كالبوابة السحرية التي تربط الشرق بالغرب، أعلنت قناة السويس، الشريان الحيوي للتجارة العالمية، عن قرار جريء بخفض رسوم العبور بنسبة 15% لسفن الحاويات العملاقة التي تتجاوز حمولتها 130 ألف طن.
وهذا العرض المحدود، الذي يمتد لثلاثة أشهر والذي بدأ من 15 مايو 2025، يشبه دعوة مفتوحة للسفن لتعود إلى حضن القناة الآمن، فما الذي دفع مصر إلى هذه الخطوة الاستراتيجية؟ وكيف تسعى القناة لاستعادة عرشها كملكة الممرات البحرية؟.
وفي هذا التقرير، من بانكير، لماذا أقدمت الحكومة المصرية على خفض رسوم العبور بنسبة 15% لسفن الحاويات العملاقة.
التوترات المحيطة
ولم تكن السنوات الأخيرة رحلة هادئة لقناة السويس، فمنذ أواخر 2023، ألقت هجمات الحوثيين في البحر الأحمر بظلالها على حركة الملاحة، مما أجبر العديد من السفن على الهروب إلى طريق رأس الرجاء الصالح، الذي يشبه مغامرة طويلة ومكلفة عبر المحيطات.
ووفقًا لبيانات هيئة قناة السويس، انخفضت إيرادات القناة بنسبة مذهلة بلغت 50.7% في يناير وفبراير 2024، مسجلة 724 مليون دولار فقط مقارنة بـ1.469 مليار دولار في الفترة ذاتها من العام السابق.
والحمولة المارة تقلصت بنسبة 49%، وكأن القناة، التي تمر عبرها 12% من التجارة العالمية، فقدت جزءًا من قلبها النابض.
ولكن مع تراجع وتيرة الهجمات منذ ديسمبر 2024، وبعد إعلان الولايات المتحدة وقف القتال مع الحوثيين، بدأت السماء تتضح فوق البحر الأحمر، وهنا رأت هيئة القناة فرصة ذهبية لاستعادة السفن الهاربة، فأطلقت مبادرة التخفيض كإشارة ترحيب عالمية.

لماذا التخفيض الآن؟
والقرار ليس مجرد خصم عابر، بل خطوة مدروسة تشبه لعبة شطرنج اقتصادية، حيث يستهدف التخفيض سفن الحاويات الكبرى، التي تشكل العمود الفقري للنقل البحري، في محاولة لإغرائها بالعودة إلى القناة بدلاً من تحمل مغامرة رأس الرجاء الصالح.
والفريق أسامة ربيع، رئيس الهيئة، وصف القرار بأنه "استجابة لصوت السوق"، مشيرًا إلى أن توقيته يتماشى مع تحسن الأوضاع الأمنية، مما يجعل القناة خيارًا آمنًا وموفرًا.
والهدف هو تعزيز تنافسية القناة التي تعد ممرًا لـ30% من حاويات الشحن العالمية يوميًا، واستعادة الإيرادات التي خسرتها مصر في 2024، والتي قدرت بخسائر تصل إلى 7 مليارات دولار، في حين أن التخفيض يشبه مفتاحًا سحريًا يفتح أبواب القناة أمام الخطوط الملاحية التي عانت من ارتفاع تكاليف التأمين، التي تضاعفت عشر مرات بسبب المخاطر الأمنية.
نبض الاقتصاد المصري
وقناة السويس ليست مجرد ممر مائي، بل شريان حياة للاقتصاد المصري، ففي العام المالي 2022-2023، حققت إيرادات قياسية بلغت 9.4 مليار دولار، لكن الاضطرابات الأخيرة هددت هذا الإرث.
والتخفيضات الجديدة تظهر مرونة مصر في مواجهة التحديات، حيث تسعى لدعم وكالات الشحن العالمية مع ضمان استمرار تدفق النقد الأجنبي، حيث إنها خطوة تشبه استعراض قوة ناعمة، تعكس التزام مصر بالحفاظ على مكانة القناة كأيقونة تجارية عالمية.
هل ستعود السفن؟
وبدأت بوادر النجاح تلوح في الأفق، والخط الملاحي التايواني "إيفرجرين" أعلن عودته إلى القناة في يونيو 2025، وهو إشارة إيجابية قد تلهم خطوطًا أخرى لاتباع المسار ذاته، ولكن الفريق ربيع شدد على أن التخفيضات ليست إعفاءات، وأن جميع السفن، بما فيها المصرية، تدفع رسومًا عادلة، مما يعكس نهجًا متوازنًا يحافظ على هيبة القناة.
وكأنها ملكة تستعيد تاجها، تسعى قناة السويس من خلال هذا القرار إلى إعادة كتابة قصتها، في حين أن التخفيضات ليست مجرد عرض اقتصادي، بل دعوة للعالم ليعود إلى مسار أقصر وأكثر أمانًا.
ومع تحسن الأوضاع في البحر الأحمر، تتطلع مصر إلى أفق مشرق، حيث تستعيد القناة إيقاعها النابض، وتعود لتكون بوابة التجارة العالمية بلا منازع.
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل الإخباري يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
0 تعليق