تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي عدوانها على مدينة جنين ومخيمها لليوم الـ128 على التوالي، في هجوم عسكري واسع النطاق يتخذ طابعًا تدميريًا ممنهجًا يهدف إلى تغيير المعالم الجغرافية والبنية التحتية للمخيم، وسط تصعيد لوتيرة الاقتحامات والاعتداءات اليومية، ومنع تام لوصول الطواقم الإنسانية والإعلامية إليه.
تدمير شامل للبنية وتهجير قسري
في قلب هذا العدوان، يتعرض مخيم جنين إلى عمليات تجريف وتفجير مستمرة، أدت إلى تدمير أكثر من 600 منزل بشكل كامل، وتضرر مئات المنازل الأخرى جزئيًا، ما أجبر نحو 22 ألف مواطن على النزوح من المخيم ومحيطه، وفقًا لتقديرات بلدية جنين. هذا النزوح الكثيف خلق ضغطًا هائلًا على البنية التحتية والخدمات في المدينة، وفاقم من الأوضاع الإنسانية والاقتصادية فيها.
ويؤكد رئيس بلدية جنين، محمد جرار، أن الاحتلال الإسرائيلي دمّر البنية التحتية للمخيم بشكل شبه كامل، مشيرًا إلى أن الطواقم المحلية تعمل ضمن خطة طوارئ مستمرة، تهدف إلى إبقاء المدينة على قيد الحياة من خلال إصلاح الشوارع، وإعادة تشغيل شبكات المياه والصرف الصحي، لا سيما في الحي الشرقي، بتكلفة وصلت إلى 17 مليون شيقل، كما يجري العمل على إعادة تأهيل الشوارع المؤدية إلى المراكز الحيوية، ومنها الشارع المؤدي إلى مستشفى ابن سينا.
شلل اقتصادي ودمار بمئات الملايين
بحسب تقديرات بلدية جنين، بلغ حجم الأضرار المباشرة الناتجة عن العدوان الإسرائيلي نحو 300 مليون دولار، كما فقد 4000 عامل أعمالهم نتيجة توقف الحركة الاقتصادية بشكل شبه كامل، لا سيما في وسط المدينة الذي يشهد اقتحامات متكررة للمحال التجارية ومكاتب الصرافة.
وفي تصعيد جديد، اقتحمت قوات الاحتلال محال صرافة في شارعي حيفا وأبو بكر، وصادرت محتوياتها ومبالغ مالية، واعتقلت عددًا من الموظفين فيها، في خطوة يرى فيها مراقبون استهدافًا مباشرًا للقطاع الاقتصادي والمالي في المدينة. كما أُغلقت محال أخرى بالقوة وعلقت منشورات تهديدية على جدرانها.
انتهاكات ممنهجة ضد المدنيين والصحافيين
لم تسلم الطواقم الصحفية من العدوان، حيث تعرّض عدد منهم للاختناق نتيجة قنابل الغاز التي أطلقها جنود الاحتلال وسط المدينة، فيما أُصيب طفل يبلغ من العمر 12 عامًا برصاص مطاطي خلال مواجهات وقعت بعد الاقتحام. هذه المواجهات رافقها إطلاق مكثف لقنابل الصوت والغاز، ونشر قناصة على أسطح المجمعات التجارية، ما عطّل الحركة بالكامل لمدة تزيد على سبع ساعات، وأدى إلى إغلاق المحال وتعليق دوام المدارس.
عسكرة شاملة للميدان
على الصعيد العسكري، تستمر قوات الاحتلال في الدفع بتعزيزات جديدة إلى مخيم جنين ومحيطه، وتنشر فرق المشاة في الأحياء المجاورة، فيما تسجل البلدات المحيطة، مثل عرابة، اقتحامات ليلية متكررة، شملت تفتيش محطات محروقات ومصادرة ممتلكات من محال الصرافة. وتُسجل تحركات عسكرية شبه يومية في معظم قرى محافظة جنين، ما يعكس حالة من الحصار العسكري المستمر على المنطقة بأكملها.
حصيلة دامية
منذ بداية العدوان، بلغ عدد الشهداء 40 شهيدًا، إلى جانب أكثر من 200 إصابة، بينما اعتقل الاحتلال قرابة 1000 مواطن من جنين وطولكرم خلال الشهور الأربعة الماضية، وفقًا لنادي الأسير الفلسطيني، في حملة اعتقالات تُوصف بأنها ممنهجة وواسعة النطاق، استهدفت النشطاء، والشباب، وأصحاب الخلفيات السياسية والاجتماعية المتنوعة.
قراءة في الأهداف والدلالات
إن هذا التصعيد المستمر على جنين ليس مجرد حملة أمنية عابرة، بل يبدو أقرب إلى عملية تطهير ممنهجة تهدف إلى تقويض البنية المجتمعية للمخيم، وكسر رمزيته كمركز مقاومة تاريخي. ويتجاوز الأثر الإنساني لهذه العمليات حدود التدمير الآني، ليزرع ندوبًا اجتماعية واقتصادية عميقة في نسيج المدينة.
ويعكس الاستهداف المتكرر للمرافق الاقتصادية والبنية التحتية المدنية، بما في ذلك شبكات المياه والصرف الصحي، توجهًا إسرائيليًا نحو استخدام العقاب الجماعي كأداة للردع والسيطرة، في ظل غياب أي ضغط دولي جاد لوقف العدوان، وسط صمت متزايد من المجتمع الدولي.
0 تعليق