قمتا قادة الخليج و(آسيان) والصين بماليزيا.. تعزيز للشراكات الاستراتيجية وتنويع لمسارات التعاون الإقليمي

سحب جديد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في فترة محورية من التحولات الدولية المتسارعة تستعد ماليزيا لاحتضان قمتين تاريخيتين تجمعان قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) والصين في العاصمة كوالالمبور غدا الاثنين وبعد غد الثلاثاء وذلك في إطار سعي الاطراف الثلاثة لتعزيز الشراكات الاستراتيجية وتنويع مسارات التعاون الإقليمي ضمن نظام عالمي يتجه نحو تعددية قطبية.

وسيترأس ممثل حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح حفظه الله ورعاه سمو ولي العهد الشيخ صباح خالد الحمد الصباح حفظه الله وفد دولة الكويت والجانب الخليجي في أعمال القمتين في إطار رئاسة الكويت لأعمال الدورة ال45 للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية.

وتستضيف كوالالمبور قمة مجلس التعاون ورابطة (آسيان) في نسختها الثانية وقمة مجلس التعاون ورابطة (آسيان) والصين في نسختها الأولى بهدف تعزيز التعاون الإقليمي والتكامل الاستراتيجي وذلك ضمن أعمال القمة ال46 لقادة (آسيان) والقمم المرتبطة بها برئاسة ماليزيا للتكتل الإقليمي هذا العام تحت شعار (الشمولية والاستدامة).

وتأتي القمة الأولى استكمالا للزخم الذي أحدثته قمة مجلس التعاون و(آسيان) التي عقدت في الرياض في أكتوبر 2023 حيث تقرر عقد القمم بشكل دوري كل عامين فيما تمثل دعوة الصين الى القمة الثانية تطورا لافتا في مسار التعاون الثلاثي نحو شراكات متعددة الأطراف.

وتعكس قمة (آسيان) مع مجلس التعاون الخليجي والصين التزام ماليزيا بسياسة "الحياد الإيجابي" والانفتاح المتزن على جميع الأطراف كما صرح بذلك رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم في بيان أعقب جولته الميدانية في موقع انعقاد هذا الحدث الدولي.

وأوضح إبراهيم أن نجاح القمة يتطلب تنسيقا حكوميا شاملا معتبرا أنها "محطة تاريخية" في السياسة الإقليمية فيما أشار إلى أن مشاركة الصين تمثل "رافعة استراتيجية" لتعزيز تكامل الجنوب العالمي وتحقيق مصالح مشتركة للدول المشاركة.

ومع اقتراب موعد القمة الثلاثية تواصل الحكومة الماليزية استعداداتها على قدم وساق لاستضافة هذا الحدث الدولي الذي وصفته ب"التاريخي" معتبرة إياه تتويجا لمسار دبلوماسي طويل يهدف إلى ترسيخ موقع ماليزيا كمركز محايد ومنفتح للتواصل بين القوى الإقليمية والدولية.

وأكد مسؤولون حكوميون في بيانات رسمية أن القمة ستركز على شعار "تضافر الفرص الاقتصادية نحو الازدهار المشترك" بما يعكس التزام كوالالمبور بدفع التعاون المتعدد الأطراف في مواجهة التحديات العالمية.

وستتناول القمة قضايا رئيسة تشمل سلاسل الإمداد وتقلبات التجارة الدولية والتغير المناخي والتعاون في الطاقة المتجددة والبنية التحتية والأمن الغذائي والتكنولوجيا المتقدمة.

ويتضمن جدول الاعمال مباحثات محتملة حول اتفاقية تجارة حرة إلى جانب توقيع عدد من الاتفاقيات الثنائية والمتعددة في قطاعات استراتيجية كما من المنتظر أن يشارك في القمة 19 قائد دولة وأكثر من 20 ألف مسؤول ومندوب في حدث يعكس توجها متسارعا نحو تعزيز التكامل بين (آسيان) والخليج والصين وسط تسارع التحولات الدولية في أبعاد مختلفة.

وهنا تؤكد الباحثة في مركز آسيا والشرق الأوسط للبحوث والحوار في ماليزيا شهيرة أسمان أن العلاقات بين (آسيان) ودول الخليج والصين تشهد تطورا ملحوظا بدأ منذ عقود منتقلة من تبادلات تجارية بحتة إلى تعاون استراتيجي متعدد الأوجه. وأشارت الباحثة أسمان في تصريح لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) إلى أن (آسيان) أصبحت الشريك التجاري الأول للصين في حين يوفر مجلس التعاون الخليجي إمدادات الطاقة الحيوية مما أسهم في تعميق الروابط عبر اتفاقيات تجارة واستثمارات ضخمة في مجالات البنية التحتية والطاقة والتجارة المتنامية بين الخليج وآسيا.

وأضافت أن هذا التحول تمت ترجمته بتوسيع الاتفاقيات الاقتصادية وتنظيم قمم دورية رفيعة المستوى إلى جانب بعض التعاون الأمني المحدود موضحة أن غياب إطار مؤسسي متكامل "لا يزال عائقا نتيجة تباين الأولويات" وأن التحدي يكمن في "التوفيق بين هذه الرؤى لبناء شراكة استراتيجية مستدامة".

واعتبرت أن قمة كوالالمبور لعام 2025 تمثل لحظة مفصلية قد تمهد الطريق نحو تأسيس آلية ثلاثية رغم غياب إطار رسمي دائم حتى الآن لافتة إلى انعقادها في وقت حساس يشهد تصاعدا في النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين "ما يعزز من أهمية تحرك التكتلات الإقليمية لتعزيز استقلالها الاقتصادي وتنويع تحالفاتها".

ورأت أن القمة لا تعقد في مواجهة الغرب "بل هي منصة لتعزيز صوت الجنوب العالمي وإعادة التوازن إلى النظام الدولي عبر التعاون المتعدد الأطراف والتكامل الحر" منبهة إلى أن نجاح هذه المبادرة رهن بقدرة ماليزيا على قيادة القمة بكفاءة والحفاظ على وحدة (آسيان) واستقلال قرارها الاستراتيجي وسط تحديات داخلية أبرزها الانقسامات الإقليمية والخلافات البحرية.

من جهته أكد الخبير الإعلامي المستقل في شؤون جنوب شرق آسيا والصين جمال محمد في تصريح مماثل ل (كونا) أن القمتين المرتقبتين في كوالالمبور تمثلان فرصة تاريخية لتعزيز الشراكات الاستراتيجية وإضفاء طابع مؤسسي على التعاون المتنامي بين التكتلات الثلاثة في ظل التغيرات الجيوسياسية والاقتصادية التي تشهدها الساحة الدولية.

واعتبر محمد أن توقيت القمتين يعكس الحاجة إلى تكتل إقليمي قوي قادر على التفاعل مع التحولات الاقتصادية العالمية وتصاعد التعددية القطبية موضحا أن تجاوز التحديات السياسية والأمنية مثل النزاعات في بحر الصين الجنوبي والتنافس بين القوى الكبرى سيتيح المجال لتشكيل تحالف ثلاثي مؤثر خلال عام 2025 يعزز من دور الجنوب العالمي في رسم السياسات الدولية.

وأشار إلى أن القمتين قد تمهدان لتأسيس منظومة تعاون جديدة في حال تمت إدارتهما بحكمة وهو ما أكدته الحكومة الماليزية التي ترى أن الإدارة الرشيدة لهذا التعاون الثلاثي يمكن أن تفضي إلى نشوء كتلة اقتصادية عالمية ذات تأثير ملموس توازن بين مصالح الأطراف الثلاثة وتستثمر في الفرص المشتركة.

ولفت إلى أن ماليزيا بصفتها رئيس (آسيان) لعام 2025 تقف أمام "اختبار دبلوماسي مهم" لقيادة هذا التعاون الثلاثي بفضل علاقاتها المتوازنة مع الصين ودول الخليج ونهجها الحيادي مقارنة ببعض الدول الأخرى.

وقال إن استضافة كوالالمبور للقمتين "لحظة محورية" لتكريس موقع ماليزيا كوسيط موثوق يمكنه إدارة المصالح المتباينة بينما يشكل انخراط الصين في القمة مكسبا دبلوماسيا يعكس مساعي بكين لتأكيد شراكتها في مواجهة التصعيد مع واشنطن.

من ناحيته أكد أستاذ دراسات (آسيان) في الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا فار كيم بنغ في مقال منشور له أن القمتين المقبلتين تمثلان "نموذجا نادرا" للتنسيق الدبلوماسي إذ تلتقي ثلاث منصات تعتمد الحياد الاستراتيجي دون انحياز.

وقال كيم بنغ إن (آسيان) ومجلس التعاون الخليجي "يعملان كمنسقين محايدين للقوى العظمى المتنافسة كالصين والولايات المتحدة دون أن ينظرا لهما ككتل عدائية وهو ما يجعل من قمتي كوالالمبور أداة للتكيف الإقليمي وليستا ساحة مواجهة جيوسياسية".

وأوضح أن كلا التكتلين نجح في تجاوز الانقسامات الأيديولوجية التي ميزت التكتلات التقليدية إذ طورت (آسيان) آليات توافق فعالة رغم اختلاف أنظمتها بين الشيوعية والليبرالية فيما عاد مجلس التعاون إلى واجهته الموحدة بعد أزمة 2017-2021 مؤكدا استقلاليته الاستراتيجية ومرونته المؤسسية.

ورأى أن القمتين تمثلان فرصة واقعية لتحقيق توازن استراتيجي بين أمن الطاقة والتحول الأخضر إذ يحتفظ الخليج بدوره كمصدر رئيسي للنفط فيما تتصاعد مكانة (آسيان) في إنتاج الغاز والديزل الحيوي والطاقة الشمسية وتجمع الصين بين استهلاك ضخم وريادة تكنولوجية خضراء.

وأشار إلى المباحثات المقررة أن تجريها القمتان بشأن سلاسل الإمداد والمعادن الاستراتيجية متوقعا أن تسهم القمتان في تهدئة التوترات الصينية - الأمريكية عبر منصة تفكير جماعي.

فيما أفاد نائب مدير مركز الدراسات الآسيوية غلام علي في مقال تحليلي بأن الحكومة الماليزية أنشأت هيئة استشارية غير رسمية للاعداد للقمتين المقرر عقدهما في كوالالمبور مشيرا الى أن هذه الخطوة تعكس جدية السلطات في ضمان نجاح الحدث وسط تحديات إقليمية متصاعدة من أبرزها التوترات بين الولايات المتحدة والصين وأزمة ميانمار التي قد تلقي بظلالها على أعمال قمة (آسيان) الرئيسية في ظل رئاسة ماليزيا للرابطة هذا العام.

وأوضح علي أن شراكة (آسيان) مع الصين تعد الأقدم والأكثر نضجا إذ بدأت عام 1996 وأسفرت عن تأسيس منطقة التجارة الحرة بين الجانبين التي تجرى حاليا مفاوضات لتوسيعها مؤكدا أن حجم التبادل التجاري بينهما جعل كلا منهما "الشريك الأكبر للآخر".

وأضاف أن العلاقات الصينية - الخليجية تطورت منذ قمة الرياض 2023 كما أن علاقات (آسيان) بمجلس التعاون تطورت من اجتماع وزاري 2009 إلى قمة كوالالمبور المقبلة ذات الطابع الثلاثي.

وأشار إلى أن دعوة الصين للمشاركة في القمة الثلاثية تم التمهيد لها قبل فوز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالانتخابات ما دفع الأطراف الثلاثة إلى تسريع وتيرة التنسيق المشترك تحسبا لتحولات محتملة في السياسات الأمريكية المقبلة.

وفي هذا الصدد لفت إلى أن العديد من دول (آسيان) والخليج بدأت تنفتح على تكتلات بديلة مثل مجموعة (بريكس) الاقتصادية ومنظمة (شنغهاي) للتعاون الإقليمي في ظل تحولات استراتيجية أعمق معتبرا أن قمتي كوالالمبور تمثلان "لحظة فارقة" قد تؤسس لمثلث استراتيجي جديد يربط بين (آسيان) والخليج والصين ضمن نظام عالمي يتجه نحو تعددية الأقطاب.

يذكر أن حجم التبادل التجاري بين الصين ورابطة (آسيان) بلغ عام 2024 نحو 963 مليار دولار أمريكي وفق بيانات نشرتها وكالة (بي آر نيوزواير) الاخبارية.

أما في الربع الأول من عام 2025 فبلغ حجم التجارة بين الطرفين نحو 2ر234 مليار دولار أمريكي بزيادة سنوية قدرها 1ر7 في المئة وفقا لتقرير نشرته صحيفة (غلوبال تايمز) الصينية.

في المقابل أظهر تقرير نشره الموقع الرسمي لوزارة الصناعة والتجارة الفيتنامية أن حجم التبادل التجاري بين (آسيان) ومجلس التعاون الخليجي بلغ 7ر130 مليار دولار أمريكي في عام 2023 ما يجعل دول الخليج مجتمعة سادس أكبر شريك تجاري ل (آسيان).

أما العلاقات الاقتصادية بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي فسجلت بدورها نموا لافتا إذ بلغ حجم التبادل التجاري بين الطرفين نحو 298 مليار دولار أمريكي في عام 2023 مع توقعات بارتفاعه إلى 325 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2027 بحسب تقرير نشرته وكالة (بلومبيرغ).

وتعد رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) تكتلا إقليميا أسس عام 1967 ويضم إندونيسيا وماليزيا وسنغافورة وتايلاند والفلبين وفيتنام وبروناي ولاوس وميانمار وكمبوديا وتسعى إلى تعزيز التكامل الاقتصادي والسياسي والاجتماعي وتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة.

وإلى جانب الدول الأعضاء تقيم (آسيان) شراكات استراتيجية مع عدد من شركاء الحوار الرئيسيين من أبرزهم الصين واليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة والهند وروسيا وأستراليا ونيوزيلندا وكندا بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي.

وانضمت جميع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية إلى (معاهدة الصداقة والتعاون في جنوب شرق آسيا) وهي وثيقة محورية ترسخ المبادئ الحاكمة لعلاقات (آسيان) مع الدول من خارج الإقليم وفي مقدمتها احترام السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وتسوية النزاعات بالوسائل السلمية.

ووقعت كل من دولة الكويت والسعودية المعاهدة عام 2023 فيما وقعتها الإمارات وسلطنة عمان وقطر عام 2022 في حين كانت البحرين أول دولة خليجية تنضم إلى المعاهدة عام 2019.

للمزيد تابعخليجيون نيوز على: فيسبوك | إكس | يوتيوب | إنستغرام | تيك توك

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق