فى خطوة دبلوماسية، استضافت مدينة إسطنبول التركية يومى ١٥ و١٦ مايو الجاري، جولة من مفاوضات السلام بين روسيا وأوكرانيا، وهى الأولى من نوعها منذ عام ٢٠٢٢.
وقد أسفرت هذه المفاوضات، التى جرت بوساطة تركية نشطة، عن التوصل إلى اتفاق مبدئى على تبادل ألفى أسير بين البلدين المتحاربين، مما يمثل أكبر صفقة تبادل أسرى يتم الاتفاق عليها حتى الآن.
وخلال يومى المفاوضات، أجرى الوفد التركي، الذى ترأسه وزير الخارجية هاكان فيدان وبحضور رئيس جهاز الاستخبارات التركى إبراهيم قالن، محادثات مكثفة ومنفصلة مع كل من الوفدين الروسى والأوكراني.
كما شملت الجهود التركية إجراء محادثات مع مسئولين أمريكيين بهدف تسهيل التوصل إلى تفاهمات. وقد لعب الجانب التركى دورًا محوريًا فى إنجاح هذه الجولة من المفاوضات، من خلال توفير بيئة تفاوضية فعالة ومحايدة ساعدت الجانبين على تحقيق تقدم ملموس، لا سيما فى ملف تبادل الأسرى
أهمية دور تركيا
من جانبه، أكد الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى أن عملية تبادل الأسرى الكبيرة التى بدأت يوم الجمعة بين بلاده وروسيا، هى نتاج مباشر لمفاوضات السلام التى جرت فى إسطنبول. وفى رسالة مصورة نشرها، أعلن زيلينسكى أنه شهد شخصيًا تبادل ٣٩٠ أسيرًا من كل طرف، بينهم مدنيون وعسكريون.
وأوضح الرئيس الأوكرانى أن صفقة تبادل الأسرى الكبيرة هذه جاءت كنتيجة للمفاوضات التى استضافتها تركيا الأسبوع الماضي. وتابع زيلينسكى قائلًا: "هذه المرحلة الأولى من أكبر صفقة تبادل تم الاتفاق عليها فى تركيا، وهى فى الواقع النتيجة المهمة الوحيدة لتلك المفاوضات، حيث يعيق الروس كل ما عدا ذلك".
وأشار إلى أن عملية تبادل الأسرى ستستمر فى الفترة القادمة، مؤكدًا فى الوقت ذاته على الحاجة الماسة إلى التوصل إلى وقف لإطلاق النار، واتخاذ خطوات دبلوماسية جادة نحو تحقيق سلام حقيقى ودائم.
غياب بوتين وتحدى زيلينسكي
على الرغم من الأجواء الإيجابية التى أحاطت بملف تبادل الأسرى، إلا أن غياب الرئيس الروسى فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرجى لافروف عن حضور محادثات إسطنبول بشكل شخصي، أثار تساؤلات حول مدى جدية الجانب الروسى فى التوصل إلى تسوية شاملة للأزمة.
وكان الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى قد وجه تحديًا مباشرًا للرئيس بوتين، داعيًا إياه إلى الحضور شخصيًا للمشاركة فى مفاوضات مباشرة، وهى الأولى من نوعها منذ عام ٢٠٢٢.
وأكد زيلينسكى أن هذه المفاوضات لن تنجح إلا بحضور بوتين، معتبرًا إياه الشخص الوحيد القادر على اتخاذ قرار بإنهاء الحرب.
يذكر أنه منذ ٢٤ فبراير ٢٠٢٢، تشن روسيا هجومًا عسكريًا واسع النطاق على جارتها أوكرانيا، وتشترط موسكو لإنهاء هذا الهجوم تخلى كييف عن طموحاتها بالانضمام إلى الكيانات العسكرية الغربية، وهو ما تعتبره كييف تدخلًا سافرًا فى شؤونها الداخلية وسيادتها الوطنية.
مواقف دولية متباينة وترقب حذر
فى سياق متصل، أعلن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب أنه قد يتوجه إلى تركيا فى حال أحرزت المحادثات تقدمًا ملموسًا. وفى المقابل، توجه الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى إلى العاصمة التركية أنقرة للقاء الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، لبحث آخر تطورات المفاوضات والجهود الدبلوماسية.
تأتى هذه المفاوضات فى وقت حساس، حيث كان الرئيس الروسى فلاديمير بوتين قد اقترحها فى محاولة لامتصاص غضب الدول الأوروبية التى هددت بفرض عقوبات اقتصادية هائلة على موسكو إذا لم يلتزم بوقف إطلاق النار اعتبارًا من يوم الاثنين الماضي، ومع ذلك، لم يؤكد بوتين يومًا حضوره الشخصى لهذه المحادثات.
التزام روسيا بالحل السلمي
على الجانب الآخر، أكد وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف التزام بلاده بالتوصل إلى حل سلمى للأزمة الأوكرانية، وبالتفاهمات التى تم التوصل إليها خلال مفاوضات إسطنبول مع الجانب الأوكراني.
وفى تصريحات للصحفيين، اتهم لافروف الجيش الأوكرانى بتنفيذ هجمات بطائرات مسيرة استهدفت أهدافًا مدنية داخل الأراضى الروسية، وذلك خلال الفترة الممتدة من ٢٠ إلى ٢٣ مايو الجاري.
وقال إن هذه الهجمات جرت بدعم من بعض الدول الأوروبية، وذكر بالاسم بريطانيا وفرنسا وألمانيا، مشيرًا إلى أنها أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى.
وأضاف لافروف: "نحن على يقين من أن هذه الدول لها نصيب أيضًا فى الجرائم المرتكبة، وسنعمل على وضع حد لهذه السياسة".
ووصف هذه الهجمات بأنها "محاولة واضحة لتقويض عملية التفاوض التى بدأت فى إسطنبول، تماشيًا مع التفاهمات التى تم التوصل إليها بين الرئيس الروسى فلاديمير بوتين ونظيره الأمريكى دونالد ترامب".
وعلى الرغم من هذه الاتهامات، أكد لافروف أن موسكو ستواصل العمل بناءً على التفاهمات التى تم التوصل إليها فى إسطنبول مع أوكرانيا. وأوضح أن روسيا ملتزمة بالحل السلمى للأزمة، وأنها على استعداد دائم للتفاوض، وملتزمة بما تم التوصل إليه بين وفدى البلدين فى إسطنبول.
وتابع: "إننا نقترب من استكمال إجراءاتنا حيال إعداد القوائم المتعلقة بتبادل الأسرى، وفق صفقة ١٠٠٠ مقابل ١٠٠٠".
وذكر لافروف أن الجانبين اتفقا على تقديم رؤيتهما حول وقف إطلاق النار المحتمل بشكل مفصل، وأن روسيا ستسلم أوكرانيا مسودة وثيقة تعمل عليها فى هذا الصدد، فور اكتمال عملية تبادل الأسرى.
ويبقى السؤال الأهم معلقًا: هل تنجح مفاوضات إسطنبول فى تحقيق اختراق حقيقى يتجاوز ملف تبادل الأسرى، أم أن غياب القيادة الروسية العليا سيجعل من الصعب التوصل إلى سلام دائم وشامل ينهى هذه الحرب المدمرة؟ الأيام القادمة كفيلة بالإجابة.

0 تعليق