ينادي الباحث والأستاذ الجامعي سعيد بنيس بإنشاء مرصد وطني حول البيئة الرقمية بالمغرب، يضم مختصين وممثلين عن الحكومة، في ظلّ “تنشئة متوحّشة غير مؤطّرة”، تجعل الأسرة “خارج اقتصاد التربية”، وتقود الأجيال الجديدة المنخرطة في العالم الرقمي إلى “الغرائبية الهوياتية”، و”التيه المواطناتيّ”، و”الهجانة القيميّة”.
وشدّد بنيس على ضرورة “اعتبار الانحراف الافتراضي سؤالا من أسئلة السياسات العمومية التي يتوجب على الحكومات المقبلة الجواب عنها؛ ولاسيما مع المنطق الجديد لما يطلق عليه: الانتقال الرقمي”.
ونبّه الباحث ذاته إلى ضرورة اهتمام السياسات العمومية بـ”استعادة محاضن التربية دورها في التنشئة، مثل: الأسرة والمدرسة والجامعة والحزب والنقابة والنادي والجمعية… من خلال فعل المصاحبة والمواكبة والتأطير”، و”الاشتغال على محو الأمية الرقمية عند أولياء الأمور”، مع “إحداث مسارات التربية على الميديا في المدرسة المغربية؛ لتصويب الانزلاقات القيمية الصاعدة من الافتراضي”.
وانطلاقا من دراسات المعهد الملكي للدراسات الإستراتيجية، والبحث الميداني السنوي الذي أنجزته الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات، بتنسيق مع وزارة الصناعة والاستثمار والتجارة والاقتصاد الرقمي، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، والهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، والمندوبية السامية للتخطيط، خلال الفصل الأول من 2018، يقول المتحدث إن 99 بالمائة من المغاربة يستخدمون الهواتف الذكية وشبكة الإنترنت.
وتابع بنيس: “انطلاقا من عينة 12.000 أسرة وفرد بلغ عدد الأفراد المتوفرين على هاتف متنقل 3.9 لكل أسرة، فيما 86 في المائة من البالغين أكثر من 5 سنوات والمتوفرين على هاتف ذكي يستعملونه للولوج إلى الإنترنت، أي ما يعادل 19.6 ملايين فرد. كما أن تطبيقات الهاتف المتنقل تستعمل من طرف 93 في المائة من الأفراد المتوفرين على هاتف ذكي، والدافع الرئيسي بالنسبة إلى 90 في المائة من الأسر للتوفر على الهاتف الثابت هو الولوج إلى الإنترنت”.
في الآن نفسه، ووفق العينة ذاتها، صرح 70 في المائة من الآباء بأنهم غير مجهزين لمرافقة وتوجيه استخدام أطفالهم للإنترنت، فيما 94.3 في المائة من المستعملين البالغين أكثر من 5 سنوات يشاركون في المنصات الاجتماعية، في حين أن 21.4 في المائة منهم فقط قد يكونون مدركين مخاطر وتهديدات استخدام الإنترنت بدون حماية لاستعمالاتهم، وفق الباحث ذاته.
وفي ظلّ هذا الواقع يبيّن الأكاديمي نفسه أن وسائط التواصل الاجتماعي صارت محددا للروابط الاجتماعية وعاملا لفهم وتأويل وضعية الأسرة المغربية، وصارت محضنا جديدا من محاضن التنشئة المجتمعية يقوم على قيم صاعدة من الافتراضي، تؤثر بطريقة عمودية وأفقية في مآلات الأسرة والتربية وطبيعة الرابط الاجتماعي في ظل الثورة الرقمية، مع تمييزه في ذلك بين قيم إيجابية وأخرى سلبية.
ومن القيم الإيجابية التي ينمّيها العالم الرقمي، وفق بنيس: التضامن، والمبادرة، والانخراط المدني، واللمة الأسرية للأبناء الذين يدرسون في مدن بعيدة أو في الخارج، وإعادة تسييس اليافعين والشباب، والانتقال من الجمعية إلى الفردانية إلى الاستقلالية، وزاد مستدركا: “لكن، تنتج الوسائط الرقمية أيضا قيما سالبة من قبيل: الانعزالية التي تصير عدوانية، والعلاقات الأسرية المتوترة، والإدمان والابتزاز والتنمّر الافتراضي، وثقافة الكراهية، وإنتاج طقوس جديدة تمس العيش المشترك، مثل الطعام الذي يُطلب عن بعد، والتعرض للفضاء الافتراضي ‘الموبوء’ بسرديات هامشية، وعروض مثل ‘روتيني اليومي’؛ بل إنه بسبب منصة ‘تيكتوك’ سجّلت في فرنسا حالات انتحار شباب، أو بتر للجسد، أو اختلالات في نظام التغذية، ما استوجب لجنة تقصّ برلمانية، تكوّنت من برلمانيين وعلماء نفس، وأنصِت لعيّنة من الآباء والشباب والأساتذة”.
0 تعليق