لطالما ارتبط سرطان الرئة بصورة نمطية لا تخطئها العين، رجل متقدم في العمر، يدخن منذ عقود، وصوته خشن من أثر التبغ، ورغم أن هذه الصورة لا تزال مألوفة، إلا أن الواقع الصحي بات يحمل مفاجآت مقلقة تتحدى هذا التصور، وفي السنوات القليلة الماضية، بدأت مراكز الأبحاث حول العالم، وعلى رأسها “المعهد القومي الأمريكي للسرطان”، في رصد ارتفاع ملحوظ لحالات الإصابة بسرطان الرئة بين الشباب، بل وبين من لم يلمسوا سيجارة في حياتهم. فهل تغير وجه المرض؟ أم أن هناك عوامل خفية لم تكن تؤخذ بالحسبان؟
10% من المرضى تحت سن الـ55… ولا دخان!
وفقا لموقع healthline الإحصاءات الحديثة في الولايات المتحدة تكشف أن واحداً من كل عشرة مرضى بسرطان الرئة هو شاب لم يبلغ الخامسة والخمسين، لكن ما يثير القلق حقًا هو أن معظم هؤلاء الشباب لم يكونوا من المدخنين على الإطلاق. الأمر الذي دفع الأوساط الطبية لإعادة النظر في مسببات المرض ونطاق انتشاره.
ورغم ذلك، لم يسقط التدخين من قفص الاتهام؛ فبحسب بيانات “مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC)”، يظل التبغ المسؤول الأول عن 80% إلى 90% من وفيات سرطان الرئة. غير أن ظهور حالات بين فئات غير تقليدية يفتح الباب واسعًا نحو تساؤلات لا يمكن تجاهلها.
ما وراء السيجارة: متهمون آخرون في قفص الاتهام
البيئة، الوراثة، وحتى جدران المنازل.. كلها باتت ضمن قائمة الشبهات، فقد ثبت أن التعرض المطوّل لتلوث الهواء، أو العمل في أماكن تحتوي على مواد كيميائية كالمبيدات والمذيبات، يزيد من احتمالية الإصابة، وبرز في السنوات الأخيرة تهديد صامت اسمه “غاز الرادون”، وهو غاز عديم اللون والرائحة، يتسرب من التربة إلى المنازل، ويُعد ثاني أهم مسبب لسرطان الرئة بعد التدخين، متسببًا في نحو 21 ألف حالة وفاة سنويًا بحسب الـCDC.
أما التدخين السلبي، فليس أقل خطورة، خاصةً في البيئات المغلقة مثل المنازل أو السيارات، حيث يتحول الهواء إلى خليط سام يُستنشق دون وعي.
عندما يختبئ المرض في الظل
المعضلة الكبرى في حالات سرطان الرئة لدى الشباب، هي التأخر في التشخيص. فقلّة من الأطباء يفكرون بهذا التشخيص عند زيارة شاب يشكو من سعال أو آلام صدرية، ويزيد الطين بلة أن الأعراض المبكرة غالبًا ما تُفسر على أنها التهابات بسيطة أو إجهاد عضلي، فيُفوت وقت ثمين كان يمكن خلاله السيطرة على المرض.
أعراض مثل سعال مزمن، ألم في الظهر أو الصدر، ضيق في التنفس، أو خروج دم مع البلغم، يجب أن تُؤخذ على محمل الجد، خصوصًا إذا استمرت لأكثر من بضعة أسابيع.
كيف نحمي أنفسنا؟
يقول الخبراء إن تجنب الإصابة لا يتوقف فقط على الابتعاد عن السجائر. فهناك مجموعة من الإجراءات البسيطة التي قد تُحدث فرقًا كبيرًا، أبرزها:
• الانتباه للهواء في المنزل: فحص مستويات الرادون داخل البيت لا يستغرق أكثر من يوم، وقد يحميك من خطر غير مرئي.
• الغذاء الواقي: الإكثار من الخضروات والفواكه الغنية بمضادات الأكسدة يساعد الجسم على مقاومة التأثيرات الضارة للملوثات.
• الانفصال عن المدخنين… صحياً: اتخاذ موقف واضح ضد التدخين السلبي داخل المنزل أو مكان العمل هو خطوة بالغة الأهمية.
• مشاركة التاريخ العائلي مع الطبيب: فوجود حالات سابقة في العائلة قد يعني الحاجة لفحوصات وقائية دورية.
0 تعليق