر مستحب حتى لو المضحي يعيش خارج البلاد؛ وذلك قياسًا على أمر الزكاة والصدقات في هذا الشأن، مؤكدةً أن ذلك  سواء كان الذابح هو المضحِّي أو نائبه أو وكيله؛ كما في حال الجمعيات والمؤسسات في هيئة صكوك، ولا حرج في ذلك شرعًا.

وثمنت «الإفتاء»، لمبادرة التي أطلقتها وزارة الدولة للهجرة وشئون المصريين بالخارج، بالتعاون مع وزارة الأوقاف لتوفير صكوك أضاحي للجاليات المصرية في الخارج، وشراءها إلكترونيًا عبر الوسائل المؤمنة، مشيرًا إلى أولوية إرسال المصريين المقيمين خارج مصر؛ بزكاة مالهم وأضاحيهم إلى المحتاجين داخل وطنهم الأم، مشددًا على أن لذلك أفضلية وأولوية وان مصر وأهلها أولى بمساعدة مواطنيها وأبنائها.

وفي ردِّها على سؤال عن حكم إخراج بعض المال عِوَضًا عن ارتفاع أسعار الأضاحي، قالت الدار: إن شعيرة الأضحية سنَّة مؤكَّدة، وشرطها الاستطاعة، والأمر على السَّعة؛ فمن لم يملك ثمنها كاملًا فلا وزر عليه، ولا داعي لتكلف الإنسان بشأنها، مشيرًا إلى أنه لا يجزئ إخراج المال أو شراء لحم وتوزيعه عن القيام بالأضحية، ولكن مساعدة المحتاجين أمر مستحب على سبيل الصدقة.

شروط وأنواع الأضحية

وأوضحت دار الإفتاء، أنه يشترط في الأضحية ما يشترط في غيرها من الذبائح؛ مِن كون الحيوان حيًّا، وأن تزهق روحه بالذبح، وألا يكون صيدًا من صيد الحرم، وأن يبلغ سنَّ التضحية، وأن تكون الأضحية سالمةً من العيوب، وأن تكون مملوكةً للمضحِّي، وينوي بها التقرب إلى الله تعالى، كما أن وقت الأضحية يبدأ من بعد صلاة عيد الأضحى، وينتهي بغروب شمس الثالث عشر من شهر ذي الحجة، ويستحب توزيعها أثلاثًا؛ ثلثٌ للمضحي، وثلث للهدية، وثلثٌ للفقراء.

في السياق ذاته، قال مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، إنه من شروط الأضحية أن تكون من بهيمة الأنعام، وهي الإبل والبقر والغنم بسائر أنواعها، وتشمل الجاموس والمعز، ولا يُجزئ غيرها من الحيتان والطيور وسائر الحيوانات؛ لقول الله سبحانه وتعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۗ فَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا ۗ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ}.

سنن يجب أن يفعلها المضحي

ويضيف المركز قائلًا: الأضحية سنة مؤكدة على القادر عليها من المسلمين، على قول جمهور الفقهاء، وهو الراجح، واستدلوا بحديث سيدنا رسول الله ﷺ: «إِذَا دَخَلَتِ الْعَشْرُ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا»؛ فقوله ﷺ: «وأراد أحدكم» دليل على سُنيّة الأُضْحِيَّة وعدمِ وجوبها، بينما ذهب الحنفية إلى أنها واجبة على المقيمين الموسرين.

ويجوز الاشتراك في الأُضْحِية إذا كانت من الإبل، أو البقر والجاموس فقط، وتجزئُ البقرة أو الناقة عن سبعة أشخاص ومن يعولونهم، وهو قول جمهور الفقهاء، ولا يجزئ الاشتراك في أقل من السُّبْع عن الواحد ومن يعول من أهل بيته؛ لما روي عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: «نَحَرْنَا بِالْحُدَيْبِيَةِ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ».

بينما تجزئ الشَّاة من الضَّأن أو المعز في الأضحية عن الشَّخص الواحد وعن أهل بيته مهما كثروا، إذا كانت مملوكة له، وضحى بها، من باب التَّشريك في الثَّواب، غير أنها لا تجزئ في أضحية أكثر من شخص إذا اشتركوا في ثَمَن شرائها.

كيف جبر الرسول خاطر غير القادرين

ومن جبر خاطر غير القادرين على الأضحية من الأمة أن سيدنا رسول الله ﷺ ضحَّى عنهم، فإذا كان القادر قد ضحَّى عن نفسه وأهل بيته، فإن غير القادر ضحَّى عنه سيد الأنام ومسك الختام ﷺ؛ فعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، وأبي هريرة رضي الله عنه: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ، اشْتَرَى كَبْشَيْنِ عَظِيمَيْنِ سَمِينَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ، فَذَبَحَ أَحَدَهُمَا عَنْ أُمَّتِهِ لِمَنْ شَهِدَ لِلَّهِ بِالتَّوْحِيدِ وَشَهِدَ لَهُ بِالْبَلَاغِ، وَذَبَحَ الْآخَرَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَعَنْ آلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ».

رمز للتضحية والعطاء المستمر

بناءًا على تلك المعطيات، تبقى الأضحية رمزًا قويًا للتضحية والإيمان والتكافل الاجتماعي. إنها ليست مجرد طقس موسمي، بل هي قيمة إنسانية وأخلاقية تتجدد في كل عام، وتذكرنا بأهمية البذل والعطاء والتراحم في بناء مجتمعات قوية ومتماسكة، وبين عظمة الشعيرة وتحديات الواقع، يبقى جوهر الأضحية ثابتًا، تقرب إلى الله، وتوسيع دائرة الخير لتشمل كل من حولنا، ومع التفكير في كيفية إحيائها في سياقنا المعاصر، فإننا نؤكد على أن روح التضحية والعطاء يجب أن تستمر وتتجلى في مختلف جوانب حياتنا.

سنن مستحبة

وبالعودة إلى سنن الأضحية لغير الحاج، فإنه يستحب 5 أمور ذكرتها دار الإفتاء، وهي:

1- أن يذبح بنفسه إن قدر على ذلك؛ لأنه قربة، ومباشرة القربة أفضل من التفويض والتوكيل فيها، واستثنى الشافعية إن كان المضحي أنثى أو أعمى فالأفضل في حقهما التوكيل.

2- التسمية عند الذبح خروجًا من خلاف مَن أوجبه، فيقول: باسم الله والله أكبر، وحبذا لو صلى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ويستحب له الدعاء بقوله: اللهم منك ولك، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أُمرت، وأنا من المسلمين؛ وذلك لحديث فاطمة رضي الله عنها الآتي ولغيره.

3- أيضا يستحب للمضحي أن يبادر بالتضحية ويسرع بها قبل غيرها من وظائف العيد وأيام التشريق لِابتدار الخير؛ قال تعالى: «وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ» [آل عمران: 133].

4- ومن سنن الأضحية لغير الحاج أيضًا أن يربطها قبل التضحية يوم النحر بأيام؛ إظهارًا للرغبة في القربة، وأن يقلدها؛ أي يجعل شيئًا في عنقها ليعلم أنها أضحية، وأن يُجَلِّلها؛ وهو تغطيتها وإلباسها الجُلَّ بضم الجيم أو فتحها؛ لصيانتها قياسًا على الهَدي.

5- وتشمل سنن الأضحية لغير الحاج ألا يزيل شيئًا من شعره أو أظفاره إذا دخل أول ليلة من عشر ذي الحجة؛ تشبهًا بالحجيج، والأصل في ذلك حديث أم سلمة رضي الله عنها مرفوعًا: «إِذَا دَخَلَتِ الْعَشْرُ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا» أخرجه مسلم، وبعضهم جعل الحكمة من ذلك أن يبقى مريد التضحية كامل الأجزاء رجاء أن يعتق من النار بالتضحية، وهذا الأمر مسنون عند المالكية والشافعية، واجب عند الحنابلة.

6- كما يستحب للمضحي له أن يسمِّن الأضحية أو يشتري السمين؛ لأن ذلك من تعظيم شعائر الله تعالى، وإن كانت شاة أن تكون كبشًا أبيض عظيم القرن خصيًّا؛ لحديث أنس رضي الله عنه: «أنه صلى الله عليه وآله وسلم ضحَّى بكبشين أملحين موجوءين»، وقد سبق.

أعمال مكروهة 

وبعد استعراض سنن الأضحية لغير الحاج، أوضحت دار الإفتاء 3 أعمال يكره للمضحي فعلها وهي:

1- يكره للمضحي التضحية في الليل لغير حاجة.

2- ويكره التصرف في الأضحية بما يعود عليها بضرر في لحمها أو جسمها، خاصة إذا كانت معينة أو منذورة؛ كالركوب، أو شرب لبن يؤثر فيها، أو جزِّ صوف يضر بها، أو سلخها قبل زهوق الروح.

3- يكره إعطاء الجازر ونحوه أجرته من الأضحية؛ لحديث علي رضي الله عنه قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أقوم على بُدنه وأقسم جلودها وجِلالها، وأمرني ألَّا أعطي الجزار منها شيئًا، وقال: «نَحْنُ نُعْطِيهِ منْ عِنْدنَا» رواه البخاري.

أخبار ذات صلة

0 تعليق