تعيش أحزاب المعارضة بالمغرب حاليا إحدى أصعب لحظاتها، في سياق يتسم أساسا باستمرار “هيمنة” أحزاب الأغلبية على وسائل إنتاج القرار، لا سيما التشريعي منه، وفشل مبادرات كان يراد منها إثارة المسؤولية السياسية للحكومة قبل موعد الانتخابات التشريعية.
ونتيجة لخلافات جماعية حول نقاط يراها بعض المتتبعين “ثانوية”، فشلت مبادرة تقديم ملتمس الرقابة بعدما أعلن الفريق الاشتراكي ــ المعارضة الاتحادية، الجمعة، توقيفه للتنسيق بخصوصها، وهي المبادرة التي تجمعه للمرة الثانية بكل من الفريق الحركي وفريق التقدم والاشتراكية، ثم المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، الأمر الذي أغلق هذا الملف بشكل رسمي.
واتّسعت دائرة الخلاف بين مكونات المعارضة بعد هذا المستجد؛ إذ تناسلت تصريحات إعلامية فضّل فيها كل مكون “إطلاق النار” على الطرف الآخر، محمّلا إياه مسؤولية فشل مبادرة كان طرحها سيمثل تجسيدا صريحا لمضمون الفصل 105 من دستور البلاد.
وفي مستجد جديد يخص العلاقة بين الحكومة والمعارضة، قررت الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري (الهاكا)، المؤسسة المستقلة، حفظ شكاية سابقة لأحزاب التقدم والاشتراكية، العدالة والتنمية والحركة الشعبية، تهمّ وصلة إشهارية تُبثّ على التلفزيون العمومي قيل إنها “تتضمّن تمجيدا للعمل الحكومي وتمثل تصريفا لمواقف حزبية بعينها”.
وإذا كانت هذه المستجدات لا تسرّ مكونات المعارضة، فإنها من جهة ثانية تعتبر “هدايا مجانية” لفائدة الأغلبية الحكومية، في نظر بعض المحللين السياسيين؛ إذ من شأنها “إبراز تماسك أحزاب الاستقلال، والأصالة والمعاصرة والتجمع الوطني للأحرار، على بعد حوالي عام على الانتخابات التشريعية”.
في المقابل، تذهب بعض التحليلات الأكاديمية الأخرى إلى حد القول بأن “قوة الحكومة لا يمكن بتاتا أن تبنى على ضعف معارضة بالكاد تعاني من نتائج الاقتراع والقوانين الانتخابية”، مع تأكيدها أن “المشهد السياسي يساهم في إفشال مبادرة كملتمس الرقابة حتى قبل طرحها. وبالتالي، فإن هذا المستجد يبقى بمثابة تحصيل حاصل”.
وقال عبد الحميد بنخطاب، أستاذ بجامعة محمد الخامس بالرباط رئيس الجمعية المغربية للعلوم السياسية، إن “هذه المستجدات أبرزت بجلاء الضّعف الذي أصاب المعارضة الحكومية، التي لم تعد قادرة حتى على إسماع صوتها، فما بالك بالتأثير على العمل الحكومي”.
وأضاف بنخطاب، ضمن إفادات قدّمها لهسبريس، أن “فشل أحزاب المعارضة، للمرة الثانية على التوالي، في تفعيل ملتمس الرقابة يعتبر بمثابة هدية مجانية لفائدة الأغلبية التي تؤكد بين الفينة والأخرى تماسكها في مواجهة إكراهات التدبير العمومي”.
ولفت بنخطاب إلى أن “هذا الوضع يدفع الأغلبية الحكومية إلى مزيد من التماسك لاستكمال ما تبقى من الولاية الحالية بكل أريحية، وحتى دخول السباق الانتخابي بكل اطمئنان”، وأردف: “بإمكان هذا السياق المساهمة في إعادة إنتاج الأغلبية الحكومية نفسها في سنة 2026، مع تغييرات طفيفة في بنيتها في الحد الأقصى”.
وتابع شارحا: “الاستعدادات السابقة لطرح ملتمس الرقابة بيّنت بجلاء كيف أن أطراف المعارضة ظلت تناقش جزئيات غير مهمة، وهو ما مكّن من إجهاض هذه المبادرة التي كانت ستمكّنها، على الأقل، من إسماع صوتها مادام أنها تتحدث دائما عن هيمنة الأغلبية الحكومية”.
وأكد رئيس الجمعية المغربية للعلوم السياسية أن “هذه المستجدات تفتح باب مرحلة جديدة أمام فرق المعارضة، وستؤكد فرضية انسجام الأغلبية فيما بينها”، مضيفا: “لقد وصلنا إلى مرحلة لم تعد فيها المعارضة قادرة على إسماع صوتها كما يجب، وذلك لأسباب ذاتية وموضوعية”.
من جهته، قال عبد الرحيم العلام، أستاذ القانون الدستوري وعلم السياسة بجامعة القاضي عياض، إن “وضعية المعارضة تبقى إشكالية كبيرة لدينا بالمغرب، مادام أنها تعيش على إيقاع الضعف بعدما اكتسحت أحزاب الأغلبية كل شيء ولم تترك لها أبسط الوسائل من أجل القيام بمهامها كما يجب”.
وأوضح العلام، في تصريح لهسبريس، أن “مجموعة من المعطيات لا تعطينا معارضة قوية بالمغرب، بما فيها النمط الانتخابي المعتمد وفقدان المصداقية في العملية السياسية؛ إذ من الصعب أن نتحدث عن معارضة مادامت لا تملك حتى ثلث مقاعد مجلس النواب”.
وشدد المتحدث على أن “الديمقراطية الحقيقية تتطلب معارضة قوية، ومن المستبعد أن تستفيد الأغلبية من الوضعية الحالية لفرق المعارضة، على اعتبار أن الحكومة القوية توجد في ظل معارضة قوية”، متابعا: “لا يمكن تشكيل حكومة قوية بناء على معارضة ضعيفة”.
ولدى حديثه المفصّل عن الوضعية الحالية التي توجد فيها كل من المعارضة والأغلبية، بناء على المستجدات الأخيرة، ذكر الأستاذ الجامعي أن “إنتاج معارضة وحكومة قويتين يتطلب إعادة النظر في القوانين الانتخابية مادام أن النظام المعمول به حاليا لا يساعد على ذلك”.
ولم يغفل أستاذ القانون الدستوري وعلم السياسة الإشارة إلى حفظ “الهاكا” شكايات المعارضة حول وصلة “مونديال 2030″، فقد لفت إلى أن “الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري لديها تصور يقول بأننا لم نصل بعد إلى مرحلة تأسيس إعلام عمومي، من خلال مواصلة اعتبار التلفزيون مؤسسة حكومية تهدف إلى الترويج لعمل المؤسسة التنفيذية، لا غير”.
0 تعليق